"رشفة الموت" في عدن.. دعوة أخرى لمكافحة الأخطار المحدقة بالمدينة
عدن اليوم - مانشيت | السبت 20 أكتوبر 2018 10:57 مساءً
فتحت شرطة العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، السبت، تحقيقاً عاجلاً في وفاة 7 أشخاص في عدن، بشكل مفاجئ، بسبب تعاطيهم "مادة سامة" خلال الأيام القلائل الماضية، وسط تعدد الروايات غير الرسمية لنتائج التقارير الطبية الأولية، المتفحصة لجثامين بعض المتوفين، بحثاً عن أسباب الوفاة.
وقالت شرطة عدن، في بيان لها، إن عدد الوفيات جراء التعاطي لـ"مادة سامة، لم تحدد الجهات الطبية بعد نوعها"، ارتفع إلى 7 وفيات، فيما لا يزال الثامن يتلقى الرعاية الصحية في قسم العناية المركزة بمستشفى الجمهورية، بمدينة خور مكسر. مؤكدة على شروعها في فتح تحقيق "سريع لمعرفة ملابساتها وهي بانتظار نتائج الفحص الطبي"، لتحديد أسباب الوفيات.
الـ"مزاج" القاتل
وبدأت مستشفيات عدن، الثلاثاء الماضي، باستقبال أولى الحالات المتعاطية لـ"خمور محلية الصنع"، في مدينة كريتر، وتوفي الشخص الأول، فيما وصلت حالة أخرى بعد ذلك مصابة بالعمى إلى أحد المستوصفات الطبية في المدينة، قبل أن يتم تحويلها إلى أحد المشافي الأخرى، لتتوالى بعد ذلك الحالات تباعاً، مثيرة قلق المرافق الصحية من ما يحدث.
يقول نائب شرطة مدنية كريتر، سهيل اسكندر، إن التقارير الطبية الأولية لإحدى الحالات التي كانت مصابة بتسمم وحالتها الصحية حرجة، تشير إلى أن المريض يعاني تسمماً نتيجة تعاطيه مادة الإسبرت الخام.
ويؤكد في حديث صحفي نشره موقع وزارة الداخلية، أمس، أن شرطة كريتر بادرت من خلال مباشرتها بفتح تحقيق مع أقارب وأصدقاء المصابين الذي جرى نقلهم إلى المستشفيات، وأتضح خلال ذلك أن جميع المصابين بالتسمم هم من مدمني تعاطي الكحول، وأن المادة التي تعاطوها، جلبها لهم أحد الأشخاص من منطقة القاهرة، بمديرية الشيخ عثمان، وتبيّن لاحقاً أن هذا الشخص توفي هو أيضاً في اليوم ذاته نتيجة إصابته بالتسمم.
بين الجشع وحاجة المجتمع
وفي وقت ما تزال فيه عمليات التحقق من أسباب هذه الوفيات من خلال التقارير الطبية النهائية، تحدثت مصادر طبية لوسائل إعلام محلية بشكل متضارب، ثمّة من يقول أن الخمور التي تناولها المتوفين كانت ممزوجة بمادة اسبرت خام، ومضافة بكثرة، ما تسبب في حالة إغماء وعمى، بينما يشير آخرون إلى امتزاج مادة "الفورمالين" بالخمور.
مصادر طبية في مستشفى الجمهورية التعليمي بخور مكسر، قالت لـ"مانشيت"، إن مادة "الفورمالين" أو ما يعرف بـ"الميثانول" تتحول إلى سم وأداة قاتلة عند مزجها بكميات كبيرة بالخمور، بشكل أكثر من المقدار المعين لكل كمية محددة من الخمور، وتُضاف هذه الكميات الكبيرة منه في حالة الغش، لأن ثمن "الميثانول" الرخيص يدفع لاستخدامه بكثرة تفوق النسب الممكن للجسم البشري تحملها، وبالتالي تتضاعف كميات الخمور وتدرّ ربحاً أكبر على المصنعين المحليين.
وسبق أن تسببت حادثة مشابهة في سبتمبر من العام الجاري، بوفاة 37 شخصاً في ماليزيا، نتيجة شرب الخمور المغشوشة التي وصلت فيها مادة "الميثانول" إلى أكثر من 50 مرة من الكمية المسموح بمزجها بالخمور المحلية.
يقول الدكتور في كلية الصيدلة بجامعة عدن، محمد أحمد الشقاع، في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، إن كارثة الوفيات التي تشهدها عدن في الوقت الحالي، تبدو شبيهة بكوارث أخرى وقعت في العالم، حيث توفي ما لا يقل عن 57 شخص في روسيا في ديسمبر 2016، إثر تناولهم لغسول جسم أدعي أنه "الإيثانول"، وكانوا يتناولونه كبديل لـ"الفودكا" غالية الثمن في المناطق الفقيرة، لكن هذا الغسول كان يحوي مادة "الميثانول"، وعلى الرغم من وجود التحذير على زجاجات الغسول التي تنص على أنه غير آمن للشرب.
وتبدو حوادث التسمم بـ"الميثانول" شائعة في دول العالم، منذ مطلع فترة الثمانينيات من القرن الماضي، إلا أن أكبر عدد لحالات التسمم بها، سجلتها الولايات المتحدة الأمريكية، في 2013، إذ بلغت أعداد المصابين 1700 حالة تسمم، غالبيتهم من الذكور البالغين.
وأصبحت قضية "وفيات المزاج" في عدن، تمثل رأياً عاماً بين أوساط المثقفين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، في عدن خاصة، واليمن بشكل عام، تعددت فيها الآراء حول مسببات الموت هذه المرة، لأشخاص أدمنوا على تعاطي "الخمر البلدي" بشكل يومي تقريباً، وسط دعوات إلى ضرورة مكافحة الترويج والاتجار بالخمر. ومع كل ذلك الجدل المُثار على مواقع التواصل، إلا أن الجميع يبدو مترقباً الحلّ هذا اللغز، من خلال إعلان نتائج التقارير الطبية والأمنية النهائية المفسرة لما بات يُعرف بـ"رشفة الموت".
وتبدو هذه الحادثة الغربية كـ"دعوة" قادتها الصدفة وربما جشع مصانع الخمر البلدي، إلى الجهات المسؤولة في عدن والحكومة بشكل عام، تدعوهم فيها إلى نظرات متفحصة لحجم الأخطار المحدقة بالمدنية، وحاجة المجتمع إلى كسر رتابة العجز الأمني، بعد أن أصبح تعاطي الخمور والمخدرات بأنواعها، أشياء لا تستدعي الحرج والحياء والخوف، وبات باعتها يستطيعون الوقوف في أي زاوية معتادة من زوايا شوارع المدينة المثقلة بالمآسي، لبيع "مستقبل" عدن وأهاليها