قطر وإستراتيجية الصعود إلى الهاوية للحركات الإسلامية
كثيرا ما كانت الكتابات وبرامج التحليل السياسي للربيع العربي تبحث في الموضوعية وان كانت تتحرى الجوانب التي تهم توجهاتها ومنابر برامجها وترونا بهذا البحث "أربعة أجزاء " مبلغ همنا التجرد عن أي مواقف خاصة وحرصنا على ان يكون استشهادنا بوجهات نظر اطراف الموضوع و تحليل وقائعها القطعية فحسب والبداية من حيث منتهى المرحلة الراهنة في زمن الربيع العربي التي غدت مواقف دولة قطر مثاراً للجدل لكونها بدت مقتصرة على دعمها لحركة الإخوان المسلمين فحسب بعد ان كان الشارع العربي يظن وقفتها ودعمها الإعلامي للربيع العربي لأجل التغيير ومساعدة شعوبها المقهورة نحو التحرر من ديكتاتورياتها المهترئة ،
عدا ان مواقف دولة قطر الداعمة للإخوان المسلمين مثاراَ للجدل حتى بين نشطاء وأنصار الحركة الإخوانية ذاتها وتتضارب بشأنها القراءات في محاولة تحليل مضامينها ودوافعها كظاهرة سياسية فريدة من نوعها تنشأ بين دولة قائمة بذاتها مع حركة الإخوان المسلمين و تكاد تُجمع على أنها علاقة ايدولوجية منهجية بين أعمدة الأسرة الحاكمة لدولة قطر مع التوجه العام للإخوان المسلمين ،
فيما المثقفين والنخب الأكاديمية المحسوبة على الإخوان المسلمين تتأرجح بين عدة رؤى منها ان لدولة قطر حاجة لمنهاج الإخوان المسلمين في مواجهة المد الوهابي " السعودي " في مجتمعها داخلياُ ثم تطورت العلاقة إلى التحالف الاستراتيجي مع الإخوان المسلمين على المستوى الدولي ، وترى أخرى ان قطر تبحث عن ريادة إقليمية لتنافس الدور السعودي في المنطقة الإقليمية والريادة العربية التي تتربع على عرشها جمهورية مصر العربية ، وتذهب رؤية أخرى إلى ان قطر تتولى دوراً وظيفياً لصالح الإستراتيجية الدولية بالمنطقة الإقليمية فالدكتور إبراهيم أبرش أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة في تصريح منشور على الموقع الإلكتروني لـ " فرانس 24 " ان قطر تلعب دورا وظيفيا في بلورة التوجهات الأمريكية الجديدة القائمة على إشراك التيارات الإسلامية المعتدلة في الحكم وفقا للسيناريوهات التي يتيحها الربيع العربي اليوم في عدد من الدول تونس، مصر، المغرب، ليبيا .
وتؤكد الوقائع القطعية على ان مواقف دولة قطر مع الإخوان المسلمين وان لم نستطع الجزم بموعد محدد لمبدئها عدا ان الثابت لظهورها مع بدايات انطلاق نجم دولة قطر في الاهتمام بالقضايا الإقليمية في نهاية عقد التسعينات بالقرن المنصرم وأبرزها اطلاق الامبراطورية الإعلامية الأضخم في فضاء المنطقة " قناة الجزيرة الاخبارية " والتي بلورت بإطلاقها ظاهرة إعلامية غير مسبوقة ، وقد ظلت مثاراً للجدل في المنطقة العربية خاصة بين استياء الانظمة السياسية واستحسان الشعوب وانبهارها بتميزها .
وتوجهت "قناة الجزيرة" منذ اطلاقها في نهاية عقد التسعينات بالقرن المنصرم والعقد الأول لهذه الألفية الثالثة نحو ثلاثة اتجاهات : الخدمة الإعلامية المتميزة بالمهنية الغير معهودة في المنطقة والحرص على تصدر عرش المنبر الإعلامي الاول فيما بدا لاحقا غاية كانت مرسومة أهدافها للاستحواذ على مفاصل التحكم بالرأي العام في دول المنطقة - عملت الجزيرة على تعرية الانظمة السياسية وإحراج ديكتاتوريتها واستثارة شعوبها ضدها - انفردت بالانفتاح الغير مسبوق على الحركات الإسلامية وبلورة تغطيات وبرامج خاصة كانت تنفض الغبار عن ملفات مسيرة حركة الإخوان المسلمين ونضال رموزها وروادها وتأثيرها وتأثرها في منعطفات الأحداث والمراحل التي كانت قد مرت بها منذ انطلاقها في نهاية عقد التسعينات بالقرن المنصرم والعقد الأول لهذه الألفية الثالثة .
وبذلك تكون الوقائع القطعية لمسيرة " قناة الجزيرة الإخبارية " خاصة تؤكد أنها أطلقت ضمن سيناريوهات عُدت سلفاً ، وكشفت تلك الوقائع القطعية على ان ثورات الربيع العربي التي دُشنت مع حلول العام 2011 م بالثورة التونسية فثورة مصر وليبيا والجمهورية العربية اليمنية وسوريا والتي لا تزال تبعاتها جميعها متموجة ولم تستقر أي منها بعد وهي في اطار هذا المشروع الذي لم تتضح رؤيته النهائية بعد وان كان ظاهره حاليا على هيئة تحالف دولي مع الإخوان المسلمين بواسطة دولة قطر .
و بالمجمل تؤكد تلك الوقائع على ان الربيع العربي يأتي ضمن إطار الإستراتيجية الدولية الجارية في المنطقة الإقليمية عدا ان يقال انها تأتي لبلورة التوجهات الغربية الجديدة القائمة على إشراك التيارات الإسلامية " المعتدلة " في الحكم بحسب الدراسات الغربية المختصة بشؤون الشرق الأوسط التي توصي بالتحالف مع هذه القوى الإسلامية التي تصنفها بعض الدراسات بـ "المعتدلة " قول فيه شئ من قبيل "الحرب خدعة " وهي الخديعة التي تبلور الاستغراق كثيرا وراء هذه الدراسات الغربية الحديثة للانشغال بعيدا عن الأسس التقليدية المكشوفة للتوجهات الغربية المعهودة تجاه المنطقة والقائمة على وضع المنطقة رهن التجزئة والتنافر بين دولها بما يحول دون إقامة أي إستراتيجية اقليمية تجمعها في أي مشروع يحوز على أي درجة من الخصائص التكاملية بصلاحيات فعلية ،
فما بال وان تكون خلفية هذه الإستراتيجية مبدئها المشروع الإسلامي مع العلم ان وقائع التوجه الغربي في المنطقة لا تفرق في طبيعة الحركات الاسلامية بين معتدلة وغير معتدلة مما قد يهم المواطن في دول المنطقة لكن التوجهات الغربية ليس من شأنها بل مصالحها مبلغ همها ، وتوقن بالثابت ودون أي جدال ان التكامل الاستراتيجي الفعلي بين دول المنطقة يقويها ويفتح طريقها للفرص التكاملية بين اقطارها بما يغنيها ويقويها ببعضها بعضا وبأي كانت الايدلوجية المرجعية إسلامية كانت أو قومية أو غيرها .
كما ان مثار الجدل يبقى ملازما لدولة قطر ويذهب الغالب من الآراء إلى ترجيح الدور الوظيفي الذي تتولاه قطر لصالح هذه الإستراتيجية الدولية في المنطقة الإقليمية وتستبعد بالمطلق ان تكون لدى أعمدة الأسرة الحاكمة علاقة ايدلوجية منهجية بالتوجه العام للإخوان المسلمين وان وجدت لا يمكن ان تُعزز مغامرة الأسرة الحاكمة لقطر في تحالف مع أي من الحركات الإسلامية لترهن عرشها في مصير تقلبات التحالفات السياسية لاسيما مع حركات مثارا للجدل ، كما ان عامل الثروة النفطية لدولة قطر والمصالح التي تمثلها لا يمكن ان تؤهلها لتجرجر المواقف الأمريكية لدعم ومساندة أي من الحركات الإسلامية وجميعها تصنفها من أخطر عوامل التهديد لأمن واستقرار مصالحها في المنطقة الإقليمية ، عدا ان للعكس من ذلك فجائزاً بمعنى ان يكون للإدارة الأمريكية تكليف لدولة قطر بأدوار ما في زمن الإخوان المسلمين "يتبع" زمن الإخوان المسلمين .. من خلافة الظل إلى خلاف السلطان .