شركة عدن للأمن والسلامة

  

تقارير
اقرا ايضا

صحيفة عربية تسرد تفاصيل قصة صعود آل الأحمر في اليمن وسقوطهم

عدن اليوم/متابعات | السبت 08 فبراير 2014 01:48 صباحاً

رحل الشيخ عبدالله الأحمر تاركا إرثا سياسيا وقبليا كبيرا جدا ربما يوازي الدولة اليمنية مخلفا عشرة من الأبناء. الابن الأكبر صادق الأحمر ورث عن والده زعامة القبيلة وعرف بالتلقائية والبساطة أما حسين فكان أكثر طيشاً وتقلباً، فيما اتجه حميد الأحمر نحو جمع الأموال إضافة إلى انخراطه أيديولوجيا في فكر الإخوان المسلمين من خلال حزبه التجمع اليمني للإصلاح.

مثل العام 2011 بداية مرحلة جديدة في تاريخ اليمن الحديث حيث تغيرت بشكل مفاجئ خارطة التحالفات التقليدية في سبيل الإطاحة بالرئيس علي عبدالله صالح الذي كان يحتفل بالعام الثالث والثلاثين لتوليه مقاليد الحكم في بلد قيل قديما إن ركوب الأسد أسهل من حكمه.. كان الرئيس صالح خلال هذه العقود الثلاثة لا يمل من تذكير اليمنيين بأنه قدم إلى السلطة حاملا كفنه على يديه، فقد سبقه رئيسان مخلوعان وآخران تم اغتيالهما.

استطاع الرئيس صالح خلال فترة الحكم الأطول في تاريخ اليمن الجمهوري أن يحافظ على توازنات البقاء التي كان يعرف تفاصيلها جيدا حيث كان يحلق طوال هذه الفترة المديدة كما قيل بجناحين هما شيوخ القبائل وشيوخ الدين الذين حرص صالح على أن يجعلهم أدوات قوته في بلد تسيطر فيه فكرة القبيلة والدين بعمق.

تحالفات صالح الاضطرارية

لم يكن صالح مقتنعا يوما بأنه يسلك الطريق الصحيح في تحالفاته التقليدية وقد بدأ يصرح، بامتعاض بعد مغادرته السلطة، بأنها كانت مجرد أوراق استخدمها كما يشاء.

كان الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر، بحضوره القبلي كزعيم لقبائل حاشد وتاريخه الطويل في إسقاط وتنصيب الرؤساء، محل عناية خاصة من قبل صالح الذي كان يعتبر أن الحكم، في منأى عن القبيلة في اليمن، مجازفة ستكون عواقبها وخيمة.

كانت قبائل حاشد لازالت تفكر وفقا لمعطيات قوة استمدتها من تاريخها الذي كانت أهم عناوينه المساهمة بقدر بارز في إسقاط النظام الملكي والتحكم في صناعة القرار في يمن ما بعد الثورة.

وقد ساهم انغماس القبيلة المبكر في معادلة السياسة اليمنية، انطلاقا من قرب القبيلة جغرافيا من العاصمة السياسية واستئثارها منذ وقت مبكر بقدر كبير من مفاصل الدولة، في تعاظم نفوذها السياسي على حساب قبائل يمنية أخرى أكبر عددا.

كان لتأثير القبيلة وكاريزميتها دور كبير في جعل الولاء للقبيلة يفوق في أحيان كثيرة الولاء للدولة وحتى الوطن وقد ساهم هذا الأمر في تضخم هيبة حاشد ودورها السياسي استنادا إلى نفوذها السياسي، فأصبح الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر شيخ الرئيس، وخصوصا في المراحل الأولى من تولي صالح للسلطة في العام 1987، حيث كان للشيخ الأحمر، كما يعترف هو في مذكراته، دور كبير في صعود صالح إلى سدة الحكم على أمل أن يساهم في تعزيز دور القبيلة.

وكما ساهم الشيخ الراحل عبدالله الأحمر في تعزيز نفوذ قبيلة حاشد داخل اليمن فقد استطاع بفضل حنكته السياسية مد جسور العلاقات الخارجية وكان طوال حياته الحليف الأبرز والأقوى للمملكة العربية السعودية في اليمن.

 ساهم الشيخ الراحل عبدالله الأحمر في تعزيز نفوذ قبيلة حاشد داخل اليمن فقد استطاع بفضل حنكته السياسية مد جسور العلاقات الخارجية

اليمن بعد الشيخ الأحمر الأب

رحل الشيخ الأحمر تاركا إرثا سياسيا وقبليا كبيرا جدا ربما يوازي الدولة اليمنية غير أن رحيله، مخلفاً عشرة من الأبناء لكل منهم تجربته الخاصة وتوجهه الخاص، حول دائرة النفوذ التي كانت تتمحور حول الشيخ إلى دوائر متداخلة وأحيانا متعارضة.

ورث أولاد الشيخ العشرة أموالاً طائلة وهيبة وتاريخا حافلا وعلاقات واسعة تركها لهم والدهم غير أن أيا منهم لم يمتلك نفس حنكة والده ودهائه أو ربما لم يسعف أحدهم الزمن ليظفر بهذه المكانة.

لم تستمر أيقونة النفوذ والتأثير السياسي للأحمر، فقد تحول موقف الشيخ عبدالله الأحمر في الكثير من القضايا بعد موته إلى عشرة مواقف متباينة.

فابنه الأكبر صادق الذي ورث عنه زعامة القبيلة أكثر تلقائية وبساطة واندفاعا وحسين كان أكثر طيشا وتقلبا وحميد كان أكثر نهما لجمع الأموال، إضافة إلى انخراطه أيدولوجيا في فكر الإخوان المسلمين الذي يمثله حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي على الرغم من أن والده كان رئيسا له قبل وفاته إلا أنه حاول دائما أن يحافظ على استقلاليته وتفرده في المواقف السياسية التي كان أبرزها مخالفة موقف حزبه في الانتخابات الرئاسية في العام 2006، حيث أعلن عن دعمه لترشح الرئيس علي عبدالله صالح مرددا مقولته الشهيرة “جني تعرفه خير من أنسي لا تعرفه”.

كان الشيخ الأحمر حتى أيامه الأخيرة يعبر عن غضبه من الرئيس علي عبدالله صالح من خلال العودة إلى معقله القبلي في “الخمري” بحاشد. وكان هذا الانسحاب الذي يضفي مسحة من الهيبة على مواقفه كفيلا بتقديم التنازلات في كل مرة من الرئيس صالح. فقد كان الرئيس صالح يعرف جيدا أن هذا الانسحاب إلى معقل قبيلة حاشد إشارة إلى أنه ربما يصبح في مواجهة القبيلة.

ظل الشيخ الأحمر يراهن على نفوذه القبلي الذي يمد مكانته السياسية بقوة فائقة وهو الأمر الذي تخلى عنه أنجاله بعد وفاته وربما يكون هذا الأمر بداية لما آلوا إليه لاحقا في مواجهاتهم مع صالح من جهة والحوثيين من جهة أخرى.

مات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في ديسمبر من العام 2007، وفي قلبه شيء من الرئيس علي عبدالله صالح الذي كان قد شب عن الطوق كثيرا وبدأ في تقليص نفوذ الشيخ وأولاده، وعلى الرغم من ذلك ظل الشيخ محافظا بطريقة فريدة، عرفت عنه، على شعرة معاوية بينه وبين صالح، فقد كان يدرك جيدا التحولات السياسية خلال العقود الثلاثة الماضية والتي اختلفت فيها موازين القوى عنها خلال السنوات العشر الأولى من حكم صالح.

الأبناء والمغامرات السياسية

وحسب ما يعتقد مراقبون كان الشيخ الأحمر يخشى من مغامرات ابنه حميد الذي كان بالفعل القشة التي قصمت ظهر زعامة أسرته لقبيلة حاشد بعد حوالي خمس سنوات من رحيل والده.

ظل الشيخ الأحمر قادرا، إلى حين وفاته، على السيطرة على انفعالات حميد الذي لم يخف حقده على الرئيس صالح في الكثير من المواقف مدفوعا بعدم تقبله لما يراه استئثارا بالسلطة والثروة في منأى عن الحليف التاريخي.

بدأ الشيخ حميد في إعلان مواقفه المناهضة لصالح علنا وكان حواره مع قناة الجزيرة الأعنف والأقوى حدة حيث طالب صراحة بالثورة على نظام الرئيس صالح الذي كان لايزال في أوج قوته.

وعندما سألته مذيعة الجزيرة هل هو خائف عند عودته بعد هذا اللقاء؟ أجاب متفاخرا: من كانت حاشد قبيلته والشيخ صادق الأحمر شيخه لا ينبغي أن يخاف.

كان أولاد الشيخ الأحمر كذلك لايزالون في أقوى حالتهم فيما كان صالح قد بدأ يخوض حروبه ضد الحوثيين في مناطق صغيرة في صعدة.

وبالتوازي مع غرق صالح في حروب صعدة واستنزافه سياسيا وعسكريا واقتصاديا كان الشيخ حميد الأحمر يصعد من هجومه على الرئيس صالح مستعينا بنفوذه القبلي والمالي واستغلاله في حشد المعارضة اليمنية ضد صالح ونظام حكمه.

على الطرف الآخر كان شقيقه الأكبر وشيخ قبيلة حاشد صادق الأحمر في موقف الصامت والعاجز عن إسكات شقيقه المندفع.

خسر الرئيس صالح حميد بقوة ولكنه كان لازال يحتفظ بولاء بعض أخوته مثل هاشم ومذحج اللذين كانا ضمن حراسته الخاصة وحمير الذي دفعه صالح إلى منصب نائب رئيس البرلمان تمهيدا لخلافة والده الذي ظل لسنوات طويلة رئيسا للبرلمان.

الصراع مع صالح

شهد العام 2011 ذروة الصراع بين الرئيس صالح والمعارضة اليمنية المتمثلة في تكتل اللقاء المشترك الذي كان كوكتيلا عجيبا من القوى السياسية متباينة الاتجاهات والتي كانت بمثابة جذوة النار التي يزيدها الشيخ حميد الأحمر اشتعالا من خلال أمواله الطائلة ومواقفه السياسية المتصلبة.

وقد اشتعلت هذه النار بالفعل من خلال انخراط اللقاء المشترك بقيادة حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمون) وبمشاركة الحوثيين في الاحتجاجات التي تصاعدت يوما بعد يوم ضد الرئيس صالح وانضم إليها جميع أولاد الأحمر بعد ما يسمى جمعة الكرامة، وتصاعدت موجات الكراهية التي بلغت ذروتها عندما تم تفجير جامع دار الرئاسة الذي كان الرئيس صالح وأركان حكمه يؤدون فيه صلاة الجمعة.

كان الشيخ حمير الأحمر الذي يوصف بأنه أكثر الناس شبها بوالده سياسيا في صبيحة ذلك اليوم في زيارة لصالح محاولا رأب الصدع الذي بلغ نقطة اللاعودة ظهر ذلك اليوم.

تبنى أولاد الشيخ الأحمر موقف شقيقهم حميد الذي كان الأكثر تصلبا وقد تصاعد العداء مع صالح عندما هموا بتأجيج الوضع عسكريا في منطقة الحصبة ما اعتبر إعلانا صريحا عن دخولهم الثورة لإسقاط صالح الذي رد عليهم بقصف منزلهم في صنعاء الذي كان بمثابة القبلة القبلية حتى ذلك اليوم.

ويعتبر المهتمون بالشأن القبلي اليمني أن الرئيس صالح كسر في ذلك اليوم حاجز الهيبة التي كان يتمتع بها أولاد الأحمر كزعماء لقبيلة حاشد، كما اعتبر حميد الأحمر في حواره التلفزيوني، الذي وصف فيه الرئيس صالح بأقذع الأوصاف، أنه كسر حاجز الخوف منه كرئيس حكم اليمن لأكثر من ثلاثة عقود.

أوعز علي صالح إلى شيوخ القبائل بالوقوف موقف المتفرج أمام الصراع ما بين آل الأحمر والحوثيين انتقاماً من موقفهم منه أثناء ثورة اليمن

من يخرج من اليمن؟

استمر هذا التنافس لاحقا في كسر الهيبة والعظم معا ووعد صادق الأحمر بأنه سيخرج صالح من اليمن حافي القدمين، وهو ما اُعتبر لاحقا تلميحا لما حدث للرئيس صالح في جامع دار الرئاسة الذي توجه أصابع الاتهام فيه إلى أولاد الأحمر بالدرجة الأولى.

 

غادر الرئيس صالح السلطة وفي قلبه غصة كبيرة والحروق والشظايا تملأ جسده وقلبه معا. بينما كان أولاد الأحمر يحتفلون بنصرهم على الرئيس صالح الذي دأبوا على وصفه “بالمخلوع”.

انحاز أولاد الأحمر كلية لحزب الإصلاح وتخلوا عن نهج والدهم السياسي. وفي خضم زهوهم بالنصر كانوا يعتبرون أن الحوثيين الذي ساندوهم في الثورة ضد صالح لم يكونوا سوى بعض المضطهدين من حكم صالح الديكتاتوري الذي خاض ضدهم ست حروب عبثية.

انصهر أولاد الأحمر في مشروع الإخوان المسلمين السياسي وتخلوا عن فرادة والدهم السياسية تاركين وراء ظهورهم ثقلهم القبلي في حاشد غاضبا بشدة من موقفهم المناوئ للرئيس صالح الذي كان يوفر للقبيلة المكانة السياسية اللائقة.

كان أولاد الأحمر قد ابتعدوا معنويا وماديا عن قبيلة حاشد بعد أن طاب لهم المقام في قصورهم بصنعاء ولم يتنبه لهذا الأمر إلا شقيقهم حسين الذي أقام في السنوات الأخيرة في قصر والده في الخمري وقاد من هناك الحرب ضد الحوثيين.

وفي صنعاء واصل شقيقه الملياردير الإخواني بنشوة بالغة الدفاع عن المشروع الإخواني في الوطن العربي وخصوصا بعد عودته من لقاء جمعه بالرئيس المصري محمد مرسي.

لم يتحمل حميد الأحمر وقع سقوط الرئيس مرسي بعد استقباله له بوقت قصير، فأخذ يكيل التهم بنفس الطريقة التي تعامل بها مع الرئيس صالح غير أنه في هذه المرة كان يستهدف زعماء وقادة دول الخليج ومنهم المملكة العربية السعودية التي كانت دوما الحليف التقليدي لوالده.

آل الأحمر والحرب مع الحوثيين

ارتكب حميد الأحمر حسب مراقبين خطأ استراتيجيا لن يستطيع أخوته لاحقا ترميم الأضرار البالغة التي نجمت عنه.

كانت المعارك تستعر في محافظة عمران بين شقيقه حسين والحوثيين، فيما ظل حميد يواصل خوض معاركه السياسية التي أفقدت عائلته الكثير من الحلفاء في الداخل والخارج.

لم يقو حسين على مواجهة الحوثيين الذين يفوقونه عددا وعدة وتدريبا، إضافة إلى كونهم مقاتلين عقائديين، بينما استنفد هو وأخوته الكثير من الأموال في شراء المقاتلين قليلي الخبرة من داخل القبيلة وخارجها.

وتؤكد المعلومات أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي يتمتع بنفوذ هائل في حاشد أوعز للكثير من شيوخ القبيلة بالوقوف موقف المتفرج من هذا الصراع الذي كان يدرك أنه ربما سيشفي بعض غليله.

لم يستطع أحد أن يشاهد ملامح الرئيس السابق علي عبدالله صالح وهو يلوح بيديه المحترقتين فرحا بمشاهدة تفجير البيت التاريخي لأسرة آل الأحمر في معقلهم المهاب في الخمري. بينما كان الشيخ حميد الأحمر يواصل صب جام غضبه على “المخلوع” مواسياً نفسه ومن تبقى من أنصاره بأقصر منشور على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك :”لا تستعجلوا”!.

"العرب"