عندما لا تساوي حياة طفل 40 دولاراً أمريكياً.. يولد الإرهاب
بلد فيها 60 مليون قطعة سلاح وليس فيها أربع دور سينما ويتعجبون من إتساع رقعة النزاعات المسلحة وحالات الاختطاف وتفشي ثقافة الإرهاب والكراهية. إنه مجتمع ينتج من القتلى أضعاف ما ينتجه من المهندسين والأطباء. وينتج أشخاصاً على استعداد، وجهوزية عالية، لأن يكونوا حملة سلاح وأصابع تضغط على الزناد -سواء تحت إمرة شيخ قبلي أو القاعدة، مع الحوثي أو مع السلفيين- أكثر مما ينتج من رسامين وفنانين ولاعبي كرة!
إن بلد الستين مليون قطعة سلاح محكوم بالبارود بالضرورة.
ثلاث جرائم اختطاف في أسبوع واحد كانت لتثير حفيظةوسخط أي مجتمع حي عدا المجتمع اليمني، ذلك أنه مختطف هو ذاته.
ولئن لم أتصفح المواقع الإخبارية اليمنية منذ أكثر من أسبوع فقد أفزعتني إلى جانب أخبار الجرائم الثلاث، أخبارالإحصائيات التقديرية، المتضاربة لكن المحتملة، المعلنة حتى الآن حول ضحايا الحرب الأهلية في دماج (ما عاد يصح أن يُطلق عليها بعد الآن مواجهات بين الحوثين والسلفيين) وهي ما ينبغي التوقف أمامها ملياً وقراءتها بحياد وتجرد ودقة ومعلومات ميدانية، في منشور مستقل.
الخبر الأول حول إنقاذ طفل اسمه محمد عبد الله محمد 12 عاما كاد يلقى حتفه تعذيباً على يد احد أقاربه ومختل آخر بمحافظة ذمار.
لقد قاما حيوانان تافهان بتعذيب الطفل بتعريضه لصعقات كهربائية، وحرقه كامل جسده بتقطير مواد بلاستيكية مشتعلة بما في ذلك مؤخرته فضلاً عن جلده باسلاك فيما يبدو أقرب إلى الاعتداء الجنسي في حين زعمت الأجهزة الأمنية أنهما فعلا ذلك "لاجباره على الاعتراف بسرقة 8 الف ريال".
تخيلوا، إن صحت رواية الأجهزة الأمنية، أن يعذب طفل بهذه الشناعة حتى كاد يهلك من شدة التعذيب بسبب 8000 ألف ريال (40 دولار أمريكي). حياة اليمني بـ40 دولار!
ويسألون عن سبب انخراط الشباب اليمني دون مشقة في تنظيم القاعدة أو الجماعات المسلحة الأخرى! إنه أمامكم.
من هنا يخرج القتلى والمتطرفون.
هذه هي الفقاسة الإرهابية في اليمن.
الفقر والكبت والفساد وثقافة الكراهية والسلاح.
هذه الحادثة ليست عينة معزولة. يتوجب علينا الإقرار أولا أن هناك شحنة هائلة من العنف والكبت والكراهية تغلغت في المجتمع اليمني بل وتكاثرت بسرعة مثل ورم سرطاني.
إن المجتمع اليمني ينتج من القتلى أضعاف ما ينتجه من المهندسين والأطباء والفنانين. وينتج أشخاصا على استعداد وجهوزية عالية لأن يكونوا حملة سلاح وأصابع تضغط على الزناد -أكان تحت إمرة شيخ قبلي أو تنظيم القاعدة، مع الحوثي أو السلفيين- أكثر مما ينتج من رسامين ولاعبي كرة قدم ومصورين وفنانين ونجوم مجتمع.
ولو أن إحصائية علمية دقيقة، أجريت على عينة عشوائية من المجتمع اليمني لربما توصلت إلى أنه بين كل مئة يمني يعرف كل أنواع السلاح وفنونه هناك شخص واحد فقط يقرأ في العام 10 كتب.
بلد فيها 60 مليون قطعة سلاح وليس فيها أربعة دور سينما ويتعجبون من إتساع رقعة القتال والمواجهات المسلحة على كامل أراضيه!
لو تسنى لنا، على سبيل المثال، الإطلاع على خلفيات المتقاتلين في دماج الآن اكانوا حوثيين أو سلفيين لوجدنا بينهم قواسم مشتركة كثيرة، أهمها التالي:
1- تعليم ديني خارج إشراف ورعاية الأجهزة الحكومية.
2- أشخاص ربما معظمهم جيدين وخيرين ولكنهم لم يجدوا ما يعتقدون أنهم يستحقون من فرص في المجتمع فوجدوها في الجماعات المغلقة.
3- سلاح متاح ومنتشر دون أي إشراف أو تحكم حكومي.
4- ثقافة كراهية متنكرة في لبوس طائفية ودينية وقومية أحياناً تتلذذ بإلغاء الآخر وتتبجح بكراهية الأجنبي وثقافته وما يمثله.
** **
قرأت اليوم أيضاً عن جريمة اختطاف ثانية لطفلة اسمها "ساترين المتوكل" سجلت ضد مجهول. وقال والد الطفلة في تصريح إعلامي إنه سوف يكشف للرأي العام عن تفاصيل الجريمة. ووالد الفتاة هنا أيضاً يقوم بإحدى واجبات الأجهزة الأمنية.تلك الأجهزة التي تتصرف كما لو أنها مجرد وكالة أنباء وليس جهة ضبط وقهر مخولة بإنفاذ القانون بالقوة.
بيان الداخلية عن جريمة تعذيب هذا الطفل صيغ بنفس عقلية بيانات وزارة الدفاع إثر كل جريمة أو عمل إرهابي.. تكتفي الأجهزة الأمنية فقط بالإشعار عن جريمة متكتمة عن أية تفاصيل في صلب الجريمة كوضع الجانيين، في حالة الطفل، والإجراءات القانوينة المتخذة ضدهما، وهل تم فعلياً إحالتهم إلى النيابة، ومتى سيتم الإعلان عن نتائج التحقيقات الجنائية.. إلخ
منظمات المجتمع المدني والمؤسسات القانونية مدانة أيضاً لأنها لم تعمل بجدية على تشجيع وترسيخ وإشاعة ثقافة حقوقية وقانونية بقدر اشنغالها بالحصول على منح المنظمات الدولية أو المضاربة في القضايا ذات الخلفية السياسية والمتسمة بالاستقطاب عادة.
** **
الخبر الثالث من الأخبار النينجا، التي تحفل بها المواقع الإخبارية اليمنية، وكان عنوانه "النائب العام يوجه بالتحقيق في احتجاز رجل أعمال بسجن للأحمر".
للأمانة هذا خبر مشجع وينتزع الإعجاب، وإن كنت متيقناً أنه مجرد فقاعة إعلامية لا أكثر. ولو أن لدى اليمنيين الحد الأدنى من الوعي القانوني لما لألحت أسرة المختطف على ضرورة إصدار مذكرة تفتيش لمسكن حسين الأحمر وأن يخاطب البرلمان الذي هو وأربعةمن إخوته أحد أعضائه الدائمين تتحرك فوراً قوة أمنية للتحقق من جريمة الاختطاف.
** **
أيضاً من أخبار اليوم خبر حول تعرض رئيس فرع المؤتمر الشعبي العام في مديرية المتون محافظة الجوف (شمال اليمن) لعملية اغتيال مساء اليوم.
من المشتبه بهم؟
ما خلفية الاغتيال ودوافعه؟
ما الذي توصلت إليه التحقيقات الأولية؟
كل هذه الأسئلة يبدو أنها لا تعني الأجهزة الحكومية ولا الرأي العام اليمني يظهر أي امتعاظ أو يضغط عليها لتحسين أدائها. يبدو أن اليمنين أكثر شعب في العالم يتعامل مع الجرائم والجنائيات بوصفها قضاء وقدراً لا أخطاء قابلة للتصحيح ويمكن تفاديها.
نقلا عن مدوتة العبسي الالكترونية