السفير محمد عبدالرحمن العبادي :ينبغي على مؤتمر الحوار الاقرار أولا بفشل نظرية اليمن الواحد
لم يتردد السفير محمد عبدالرحمن العبادي من اجراء حوار معه بعد عودته من المهجر الذي يقيم فيه قسرا منذ العام 1994م.. عاد وفي جنباته شوق واشتياق للوطن واهله ومتحفزا للمشاركة الميدانية مع شعبه الذي يخوض نضالا سلميا لاستعادة دولته وكان له من الاسهامات في وضع لبنات البناء والتطوير للمؤسسة العسكرية الحديثة التي انتقل منها الى العمل الدبلوماسي الذي وصفه بعلامة بارزة في تاريخ حياته .
تقييم السفير العبادي لما يعتمل في الجنوب يؤكد ان النصر قريب وآت بإذنه تعالى.. فالى حديثه الملئ بالمؤشرات والرسائل الهامة..
سنبدأ من المؤسسة العسكرية التي اخذت نصيبا وافرا من حياتك وعمرك.. يا ترى ماهي ابرز المحطات التي عشتها في هذه المؤسسة؟
يمكن هنا تحديد ثلاث مراحل.. مرحلة الوجود البريطاني ، ثم مرحلة نيل الاستقلال وقيام الدولة الوطنية ، وثالثا مرحلة المشروع الاتحادي الفاشل مع الجمهورية العربية اليمنية.. وكان لكل مرحلة سماتها وخصائصها.
المرحلة الاولى – عشت فيها صحوة الوعي الوطني وهو الهدف الذي تحقق بالفعل واصبح الجنوب دولة مستقلة في 30 نوفمبر 1967م..فيما تميزت المرحلة الثانية بالبناء الحقيقي لمؤسسات الدولة الوطنية ومنها المؤسسة العسكرية ..اما المرحلة الثالثة فهي مرحلة النكوص والخراب، ومرحلة التراجع والفشل بكل تفاصيله.
وكان للمراحل الثلاث عميق الاثر على حياتي الشخصية والعامة سلبا وايجابا.. ففي المرحلة الاولى استكملت دراستي في ثانوية الاتحاد.. وفيها تفتح وعيي على القضايا الوطنية، وساهمت بتواضع في أنشطة الاتحاد الوطني لطلبة الجنوب والذي شكل احد اقوى الأذرع الوطنية في الكفاح التحرري ضد الاحتلال البريطاني.
اما المرحلة الثانية فهي بالنسبة لي قمة مراحل العطاء.. تمكنت من خلالها استيعاب معنى الوطن والتضحية من اجله بانضمامي للمؤسسة الوطنية العسكرية – جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية – الجيش الذي وصف بأنه من افضل جيوش العالم العربي من حيث التأهيل والتنظيم والتدريب.
هذا الجيش المحترف كان قد تشكلت نواته الاولى اثناء الوجود البريطاني من خلال انتشار الجيش النظامي الاتحادي والذي تطور فيما بعد ليصبح جيش دولة النظام الديمغرافي والذي تم تفكيكه وتدميره وتسريح وحداته في الحرب العدوانية التي شنتها الجمهورية العربية اليمنية على الجنوب في عام 1994م.
اما عن حياتي الشخصية في هذه المؤسسة الوطنية العظيمة.. لقد انهيت دراستي العليا في مجال القيادة بسلاح الدبابات ونلت المركز الاول والميدالية الذهبية من الاكاديمية الروسية وعملت بعدها مديرا لمكتب وزير الدفاع ، وهو الموقع الذي ساعدني في الاشتراك بالعديد من اللجان التطويرية التحديثية للجيش.. ثم شغلت منصب قائد قوى المليشيات الشعبية وبعدها انتقلت الى برلين للعمل كملحق عسكري بالمانيا، وبعدها انتقلت الى السلك الدبلوماسي كوزير مفوض بالعراق ثم سفيرا للجنوب في كوبا.
وبعدها انتقلت الى المرحلة الثالثة وهي المرحلة التي لا اجد فيها شيء يسجل الا اعمال التدمير والخراب والاجتياح الذي افضى الى النفي القسري والذي استمر تسعة عشر عاما.
وماذا عن الدبلوماسية التي غادرتها قسرا الى المنفى، وكيف كان تركك للعمل الدبلوماسي في كوبا؟
العمل الدبلوماسي من الاعمال التي تؤثر في الانسان, فهي تضيف الى علمه وسلوكه وعلاقاته اضافات تؤثر في حياته اللاحقة خاصة عندما يكون هذا الانسان واسع المعرفة ومحب لعمله ومخلص لوطنه.
بالنسبة لي.. لقد شكل التحاقي بالعمل الدبلوماسي علامة بارزة في تاريخ حياتي.. فهي وان كانت قد حسنت من قدراتي الشخصية وطورت من معارفي وادراكي الشخصي حول نفسيات وسلوك اقوام من جنسيات مختلفة ومهن مدنية اخرى وقيادات دول وانظمة ومنظمات عديدة، الا انها كانت حجر الزاوية في تحسين وتطوير كثير من مفاهيمي وقدراتي القيادية العملية.. لهذا شكل التحاقي بالعمل الدبلوماسي علامة بارزة في تاريخ نشاطي ونضالي اللاحق.
ولولا ظروف شعبي ومعاناته من قبل غاصبي ارضه وبشطهم الشديد به لما تركت العمل في هذا السلك الحيوي.. لقد قررت منذ بدأ الاحتلال لاراضي عقب خديعة حرب 1994م، الانخراط مع شعبي الابي في مواجهة ومقارعة قوى المكر والخديعة وتحملت من اجل ذلك الكثير من المعاناة.. وكنت ولازلت اقر بان النصر قريب، وسيكون كذلك بعون الله وبنضالات ابناء الجنوب في الداخل والخارج.
كان لكم نشاط مشهود في الجالية بامريكا الشمالية بما يخدم القضية.. فكيف مر نشاطكم هذا وسط جالية اخرى مناهضة؟
لقد كان نشاطنا في الولايات المتحدة الامريكية وعموم امريكا الشمالية حيوي، اتسم بالموضوعية في طرح قضية شعبنا والشفافية في رسم الصورة الواقعية لمعاناته.. ونشعر بانه يجب علينا ان نقوم بالمزيد من الجهد لتصحيح صورة التشويه المتعمد لشعبنا امام الرأي العام الامريكي من قبل ساسة الجمهورية العربية اليمنية.. ودائما ما نقوم بتوضيح كرامتنا وعودة دولتنا وابعاد الظلم من كاهل شعبنا.. ونؤكد لهم بان شعبنا هو مصدر مهم لاستقرار المنطقة وفي مقارعة قوى الارهاب الظالمة.
ان ايماننا بعدالة قضيتنا يعطينا الدافع الاقوى لمواجهة اية تداعيات قد تحدث لنا في الشتات والتي قد يتبناها الطرف الاخر.. وسنعمد امام اية تحديات او صعوبات قد تواجهنا ، لان ما يحدث لاخواننا في الوطن هو الدافع الذي يلهمنا للصمود والتحدي حتى تحقيق النصر.
هل عودتكم رغبة ذاتية ام مطلب سياسي لترتيب وضع معين؟
بعد معاناة نفسية واجتماعية قررت العودة الى الوطن لزيارة الاهل والاصحاب اولا ثم التعرف عن كثب لما يدور من احداث متلاحقة ومتصاعدة.. عدت الى وطني دون أي استجداء من احد ولا حبا في الظهور، وانما حبا للارض التي ولدت فيها وترعرعت في ربا جنانها وسعة صدر ناسها ومدنها وقراها.. وكنت طوال فترة غيابي القهري عن هذا الوطن الشامخ بوجداني مع شعبي في كل مظاهر حزنه وقليل فرحه، اشاركهم وجدانيا في احزانهم ونشاطهم التحرري وحراكم السلمي.. وكان كل املي ان اكون معهم وبينهم.. والحمد لله وقد تحقق لي ذلك، وشاركت معهم في كل فعالياتهم خلال فترة تواجدي المحدود بينهم في الساحات والمآثم وفي المساجد.
انني احب هذا الشعب العظيم من كل قلبي واشعر بل واؤكد بانه سينال حقه في العيش الكريم والحر قريبا بإذن الله.. وانني من خلال صحيفتكم هذه اتوجه بالشكر والعرفان لكل ابناء الجنوب ومكوناته القيادية والذين ساهموا في استقبالي بارض المطار (عدن) ، ورافقوني في كل تحركاتي وامدوني بالعزيمة والارادة كي اكون احد ابناءهم او ابائهم.. واخص بالشكر قيادات كل مكونات الحراك السلمي وكل القطاعات السلمية المختلفة الشبابية والعمالية والمهنية والنسوية ورجال الدين والنخب الثقافية المختلفة من مفكرين وعلماء وشعراء.. وفي المقدمة من كل هؤلاء ابناء شعب الجنوب بشرائحه المختلفة.
السفير محمد العبادي.. ماذا عن وضعكم في حركة تقرير المصير (تاج)؟
تعتبر (تاج) احد مكونات الحراك السلمي في الخارج، ولها برامجها ونشاطها الواسع على مستوى الخارج والداخل.. وهي تقوم بذلك وفق قناعتها بان ما وقع على شعب الجنوب من ظلم وقهر كان حجمه كبير وفضيع، وبالتالي فانها تسعى جاهدة في نشاطها لتوضيح ذلك وبالوثائق لكل من استطاعت الوصول اليهم من انظمة ودول وتنظيمات سياسية ومهنية جماهيرية اقليمية ودولية، وهي تركز على بلدان الجوار وكذلك اوروبا باعتبارها مركز ثقل صنع القرار الدولي، واعتقد بل اجزم بان حركة (تاج) السلمية بنشاط وفعالية اعضاءها قد نجحت في تحقيق ذلك.
مؤتمر الحوار المنعقد حاليا، كيف تنظرون اليه والى لجنة القضية الجنوبية؟
من اجل ان تستقيم نظرتنا للعملية التفاوضية والحوارية بشأن حل قضية شعبنا الجنوبي، ينبغي على المؤتمر الاقرار اولا بمجموعة من الحقائق:
الاقرار بزيف وفشل نظرية اليمن الواحد والاعتراف بواقع شعبية ودولتين، 2- الاقرار ببطلان ما بني على السياسات التي تنطلق من نظرية اليمن الواحد ومنها الوحدة المعلنة في مايو 1990م بين الدولتين، 3- الاعتراف الصريح بفشل الوحدة التي انتجت ازمات وحروب تحولت على اثرها الى احتلال دولة لدولة اخرى، 4- الاعتذار عن الحرب وفتاواها (اللا شرعية) والاعتراف بقضية شعب الجنوب وبحقه في استعادة سيادته على ارضه وقيام دولته.
وفي ضوء الاقرار بهذه الحقائق يمكن القول بانه ينبغي توخي الحذر من الوقوع في خلط القضايا وعدم الامساك بخيوطها الصحيحة والوقوع من جديد في (فخ) التضليل والتزييف والدخول من جديد في النفق المظلم الذي يعيد الكرة مرة اخرى ويعيدنا الى المربع الاول ولتستمر المعاناة والظلم.
المجتمع الدولي ابدى قناعة بعدالة القضية الجنوبية ، لكنه مازال يتململ في اتخاذ قرار بشأن الجنوب.. وفي تقديركم ما الذي يحول من ذلك؟
الموقف الداخلي وما يحدث فيه من تطورات هو المحدد لطبيعة تلك التطورات والمتغيرات التي تحدث على الموقف الاقليمي والدولي.. فوحدة الشعب الجنوب ووحدة مشروعه الوطني ووحدة بنيانه التنظيمي الوطني ووحدة حراكه السلمي ووحدة قياداته في الداخل والخارج تشكل بمجموعها عوامل قوة الموقف الجنوبي الداخلي القادر على احداث التحول النوعي في الموقف الدولي.
المشهد السياسي في الجنوب الى ماذا سيفضي برايكم؟
المشهد السياسي في الجنوب يسير ويتطور وفق خط سياسي ادركه الشعب قبل النخب، حيث نراه يتطور عبر مراحل توحي وكأن كل مرحلة تلذ مرحلة اخرى.. فالجنوبيون بدأوا حوارا انتج التسامح والتصالح، انتجت تحديد القضية الجنوبية وانطلاق الحراك الشعبي الجنوبي بخياراته السلمية والواجب اليوم على الحراك الشعبي بكل قطاعاته الشعبية والمدنية والسياسية ان ينتج تنظيما وطنيا وقيادة وطنية تمتلك شرعية قيادة الجنوب وتمثيله امام الغير، ويقع عليها ادارة العمل التنظيمي الجماهيري الداخلي وادارة العلاقة مع الاطر الاقليمية والدولية وادارة العمليات التفاوضية وفق رؤية وطنية تعبر عن الارادة الموحدة لشعب الجنوب وبما يضمن تحقيق استعادة الدولة او التحرير.
نقلا عن الامناء