القرار ... قرارنا
القرار قرارنا
تعني كلمة قرار البت النهائي والإرادة المحددة لصانع القرار بشأن ما يجب وما لا يجب فعله للوصول لوضع معين والى نتيجة محددة ونهائية .. وهناك بعداً آخر يمكن أن يضاف إلى مفهوم القرار ، كأفعال يمكن أن تقسم إلى قسمين رئيسيين ، قسم ينتج من تزاوج التمعن والحساب والتفكير، وقسم آخر لا شعوري تلقائي إيحائي وينتج عن القسم الأول ما يسمى قرارات ، أما القسم الثاني فينتهي إلى أفعال آنية . وحينما يكون هناك محل لقرار فأنة بالتداعي لابد وأن تكون هناك نتيجة ينبغي انجازها ووسائل ومسارات للوصول إلى هذه النتيجة ومن ثم يمكن تعريف القرار بأنه : " مسار فعل يختاره المقرر باعتباره أنسب وسيلة متاحة أمامه لانجاز الهدف أو الأهداف التي يبتغيها لحل المشكلة التي تشغله "
بين القرار والقرار تكمن دلالات الحدث وتتبين عظمة الانجاز .. وبين الحدث والحدث ثمة مساحة من الفعل والمهام تؤطر في نسق تتابعي ممنهج ، تتكامل فيما بينها البين ليتحقق الانجاز المأمول ، وبين القرار والانجاز تكمن سلسلة من المهام والأهداف القريبة والبعيدة لبلوغ الغايات المنشودة .. وتتحدد حقيقة القرار وطبيعته بخلفيته الثقافية والاجتماعية ومنظومة القيم والمعتقدات الإنسانية بمختلف مسمياتها والتي تشكل أساسا جوهريا لاتخاذ القرار وتنفيذه ونجاحه .. ونحن اليوم في الجنوب المحتل إزاء قضية حقيقة تشكلت بفعل القفز على هذه الأسس والتخلي عن شروط اتخاذ القرار العلمي المدروس خلافا للقيم الإنسانية التي تشكلت عبر القرون وصبغت شعب الجنوب بهويه مستقلة وفريدة ، وبين قرار الأمس واليوم ثمة فوارق جوهرية وأسس متينة تتبدى بالنزوع الجماعي لشعب الجنوب لتصويب الأخطاء الفادحة التي أوقعته في هذا المآل الإنساني الخطير منذ مهزلة ما يسمى ( الوحدة ) وما تلتها من الأحداث التي عطلت النتائج وحرفت مسار القرار بقرار ( الحرب وفرض الاحتلال ) لكن ثمة قوانين اجتماعية ثابتة تفعل فعلها الطبيعي لتؤسس لقرار استراتيجي ( وجودي ) جديد لشعب الجنوب يتفق مع خصوصية التغاير الثقافي والروحي الذي تميزه عن غيره من المجتمعات شعب الجمهورية العربية اليمنية ) ، ويصحح الأخطاء الكارثية التي يتجرع مرارتها بفعل التخبط في اتخاذ القرار ( الوحدة ) والوصاية عليه ( داخليا ) والذي أوصله إلى ما هو فيه اليوم ، وبعد انطلاق قطار ثورته واقترابه من بلوغ محطته الأخيرة تتكشف من جديد خيوط لعبة جديدة لا تقل خطورة عن سابقتها كمحاولة بائسة لإعادة سيناريو الوصاية لكن من نوع ( الوصاية الخارجية ) ، لذا يمكن القول الآن وبعيدا عن التنظير بان شعبا بأكمله قد اتخذ قرار مصيريا ليس له بدائل أخرى ممكنة ، ودفع بكل ثقله لتحقيقه ( القرار قرارنا ) .. هذا القرار المصيري قد توفرت له كل الشروط الموضوعية والذاتية للبت فيه واتخاذ الخطوات المرحلية لبلوغه ، وثمة فكر ومنطق يقف خلف هذا القرار ، وثمة استعداد قد بلغ حالة الاكتمال ، وثمة خطوات مدروسة قد تمت وأصبحت واقعا على الأرض ، وثمة وسائل وآليات قد توفرت للتنفيذ ، وثمة تضحيات جسام قد قدمت ، وثمة شعب اسمه شعب الجنوب يقف خلف ذلك القرار .
( القرار قرارنا ) هي الحقيقة التي يجب على العالم والإقليم والوسائل الإعلامية التابعة لها التعامل معها كما هي لا كما يراها ويروج لها الاحتلال وقواه المتنفذة ، وعلى القوى الفاعلة في العالم أن تنظر بمدى أوسع والابتعاد عن الزوايا الضيقة التي لا تسمح لهم برؤية المشهد كله كما هو على الأرض .. وعلى المثقف العربي والنخب السياسية والأكاديمية أن تتجرد من وهم الفكر القومي ومناقشة ( قضية ) شعب الجنوب كما هي في الواقع واستشعار المسؤولية الأخلاقية والإنسانية تجاه هذا الشعب الذي يرزح تحت أسوا احتلال استيطاني عرفته البشرية ، ومناصرته للخروج من هذه المحنة التاريخية ، وعلى الإخوة العرب أن يدركوا بان مصالحهم الحقيقة تكمن بتمكين شعب الجنوب من بلوغ القرار الذي يصبوا إليه ، والتي تؤكده الوقائع الراهنة انه لن يتراجع عن بلوغه مهما كانت المواقف والمؤامرات التي تحاك ضد إرادته في تحرير أرضه واستعادة دولته .
فشعب الجنوب الذي خرج بالملايين أكثر من خمس مرات في ظرف أيام معدودات يؤكد مدى الاستعداد الروحي والأخلاقي لدية للانتصار لإرادته المصادرة ، وان تمسكه بالنهج السلمي والصبر على المكاره التي يلقاها من قوى الاحتلال لهو عامل يعزز قوة الإرادة والتصميم المذهل لنيل حريته ، ويمكن القوى الخيرة في العالم من التجاوب مع هذا الخط المفتوح الذي يجنح للسلم وينبذ العنف والتطرف ويحفظ المصالح المشتركة ويعزز السلام والأمن الدولي في هذه المنطقة الإستراتيجية والحساسة من العالم ، وانه لا أمن ولا استقرار بدون ذلك .
( القرار قرارنا ) كلمات يقف خلفها شعب حي ممتلئ بالعزة والكرامة ويتوقد عنفوانا وإرادة لا تلين ولا تقهر ، شعب ينتفض من بين الرماد كطائر العنقاء ( الفينكس ) الأسطوري ليحلق في سماء الوطن الجنوبي من أقصاه إلى أقصاه ليقول كلمته الفصل ( أي تفاوض أي حوار .. نحن أصحاب القرار .. والقرار قرارنا ) وليس أحدا غيرنا ، وما زال الخطام بأيدينا ، وهذه فرصتكم المتاحة أيها العالم للتعامل مع هذا الواقع والتجاوب مع هذا القرار قبل أن ينفرط العقد وتتناثر حبات اللؤلؤ ، ويصبح القرار ليس قرار .