صحيفة لوموند الفرنسية : في جنوب اليمن.. عدن تبكي وهي تحلم باستقلال جديد
أربعة رجال من كبار السن يجلسون القرفصاء على الرصيف مفترشين قطعاً من الكرتون ويلعبون الدومينو، نسألهم: «كيف عدن؟».. ينظر أحدهم شَزْراً وهو يفكِّر في الإجابة، متحسساً بأصبعه شامة تحت عينه ويقول: «عدن متعَبة، إنها حزينة، ليس ثمة شيءٌ جيد، عدن تبكي، نحن نلعب معاً منذ طفولتنا، لكننا لم نمر بظرف مماثل من انعدام الأمن، وانتشار الخوف، والصراعات، نحن نريد الانفصال لنعيد بناء وطننا، حينها ستكون عدن أفضل..».
يزيد التوتر في الجنوب مع اقتراب موعد الحوار الوطني -الذي يعتبره الكثيرون حاسماً لمستقبل اليمن- الذي يفترض أن يبدأ يوم الاثنين الثامن عشر من مارس، عدن المدينة الكبرى في الجنوب صارت مسرحاً لاشتباكات مستمرة بين الجماعات الجنوبية وقوات النظام، وامتدت أعمال العنف إلى حضرموت، المكلا، ولحج.
عدن تعيش على إيقاع حركة العصيان المدني، والكل يتساءل عن فرص الاستمرار في الوحدة، على الأقل في شكلها الحالي.
مرّ وقت طويل منذ يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من مايو 1990، يوم أن رفع علي عبد الله صالح هنا الراية الجديدة ذات الألوان الأحمر والأبيض والأسود للجمهورية اليمنية في ظل ابتهاج وفرحة شعبية، ليبدأ من تلك اللحظة المصير المشترك لليمن الشمالي المتدين والمحافظ واليمن الجنوبي الماركسي.
اليوم، عادت إلى الظهور من جديد راية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية على الجدران وأسطح المباني وهي عبارة عن مثلث صغير تتوسطه نجمة، مع ثلاثة ألوان أفقية، إنها تعني الاستقلال؛ لأن «الاستقلال لا رجعة عنه»، كما يهتف بذلك العميد ناصر النوبة باعتباره أحد المؤسسين التاريخيين للحراك المعبّر عن شكاوى الجنوبيين في 2007، ينظر النوبة إلى الحوار الوطني بعين الشك: «أنا أؤيد الحوار، لكن على قدم المساواة بين الجنوب والشمال لمناقشة الاستفتاء الشعبي، وحده الشعب هو من سيختار بيننا نحن مؤيدو الانفصال، ومن ينادون بالفيدرالية، لكن الشعب يؤيد الانفصال».
ظلم
رغم أن الحركة الجنوبية دعمت ثورة 2011 التي طالبت بإسقاط نظام علي عبد الله صالح والحفاظ على الوحدة الوطنية، إلا أنها وبرحيل صالح صعّدت من ثورتها الخاصة بها؛ مطالبةً بالاستقلال.
وهي اليوم مستمرة، يغذيها شعور مرعب بالظلم، حيث تتهم الشمال بخيانة وعود الوحدة اليمنية ومصادرة الأراضي ونهب الثروات الطبيعية والسيطرة على الوظائف العامة، وتتوالى الشكاوى..
وإذا كانت هذه المطالب في منشأها اجتماعية ويتم التعبير عنها بصورة سلمية، إلا أنه سرعان ما انقسمت الحركة الانفصالية إلى عدّة فصائل صغيرة متعددة الطموحات ومختلفة الأساليب، فهناك مؤيدو الفيدرالية، واللامركزية، والانفصاليون، وتتواجه هذه الفصائل بجماعات مسلحة تقوم بقطع الطرقات وإقلاق السكان.
وفي مواجهة هذه الاحتجاجات التي تجتاح ثلثي الأراضي (الجنوبية) الغنية بالموارد النفطية وتتمتع بمنافذ بحرية رئيسية للبحر الأحمر والمحيط الهندي، قامت الحكومة خلال الست سنوات الماضية بقمع الاحتجاجات، قُتل بسبب ذلك المئات من المواطنين. أما الرئيس الجديد هادي، وهو جنوبي من شبوة (الصواب: أبين)، فقد قام برحلة إلى عدن من أجل التهدئة.
انتهازية
أعلنت وزارة الدفاع عن إعادة إدماج في الجيش النظامي للمئات من الجنود المسرحين بصورة غير عادلة، هناك لجنتان فنيتان تقومان بمتابعة «شكاوى الجنوب». وأخيراً، تم حجز نصف مقاعد مندوبي الحوار الوطني لمشاركين من أصول جنوبية. «لكنها ديمة خلفنا بابها» يسخر العميد النوبة من رغبة النظام الجديد في الحوار وصدق الأحزاب السياسية، ويتابع: «ليست سوى انتهازية».
في الأشهر الأخيرة، اندلعت مواجهات بين الجماعات المسلحة والإصلاح، الحزب الإسلامي المشارك في حكومة الوفاق الوطني، وتتهمه الأجنحة المتشددة من الحراك باستغلال المطالب الجنوبية لمصالح سياسية. إنصاف علي مايو، مسؤول الحزب في عدن، يدافع عن موقف حزبه بقوله: «منذ عام 2007 ونحن نشارك في الأنشطة السلمية للحراك، ولكن الحركة جنحت للعنف، وعبر الاستفتاء، سيصوت الجنوبيون قبل كل شيء لأمنهم واستقرارهم، علينا اليوم أن نجد حلاً عبر مشروع تسوية سياسية، الانفصال ليس حلاً، بل الوحدة هي الحل، ولكن في دولة لا مركزية على سبيل المثال، وبرغم أن الفيدرالية قد تكون أيضاً خياراً، لكنها كخيار إنقاذ فقط».
وقبل بضعة أيام من افتتاح الحوار الوطني، ضاعف الرئيس هادي والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن من مبادراتهما لجمع عدد من شخصيات الحراك الجنوبي حول طاولة الحوار.
لنتوحد
يبدو الوضع دقيقاً، فنائب الرئيس اليمني الأسبق علي سالم البيض هو أحد أشرس معارضي الوحدة من منفاه في بيروت، وتتهمه الولايات المتحدة بتلقي دعم مالي من إيران، ويستطيع الاعتماد على عدد كبير من الأنصار في عدن وفي منطقته، حيث يمول جماعات مسلّحة تعمل على إرهاب مؤيدي الحوار، وبغيابه عن النقاشات فلا يجد أي صعوبة في استنكار اتفاق «لا يمثل التطلعات المشروعة للجنوب».
أما محمد علي أحمد، العائد إلى عدن في مارس 2012 بعد ثمانية عشر عاماً من المنفى، فقد أكد مشاركته في الحوار الوطني، ويستعد للدفاع هناك عن «الانفصال إلى جانب الزعماء المعتدلين»، وتقول هذه الشخصية السياسية المؤثرة: «لنتوحد من أجل إيصال صوت الشعب»، ويضيف: «لكن لنكن واقعيين، فالسياسة هي فنّ الممكن».