المشروع السعودي في اليمن "دولة حضرموت"
تحليل الأحداث دون الرجوع الى سياقها التاريخي ومصالح الدول يوصلنا الى نتائج بعيدة عن الحقيقة, فاذا ما رجعنا الى حرب صيف 94م وموقف بعض دول الخليج منها والسعودية بشكل خاص نلاحظ أن تلك المواقف تغيرت من دعمهم العلني للانفصال في جينه الى تمسكهم الحالي بالوحدة.
تاريخياً كانت السعودية مع الشمال في كل حروبه وصراعاته مع الجنوب, وخلال حرب 94م تغير موقف السعودية لأن الوحدة لم تكن في صالحها, ورأت أن هناك فرصة لإعادة تقسيم اليمن, بعد أن زالت مخاوفها من المد الشيوعي مع انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الماركسية, كما أن لجوء التيار المطالب بالانفصال وقتها الى الرياض ليدعم خياراته سيمكن السعودية من أن تكون لاعب اساسي في الجنوب بعد الانفصال, كما هي لاعب في الشمال منذ الستينات, اضافة الى ما سبق لا يمكننا أن ننكر أن موقف الرئيس السابق صالح من دخول الكويت كان له أثر في دعم السعودية لخصومه, ومن هنا فقد تعاملت السعودية بناء على مصالحها الخاصة دون اكتراث بوحدة اليمن, ودعمت المطالبين بفك الارتباط بكل الوسائل الممكنة, ولولا أن الطرف الشمالي بدعم من "الطغمة" الجنوبية فرض الأمر الواقع لكانت الأمور عادت الى ما قبل عام 1990م.
في ذلك الوقت كانت مواقف ايران واضحة تجاه دعم الوحدة في اليمن بل وأمدت نظام صالح وقتها بالوقود.
تظهر الرياض اليوم وخصوصاً بعد التوقيع على المبادرة الخليجية وكأنها الداعم الأول لوحدة اليمن, وايران تظهر وكأنها ترعى مشروع الانفصال, لكن المعادلة عكس ذلك تماماً.
أمريكا والسعودية لديهم ملفات كبيرة, وأهمهما الملفين السوري والنووي الايراني, لذلك فمن مصلحة الطرفين استقرار الأوضاع في اليمن وخضوعه لحكم مركزي من صنعاء يسهل التعامل معه, حتى يتم الانتهاء من معالجة الملفين, فاحتمالات اندلاع حرب في المنطقة واردة وبقوه, لذلك هم بحاجة ماسة الى استقرار اليمن بسبب موقعه الجغرافي, واستقرار اليمن المرحلي مرتبط باستمرار الوحدة, لان الانفصال قد يجر اليمن الى الكثير من الاشكالات التي تربك المشاريع الأمريكية الحالية في المنطقة.
السعودية تدعم وحدة اليمن مرحلياً لكنها في حقيقة الأمر تسعى الى ترتيب أوضاع ما بعد الانفصال من الآن, حتى تكون مشاريعها جاهزة فور انتهاء الملفين السوري والنووي الايراني, لذلك فهي ترعى السلاطين والنافذين في جنوب ما قبل 67م, بل وبدأت تنظم بعض المؤتمرات التي لا يخفي بعض المشاركين فيها تطلعهم الى العودة بالجنوب الى ما قبل الاستقلال والى أن تحظى حضرموت بحق تقرير المصير.
السعودية لديها مشاريع جاهزة تتضمن تقسيم اليمن الى أكثر من دولة بما يضمن أن تكون حضرموت دولة مستقلة, على أمل أن تدخل في علاقة خاصة مع الدولة الحضرمية الوليدة التي قد تشمل المهرة أيضاً, وقد تتطور الأمور الى أن يتم ضم هذه الدولة الى مجلس التعاون الخليجي, أو تتوحد مع السعودية, خصوصاً أن الكثير من التجار الحضارم العاملون في السعودية يتمتعون بتأثير كبير على أبناء حضرموت ويمكن أن يدفعوا باتجاه الوحدة مع السعودية, ليتخلصوا من ازدواج الجنسية.
تعاني السعودية من خضوع مضيق هرمز لسيطرة ايرانية مما يهدد تجارة النفط الخليجية بشكل عام, لذلك فالهدف السعودي من تمزيق اليمن وتأسيس الدولة الحضرمية هو مد أنابيب النفط الى بحر العرب, وعمل ميناء سعودي عليه عبر اتفاقات خاصة, ليتم كسر احتكار مضيق هرمز والموانئ التي في الخليج لتلك المزايا, وبالتالي توجيه ضربة الى ما تعتبره ايران ورقة ضغط بيدها.
تعتبر السعودية أن تنفيذ مشاريعها تلك في بحر العرب في ضل وحدة اليمن غير ممكنه لأن نظام صنعاء قد يبتز الرياض في أوقات الشدة, كما أن تلك المصالح السعودية لن تكون بمنأى عن أي عمليات تفجير أو ابتزاز للسعودية من قبل اطراف نافذة سواء في الشمال أو في منطقة القبائل في الجنوب والتي تعرف بمثلث الدوم " ابين, الظالع, شبوة " اذا بقت حضرموت ضمن الدولة اليمنية.
ايران تعي تماماً تلك التطلعات السعودية, ومن مصلحتها بقاء اليمن موحداً, وتسعى الى ذلك بكل الوسائل, حتى لا تتمكن السعودية من فتح نافذة لها على بحر العرب, وأنا على اطلاع على تلك المواقف ومن مسؤولين ايرانيين كبار, لكن ايران في نفس الوقت لن تتمكن من وقف مشروع الرياض لوحدها, لذلك تضع لنفسها خطط طوارئ في حال تمكنت الرياض من فرض خيار الانفصال, ومن تلك الخطط أن تكون على علاقة وثيقة بتيارات جنوبية فاعلة حتى لا تنفرد السعودية وحدها بجنوب ما بعد الوحدة.