هل تكرر السعودية ما فعلته بعد حرب 1994م؟
بعد ثلاثة سنوات تقريبا من حرب 1994م التي شنتها القوى السياسية والقبلية والدينية اليمنية على الشريك الجنوبي بدولة مايو 90م ,طلب النظام في صنعاء بقيادة الرئيس اليمني- حينها- علي عبدالله صالح من المملكة العربية السعودية عملية مقايضة تاريخية, كانت مفاجأة لكثير من المراقبين بالداخل والخارج ,بُنيتْ على مبدأ: ( الجنوب مقابل الجنوب) أي جنوب المملكة مقابل جنوب اليمن, أو بمعنى أوضح ان يقبل صالح بتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود اليمنية السعودية مقابل تخلّي الأخيرة عن الدعم المالي على قلته الذي كانت تقدمه للقيادات الجنوبية التي نزحت جرّاء تلك الحرب(94م) .
بالإضافة لطلب تغييب الشأن الجنوبي اليمني من الأجندة السياسية والإعلامية السعودية, ليظفر بالتالي صالح ونظامه بأرض الجنوب وثروته وطمس أثار جريمة تلك الحرب أو هكذا أعتقد نظام صنعاء أن الأمور ستتجه.
وهو الطلب الذي مثّلَ بالنسبة للمملكة تحقيق حُـلم تاريخي ظل يراودها لعقود, وكان ردها على ذلك الطلب : (غالي والطلب رخيص), وتُــوّجَ هذا التفاهم باتفاقية ترسيم الحدود عام 2000م وتنازل اليمن بموجبها نهائيا عن أراضي ظل عقود من الزمن -منذ 1934م اتفاقية الطائف يعتبرها أراضيه جيزان نجران عسير.
وكان لنظام صالح المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح ما أراد وشرع الطرفان اليمني والسعودي بالوفاء بكل ما عليهما للأخر مع التزامات على سذاجة وسخُف المكسب اليمني , فلم تتردد المملكة لحظة واحدة بطرد القيادات الجنوبية وقطع معاشات شهرية رمزية كانت تمنح لأسرها, وإعادة عدد من هذه القيادات كسيرة صغيرة الى بين يديّ الجلّاد في صنعاء في واحدة من أبرز حالات الانحدار الأخلاقي للسياسة العربية بالتاريخ المعاصر.
وظل الجنوب من حينها لا حول له ولا طول, غريبٌ في محيط عربي وإقليمي ظلوم, بعد أن أدارتْ له المملكة ظهرها منذ ذلك التاريخ حتى مارس أذار 2015م حين استيقظت بعد سبات عقدين من الزمن على وقع أوضاع مزعجة وخربة باليمن بالنسبة لها على الأقل .
اليوم يبدو التاريخ القريب سيكرر نفسه مع السعودية واليمن بصرف النظر إن كان على شكل ملهاة أو مأساة, أو الاثنتين معاً-.
ولكنه بالتأكيد سيكون فيه ضحايا وجناة وبالأسلوب قديم جديد و أن اقتضى بعض التعديل, فكل المؤشرات تنبئ ان ثمة ترتيبات تطبخ اليوم على نار هادئة خلف الحجب بين الكبار بالمجتمعين الدولي والإقليمي للوصول الى تسوية نهائية باليمن قد تطيح بقوى وتأتي بأخرى الى الوجهة وفقا لفلسفة المصلحة العليا للدول ففي هذه المواقف لا صوت يعلو فوق صوت المصلحة.
فالمملكة ولسان حالها يقول: مَــن أهدر الصنيعة استوجب القطيعة, بعد أن طالت هذه الحرب ومالت كفتيها بغير ما كان تتوخاه وخاب ظنها بحلفاء لا هم لهم غير التكسب والإثراء من بنكنوت الخزانة السعودية المنهكة أصلاً, تبحث لها عن مخرج مع خصومها باليمن بطريقة الحوار المباشر مع المعنيين بصنعاء جماعة الحوثي وصالح مغيّـبة عن عمد لحلفائها من قيادات سلطة شرعية الرئيس هادي .
وهذا التغييب لهذه القيادات الشرعية أتي بطلب من حكام اليوم في صنعاء كقربان وأضحية في محراب التسوية المرتقبة وهي ذات الطريقة وذات القربان يوم ذبح الثور الأبيض الجنوبي مع فارق أن القيادات الجنوبية كانت تطالب باستعادة وطن بدون عاصفة ولا عواصف ,وسلطة شرعية هادي والإصلاح تطالب باستعادة سلطة حكم وإن أضحت البلاد كعصف مأكول وشتان بين المطلبين والأسلوبين.
* قفلة : (صبورٌ على الأغبياء, لكن لا أقوى على تفاخرهم بغبائهم ).