لعبة الشيطان
عدن اليوم | الخميس 28 فبراير 2013 10:03 مساءً
يعتبر كتاب "لعبة الشيطان" للكاتب الأمريكي "روبرت داريفوس"
مرجعا مهما للمهتمين بمتابعة المشروع الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط!!
يترجم عنوان الكتاب رؤية الكاتب لعلاقة الولايات المتحدة بالإسلام السياسي في المنطقة والتي يرى أنها بدأت من زيارة الرئيس الأمريكي "روزفلت" الشهيرة إلى الشرق الأوسط في العام 1945 ولقائه الأشهر بالملك عبدالعزيز آل سعود في الباخرة.
في البداية يقدم الكاتب تسلسلا دقيقا لعلاقة أمريكا وبالتحديد وكالة الاستخبارات الأمريكية بحركات الإسلام السياسي في كل المنطقة العربية ويبين كيف استخدمت الولايات المتحدة مشروع الصحوة الدينية في الشرق الأوسط لضرب الحركات الوطنية والقومية التي أشعلها قدوم "جمال عبدالناصر" وتبنيه لمشروع القومية العربية.
يترجم عنوان الكتاب رؤية الكاتب لعلاقة الولايات المتحدة بالإسلام السياسي في المنطقة والتي يرى أنها بدأت من زيارة الرئيس الأمريكي "روزفلت" الشهيرة إلى الشرق الأوسط في العام 1945 ولقائه الأشهر بالملك عبدالعزيز آل سعود في الباخرة.
في البداية يقدم الكاتب تسلسلا دقيقا لعلاقة أمريكا وبالتحديد وكالة الاستخبارات الأمريكية بحركات الإسلام السياسي في كل المنطقة العربية ويبين كيف استخدمت الولايات المتحدة مشروع الصحوة الدينية في الشرق الأوسط لضرب الحركات الوطنية والقومية التي أشعلها قدوم "جمال عبدالناصر" وتبنيه لمشروع القومية العربية.
ويمضي المشروع الأمريكي في إيران وأفغانستان والمغرب العربي وسورية وفلسطين إلى أن هزت أحداث الحادي عشر من سبتمبر أساسات ذلك المشروع الأمريكي الإسلامي بصورة تحولت معه إلادارة الأمريكية عن مشروعها وبدأت الحرب على الإرهاب ضد "معسكر الشر" وهي الحرب التي يرى "روبرت درايفوس" أنها لن تعالج المشكلة بشكل صحيح وأن الولايات المتحدة تقف الآن في مواجهة تحديين:
الأول: يكمن فيما تشكله "القاعدة" من خطر مباشر على أمن أمريكا.
الثاني:يأتي فيما أصبح يشكله الإسلام السياسي في المنطقة من أزمات سياسية مع بروز ونمو اليمين الإسلامي في الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
بالنسبة لروبرت درايفوس فإن المخرج السليم من هكذا مأزق لايكون إلا من خلال معالجة الأسباب التي تدفع بعض المؤسسات السياسية للجوء إلى الإخوان المسلمين وغيرها. وأيضاً على الولايات المتحدة أن تتخلى عن طموحاتها الاستعمارية في المنطقة،وأن تكف عن التدخل في النزاعات السياسية بشكل غير عادل وغير أخلاقي.
يبحر بنا "روبرت درايفوس" إلى أعماق وجذور العلاقة الغربية بحركات الإسلام السياسي يبدؤها "بجمال الدين الأفغاني" و"محمد عبده"_ اختلف معه فى هذه النقطة_ مسترسلاً في تفاصيل دقيقة حول فكر وأنشطة الإسلاميين في المرحلة التي سبقت الحرب العالمية الأولى. وكيف ساندت بريطانيا وفرنسا آنذاك تلك الأنشطة وإن لم يكن بشكل مباشر،"فالأفغاني" و"عبده" مثلاً كانا يتمتعان بهامش كبير من الحرية في باريس حيث استقرا لفترة من الزمن بل إن الحكومة الفرنسية كانت تساعدها سراً في إصدار جريدتهما الأسبوعية ثم يتناول الكاتب نشأة الوهابيين وحركة "محمد بن عبدالوهاب" وكيف أعاد الإنجليز ترسيم المنطقة،وتمكين آل سعود من إقامة مملكتهم بصورة أعطت الإسلاميين قاعدة لعقود قادمة ومع ذلك فإن "روبرت درايفوس" لايعتبر الحركة الوهابية في بداية نشأتها حركة سياسية وإنما دينية بحتة وبذلك فهو لايرى فيها مقومات الإسلام السياسي الذي يشهده العالم اليوم.
يبحر بنا "روبرت درايفوس" إلى أعماق وجذور العلاقة الغربية بحركات الإسلام السياسي يبدؤها "بجمال الدين الأفغاني" و"محمد عبده"_ اختلف معه فى هذه النقطة_ مسترسلاً في تفاصيل دقيقة حول فكر وأنشطة الإسلاميين في المرحلة التي سبقت الحرب العالمية الأولى. وكيف ساندت بريطانيا وفرنسا آنذاك تلك الأنشطة وإن لم يكن بشكل مباشر،"فالأفغاني" و"عبده" مثلاً كانا يتمتعان بهامش كبير من الحرية في باريس حيث استقرا لفترة من الزمن بل إن الحكومة الفرنسية كانت تساعدها سراً في إصدار جريدتهما الأسبوعية ثم يتناول الكاتب نشأة الوهابيين وحركة "محمد بن عبدالوهاب" وكيف أعاد الإنجليز ترسيم المنطقة،وتمكين آل سعود من إقامة مملكتهم بصورة أعطت الإسلاميين قاعدة لعقود قادمة ومع ذلك فإن "روبرت درايفوس" لايعتبر الحركة الوهابية في بداية نشأتها حركة سياسية وإنما دينية بحتة وبذلك فهو لايرى فيها مقومات الإسلام السياسي الذي يشهده العالم اليوم.
في أعقاب "الحرب العالمية الأولى"وفي محاولتها للحفاظ على إمبراطوريتها عقدت بريطانيا العظمى عدة صفقات مع عدة شياطين على حد تعبير الكاتب
فبين عشرينيات القرن الماضي وتأمين قناة السويس في العام 1956 قدمت بريطانيا دعماً غير محدود لأبرز أعلام الإسلامي السياسي "حسن البنا" في مصر و"أمين الحسيني" في القدس
فكان أنشأ "حسن البنا" جماعة "الإخوان المسلمين" بدعم مباشر من شركة قناة السويس المملوكة لإنجلترا آنذاك وبدأ الإنجليز والملك آنذاك باستخدام "الإخوان المسلمين" وخاصة جناحها السري حين تستدعي الظروف ذلك.
ينوّه الكاتب هنا إلى أن "حركة الإخوان المسلمين" التي نشأت في العام 1928 ماهي إلا امتداد لفكر ونهج "جمال الدين الأفغاني" و"محمد عبده" وإن الإخوان في أربعينيات القرن الماضي كانوا يتمتعون بنفوذ وحضور قوي لدى الملك لدرجة أنهم احتلوا مناصب قيادية وسياسية مهمة في حكومة الملك في مصر آنذاك بل إن الرئيس المصري السابق "أنور السادات" كان عضواً نشطاً في الإخوان المسلمين في الأربعينيات
أما مايتعلق "بأمين الحسيني" فقد كان هو الآخر يحظى بدعم كبير من الإنجليز واستطاع في العام 1946 أن يتحد مع الإخوان وأن يشكلوا "جبهة الخلاص" التي تم تجاهلها من قبل الإنجليز.
يسترسل "روبرت درايفوس" في وصف الحراك السياسي في منطقة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية ويشير إلى أن الولايات المتحدة قد اتخذت أولى خطواتها في قلب الشرق الأوسط من بين حطام الحرب العالمية الثانية وحيث كان الإخوان المسلمين في انتظارها
يؤكد الكاتب أن الولايات المتحدة لم يكن لها دور يذكر في الشرق الأوسط على الرغم من دورها البارز في حسم الحرب العالمية الثانية فعلى المستوى السياسي لم يكن للإدارة الأمريكية إلمام جيد بطبيعة المنطقة بل إن وكالة الاستخبارات الأمريكية بقيت وإلى فترة الخمسينيات مساندة للمخابرات البريطانية لكن توغل الاستخبارات الأمريكية وبحسب العديد من المؤرخين بدأ في العام 1945 مع ذلك اللقاء المشهور بين روزفلت والملك عبدالعزيز آل سعود والذي أعلنت خلاله أمريكا مسؤوليتها في الدفاع عن السعودية، وهي السياسة التي أخذ بها فيما بعد كل الرؤساء الأمريكيين ولتلعب السعودية دورها البارز في مواجهة المد القومي الذي خرج من مصر عبدالناصر وذلك من خلال تبني حركة الإخوان المسلمين وبجهود بعض البارزين في الحركة مثل "سيد رمضان" زوج ابنة حسن البنا الذي كان بمثابة السفير غير الرسمي للإسلاميين
يؤكد "روبرت درايفوس" ومن خلال أمثلة كثيرة أن الإسلام السياسي لم يشكل سداً واقياً في وجه الإلحاد ففي العالم الإسلامي كله كانت الأغلبية المضهدة من قبل أنظمتها تجد ملاذها في الأحزاب الشيوعية اللادينية
يستند "روبرت درايفوس" في حجته على التغلغل الاستخباراتي وأنشطته في منطقة الشرق الأوسط على مثالين فشلت أجهرة المخابرات الأمريكية والبريطانية عن احتوائهما: الأول كان في الحرب الاستخباراتية المنظمة ضد الفكر القومي الذي يمثله "جمال عبدالناصر" والثاني كان في انقلاب "محمد مصدق" في إيران وفي كلا الحالتين لجأت الاستخبارات الأمريكية إلى التيار الديني المتشدد لمواجهتهما ومن سخرية القدر أن القوى الإسلامية الراديكالية التي استخدمتها الاستخبارات الأمريكية لوأد حركة "مصدق" في العام 1953 هي القوى نفسها التي دعمتها الاستخبارات نفسها في العام 1979 للإطاحة بعرش الشاه بل إن "الخميني" نفسه ساهم في تنظيم الصفوف لدعم الشاه ضد "محمد مصدق" يستعرض "روبرت درايفوس" وبإسهاب دور المملكة العربية السعودية في دعم حركة الإخوان المسلمين والذي بدأ بالدعم المالي فقط إلى أن تحول فيما بعد وبالتحديد بعد عام 1954 لتصبح المملكة محطة انطلاق رئيسية لجميع أنشطة الإخوان ومع ذلك فإن السعودية لم تكن تخفي قلقها من تنامي الحركة والتي أصبحت حليفاً وخطراً في آن واحد على الكيان السعودي مما اضطر السعودية إلى اتخاذ بعض الإجراءات الوقائية إلا أن الحركة استمرت في نشاطها وبشكل سري بحت ويرى "درايفوس" أن مناخ المملكة المحافظ ومؤسساتها التعليمية الدينية أهلتها لأن تكون الراعية للعديد من الأنشطة الإسلامية كهيئة العالم الإسلامي لكن "درايفوس" يعد هنا على أن الدور الأهم للسعودية في مرحلة الخمسينيات والستينيات قد كان في تشكيلها وبدعم مباشر من الولايات المتحدة لجبهة في مواجهة المد القومي الناصري الآخذ في التنامي وهي الواجهة التي وصلت أوجها في حرب اليمن
ثم تأتي حقبة "أنور السادات" التي أعادت الإخوان المسلمين إلى مصر تلك العودة التي تمت بمباركة الاستخبارات السعودية والولايات المتحدة لكن "السادات" وبهذه الخطوة يكون قد فتح "صندوق باندورا" أو الصندوق الذي ستنطلق منه كل الشرور فالحضور الإسلامي في الشارع المصري كان كثيفاً بشكل لافت للنظر والسعودية وبفضل جهود "كمال أدهم" رئيس الاستخبارات السعودية أصبحت على وئام مع مصر بعد غياب عبدالناصر وبفضل سياسة السادات الجديدة التي كانت تسعى لتحجيم مسؤولي الحقبة الناصرية في مقابل تقريب الإسلاميين والإخوان ثم كانت حرب أكتوبر التي عززت العلاقة المصرية الأمريكية ومهدت لاتفاقيات فك الاشتباك، وأيضاً خلقت صورة جديدة للعلاقة المصرية السعودية خاصة في ظل الموقف السعودي إبان حرب 1973 وخطر النفط ولم تخل تلك العلاقة من ملامح اقتصادية ظهرت في ترحيب الإخوان المسلمين في مصر بسياسة السادات الانفتاحية وبداية حقبة البنوك الإسلامية التي دشنها في مصر بنك فيصل الإسلامي في العام 1976 وهو البنك الذي حظا بدعم غير مسبوق من الحكومة المصرية وقد كان من مؤسسة "القرضاوي" الناشط في حركة الاخوان المسلمين، و"يوسف ندا" العضو في الحركة إبان الحقبة الناصرية
يخصص "روبرت درايفوس" فصلاً كاملاً يستعرض فيه نشأة الاقتصادي الإسلامي في المنطقة ويبين أثر هذا الاقتصاد على المناخ السياسي بشكل عام وحجم الدعم الذي تلقاه من هيئات وبنوك عالمية مثل "سيتي بانك" الذي كان أول بنك غربي يدشن نافذة إسلامية، وقد ساعد على ذلك كون الإسلام دين رأسمالي في أساسه، يؤمن بالاقتصاد الحر والمفتوح، ثم يتوقف "درايفوس" طويلاً عند بيت التمويل الكويتي، حيث يستخدمه هنا كمثال على حجم النفوذ السياسي الذي أصبحت عليه مؤسسات المال الإسلامية وكيف كان لبيت التمويل الكويتي الحظوة سياسياً واقتصادياً منذ بداية التعاون الحكومي الإسلامي في الكويت مع مطلع السبعينيات
ولم تقتصر العلاقة الحميمة مع الإسلاميين على حكومات المنطقة فقط بل لقد نال الإسلام السياسي وبالتحديد الإخوان المسلمين رضا وقبول العدو فقد شهدت السبعينيات وإلى الثمانينيات جهودا حثيثة من قبل إسرائيل والأردن لدعم جماعات الإخوان خاصة في سورية وفلسطين حتى أن بعض المحللين يرون أن إسرائيل هي التي خلقت "حماس" بهدف ضرب جبهة التحرير الفلسطينية لكن العلاقة الإسرائيلية مع الإسلام السياسي اتخذت طابعها الرسمي بعد العام 1977 وبالتحديد حين أعطت حكومة "بيفن" في العام 1978 تصريحاً "لأحمد ياسين" ببدء نشاطه السياسي الإسلامي لتكر السبحه فيما بعد وتبدأ السعودية دعمها المالي لأحمد ياسين وجماعته في محاولة لمواجهة جبهة التحرير العلمانية ويصبح لجماعة الإخوان المسلمين نفوذاً جباراً مكنهم من تهديد أشهر الحكومات العربية علمانية وهي سوريا البعثية التي واجهت في العام 1979 سلسلة من التفجيرات والاغتيالات على يد جماعة الإخوان المسلمين وذلك قبل أن يقتص منهم الرئيس السوري في أحداث "حماة" الشهيرة
ثم تأتي الثورة الإيرانية لتكشف عن حجم الجهل الأمريكي والتقصير الاستخباراتي الذي أخفق في أن يفهم أبعاد ثورة الخميني فبينما تجاهل فريق كسينجر المسؤول عن وضع الإستراتيجية الأمريكية في إيران وجود الخميني كان كل هم إدارة الرئيس كارتر مسألة التسلح الإيراني فقط وعلى الرغم من أن هنالك آلاف من المواطنين الأمريكيين والمسؤولين المتواجدين في إيران، إلا أنهم جميعاً كان يجهلون تركيبة المجتمع الإيراني والمعارضة الدينية التي تنشط في الخفاء في بداية الثورة الإيرانية، حاولت الولايات المتحدة أن تخلق حواراً مع إيران الخميني، وأن تغير من صورتها كشيطان أكبر، إلا أن الشجب الأمريكي الرسمي لآية الله الخميني في العام 1979، قطع كل السبل ولتغيير الثورة فيما بعد كل التضاريس السياسية، ليس بالنسبة لأمريكا وحسب، وإنما كذلك لروسيا التي كان الاستقرار في إيران يشكل عنصراً هاماً في استقرار أقاليمها الشاسعة وليتسرب الذعر من إرهاصات الثورة إلى كافة دول المنطقة ولتبدأ فيما بعد حروب أمريكا في الاتجاه الآخر أي دون حليفها القديم، الإسلام السياسي
أول تلك الحروب كانت حرب أفغانستان التي كلفت الإدارة الأمريكية أكثر من ثلاثة بلايين دولار، ومع هذه الحرب اقتحمت مفردة "الجهاد" ولأول مرة كل شيء متعلق بهذه الحرب
في العام 1979، تحولت نظرية استخدام الإسلام لإضعاف الإتحاد السوفييتي إلى تطبيق وذلك حين بدأت الولايات المتحدة، وباكستان، والمملكة السعودية رسمياً حربا جهادية هددت حكومة كابول، ودفعت الاتحاد السوفييتي لغزو أفغانستان وبدأت مرحلة جديدة وعلاقة أقوى بين باكستان والأفغان المسلمين
ويستمر الدعم الأمريكي للمجاهدين في حقبة "ريفان" على الرغم من المؤشرات الواضحة على مدى خطورته وتستمر الدول الإسلامية في تغذية تلك الحرب بالمجاهدين لكن المعضلة الحقيقية بدأت حين انسحب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان وبقي الفكر الجهادي والمجاهدين في مواجهة الفراغ، خاصة وأن الولايات المتحدة لم تكن لديها خطة عودة في البداية لم يكن الأمر مقلقاً بالنسبة للمسؤولين الأمريكيين الذين لم يترددوا في الاعتراف بدعمهم وتعاونهم مع الإسلاميين المتشددين وهنا يرى "درايفوس" أن الوضع كان بإمكانه أن يكون أسوأ بكثير لو أن مبادرات ريغن السرية مع إيران قد حالفها النجاح
يختم "روبرت درايفوس" كتابه بطرح عدة تساؤلات حول الوضع الراهن يبدأها بقوله إذا ماكانت الحرب الباردة التي انتهت في العام 1991 هي حرب عالمية ثالثة فهل يعني ذلك أن الولايات المتحدة قد أصبحت الآن على شفا حرب رابعة في مواجهة الإسلام؟ وهل يعني ذلك أن الإسلام هو الشيوعية الجديدة؟ ومامدى جدية الخطر الذي يشكله الإسلام؟ وأيضاً سؤال حول كيفية تحول العلاقة بين الولايات المتحدة والإسلام السياسي بعد نهاية الحرب الباردة؟
تساؤلات كثيرة لاتزال بالنسبة "لروبرت درايفوس" بانتظار الإجابة لكن الإجابة التي يدركها "درايفوس" أن صراع الحضارات والحرب على الإرهاب، وحملة بوش لإعادة رسم الشرق الأوسط كلها مليئة بالتناقضات، والأكاذيب فعلى مدى ستين عاماً، أي منذ بدأت الولايات المتحدة أولى خطواتها في المنطقة، كانت الولايات المتحدة حليفاً مباشراً للإسلاميين لضرب اليسار، والاشتراكية العربية الآن وبعد كل هذه السنوات، تعود الولايات المتحدة للتفكير في التحالف مع المتشددين الشيعة في العراق، لعلها ترمم بعضاً من سياستها الفاشلة في المنطقة
ينوّه الكاتب هنا إلى أن "حركة الإخوان المسلمين" التي نشأت في العام 1928 ماهي إلا امتداد لفكر ونهج "جمال الدين الأفغاني" و"محمد عبده" وإن الإخوان في أربعينيات القرن الماضي كانوا يتمتعون بنفوذ وحضور قوي لدى الملك لدرجة أنهم احتلوا مناصب قيادية وسياسية مهمة في حكومة الملك في مصر آنذاك بل إن الرئيس المصري السابق "أنور السادات" كان عضواً نشطاً في الإخوان المسلمين في الأربعينيات
أما مايتعلق "بأمين الحسيني" فقد كان هو الآخر يحظى بدعم كبير من الإنجليز واستطاع في العام 1946 أن يتحد مع الإخوان وأن يشكلوا "جبهة الخلاص" التي تم تجاهلها من قبل الإنجليز.
يسترسل "روبرت درايفوس" في وصف الحراك السياسي في منطقة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية ويشير إلى أن الولايات المتحدة قد اتخذت أولى خطواتها في قلب الشرق الأوسط من بين حطام الحرب العالمية الثانية وحيث كان الإخوان المسلمين في انتظارها
يؤكد الكاتب أن الولايات المتحدة لم يكن لها دور يذكر في الشرق الأوسط على الرغم من دورها البارز في حسم الحرب العالمية الثانية فعلى المستوى السياسي لم يكن للإدارة الأمريكية إلمام جيد بطبيعة المنطقة بل إن وكالة الاستخبارات الأمريكية بقيت وإلى فترة الخمسينيات مساندة للمخابرات البريطانية لكن توغل الاستخبارات الأمريكية وبحسب العديد من المؤرخين بدأ في العام 1945 مع ذلك اللقاء المشهور بين روزفلت والملك عبدالعزيز آل سعود والذي أعلنت خلاله أمريكا مسؤوليتها في الدفاع عن السعودية، وهي السياسة التي أخذ بها فيما بعد كل الرؤساء الأمريكيين ولتلعب السعودية دورها البارز في مواجهة المد القومي الذي خرج من مصر عبدالناصر وذلك من خلال تبني حركة الإخوان المسلمين وبجهود بعض البارزين في الحركة مثل "سيد رمضان" زوج ابنة حسن البنا الذي كان بمثابة السفير غير الرسمي للإسلاميين
يؤكد "روبرت درايفوس" ومن خلال أمثلة كثيرة أن الإسلام السياسي لم يشكل سداً واقياً في وجه الإلحاد ففي العالم الإسلامي كله كانت الأغلبية المضهدة من قبل أنظمتها تجد ملاذها في الأحزاب الشيوعية اللادينية
يستند "روبرت درايفوس" في حجته على التغلغل الاستخباراتي وأنشطته في منطقة الشرق الأوسط على مثالين فشلت أجهرة المخابرات الأمريكية والبريطانية عن احتوائهما: الأول كان في الحرب الاستخباراتية المنظمة ضد الفكر القومي الذي يمثله "جمال عبدالناصر" والثاني كان في انقلاب "محمد مصدق" في إيران وفي كلا الحالتين لجأت الاستخبارات الأمريكية إلى التيار الديني المتشدد لمواجهتهما ومن سخرية القدر أن القوى الإسلامية الراديكالية التي استخدمتها الاستخبارات الأمريكية لوأد حركة "مصدق" في العام 1953 هي القوى نفسها التي دعمتها الاستخبارات نفسها في العام 1979 للإطاحة بعرش الشاه بل إن "الخميني" نفسه ساهم في تنظيم الصفوف لدعم الشاه ضد "محمد مصدق" يستعرض "روبرت درايفوس" وبإسهاب دور المملكة العربية السعودية في دعم حركة الإخوان المسلمين والذي بدأ بالدعم المالي فقط إلى أن تحول فيما بعد وبالتحديد بعد عام 1954 لتصبح المملكة محطة انطلاق رئيسية لجميع أنشطة الإخوان ومع ذلك فإن السعودية لم تكن تخفي قلقها من تنامي الحركة والتي أصبحت حليفاً وخطراً في آن واحد على الكيان السعودي مما اضطر السعودية إلى اتخاذ بعض الإجراءات الوقائية إلا أن الحركة استمرت في نشاطها وبشكل سري بحت ويرى "درايفوس" أن مناخ المملكة المحافظ ومؤسساتها التعليمية الدينية أهلتها لأن تكون الراعية للعديد من الأنشطة الإسلامية كهيئة العالم الإسلامي لكن "درايفوس" يعد هنا على أن الدور الأهم للسعودية في مرحلة الخمسينيات والستينيات قد كان في تشكيلها وبدعم مباشر من الولايات المتحدة لجبهة في مواجهة المد القومي الناصري الآخذ في التنامي وهي الواجهة التي وصلت أوجها في حرب اليمن
ثم تأتي حقبة "أنور السادات" التي أعادت الإخوان المسلمين إلى مصر تلك العودة التي تمت بمباركة الاستخبارات السعودية والولايات المتحدة لكن "السادات" وبهذه الخطوة يكون قد فتح "صندوق باندورا" أو الصندوق الذي ستنطلق منه كل الشرور فالحضور الإسلامي في الشارع المصري كان كثيفاً بشكل لافت للنظر والسعودية وبفضل جهود "كمال أدهم" رئيس الاستخبارات السعودية أصبحت على وئام مع مصر بعد غياب عبدالناصر وبفضل سياسة السادات الجديدة التي كانت تسعى لتحجيم مسؤولي الحقبة الناصرية في مقابل تقريب الإسلاميين والإخوان ثم كانت حرب أكتوبر التي عززت العلاقة المصرية الأمريكية ومهدت لاتفاقيات فك الاشتباك، وأيضاً خلقت صورة جديدة للعلاقة المصرية السعودية خاصة في ظل الموقف السعودي إبان حرب 1973 وخطر النفط ولم تخل تلك العلاقة من ملامح اقتصادية ظهرت في ترحيب الإخوان المسلمين في مصر بسياسة السادات الانفتاحية وبداية حقبة البنوك الإسلامية التي دشنها في مصر بنك فيصل الإسلامي في العام 1976 وهو البنك الذي حظا بدعم غير مسبوق من الحكومة المصرية وقد كان من مؤسسة "القرضاوي" الناشط في حركة الاخوان المسلمين، و"يوسف ندا" العضو في الحركة إبان الحقبة الناصرية
يخصص "روبرت درايفوس" فصلاً كاملاً يستعرض فيه نشأة الاقتصادي الإسلامي في المنطقة ويبين أثر هذا الاقتصاد على المناخ السياسي بشكل عام وحجم الدعم الذي تلقاه من هيئات وبنوك عالمية مثل "سيتي بانك" الذي كان أول بنك غربي يدشن نافذة إسلامية، وقد ساعد على ذلك كون الإسلام دين رأسمالي في أساسه، يؤمن بالاقتصاد الحر والمفتوح، ثم يتوقف "درايفوس" طويلاً عند بيت التمويل الكويتي، حيث يستخدمه هنا كمثال على حجم النفوذ السياسي الذي أصبحت عليه مؤسسات المال الإسلامية وكيف كان لبيت التمويل الكويتي الحظوة سياسياً واقتصادياً منذ بداية التعاون الحكومي الإسلامي في الكويت مع مطلع السبعينيات
ولم تقتصر العلاقة الحميمة مع الإسلاميين على حكومات المنطقة فقط بل لقد نال الإسلام السياسي وبالتحديد الإخوان المسلمين رضا وقبول العدو فقد شهدت السبعينيات وإلى الثمانينيات جهودا حثيثة من قبل إسرائيل والأردن لدعم جماعات الإخوان خاصة في سورية وفلسطين حتى أن بعض المحللين يرون أن إسرائيل هي التي خلقت "حماس" بهدف ضرب جبهة التحرير الفلسطينية لكن العلاقة الإسرائيلية مع الإسلام السياسي اتخذت طابعها الرسمي بعد العام 1977 وبالتحديد حين أعطت حكومة "بيفن" في العام 1978 تصريحاً "لأحمد ياسين" ببدء نشاطه السياسي الإسلامي لتكر السبحه فيما بعد وتبدأ السعودية دعمها المالي لأحمد ياسين وجماعته في محاولة لمواجهة جبهة التحرير العلمانية ويصبح لجماعة الإخوان المسلمين نفوذاً جباراً مكنهم من تهديد أشهر الحكومات العربية علمانية وهي سوريا البعثية التي واجهت في العام 1979 سلسلة من التفجيرات والاغتيالات على يد جماعة الإخوان المسلمين وذلك قبل أن يقتص منهم الرئيس السوري في أحداث "حماة" الشهيرة
ثم تأتي الثورة الإيرانية لتكشف عن حجم الجهل الأمريكي والتقصير الاستخباراتي الذي أخفق في أن يفهم أبعاد ثورة الخميني فبينما تجاهل فريق كسينجر المسؤول عن وضع الإستراتيجية الأمريكية في إيران وجود الخميني كان كل هم إدارة الرئيس كارتر مسألة التسلح الإيراني فقط وعلى الرغم من أن هنالك آلاف من المواطنين الأمريكيين والمسؤولين المتواجدين في إيران، إلا أنهم جميعاً كان يجهلون تركيبة المجتمع الإيراني والمعارضة الدينية التي تنشط في الخفاء في بداية الثورة الإيرانية، حاولت الولايات المتحدة أن تخلق حواراً مع إيران الخميني، وأن تغير من صورتها كشيطان أكبر، إلا أن الشجب الأمريكي الرسمي لآية الله الخميني في العام 1979، قطع كل السبل ولتغيير الثورة فيما بعد كل التضاريس السياسية، ليس بالنسبة لأمريكا وحسب، وإنما كذلك لروسيا التي كان الاستقرار في إيران يشكل عنصراً هاماً في استقرار أقاليمها الشاسعة وليتسرب الذعر من إرهاصات الثورة إلى كافة دول المنطقة ولتبدأ فيما بعد حروب أمريكا في الاتجاه الآخر أي دون حليفها القديم، الإسلام السياسي
أول تلك الحروب كانت حرب أفغانستان التي كلفت الإدارة الأمريكية أكثر من ثلاثة بلايين دولار، ومع هذه الحرب اقتحمت مفردة "الجهاد" ولأول مرة كل شيء متعلق بهذه الحرب
في العام 1979، تحولت نظرية استخدام الإسلام لإضعاف الإتحاد السوفييتي إلى تطبيق وذلك حين بدأت الولايات المتحدة، وباكستان، والمملكة السعودية رسمياً حربا جهادية هددت حكومة كابول، ودفعت الاتحاد السوفييتي لغزو أفغانستان وبدأت مرحلة جديدة وعلاقة أقوى بين باكستان والأفغان المسلمين
ويستمر الدعم الأمريكي للمجاهدين في حقبة "ريفان" على الرغم من المؤشرات الواضحة على مدى خطورته وتستمر الدول الإسلامية في تغذية تلك الحرب بالمجاهدين لكن المعضلة الحقيقية بدأت حين انسحب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان وبقي الفكر الجهادي والمجاهدين في مواجهة الفراغ، خاصة وأن الولايات المتحدة لم تكن لديها خطة عودة في البداية لم يكن الأمر مقلقاً بالنسبة للمسؤولين الأمريكيين الذين لم يترددوا في الاعتراف بدعمهم وتعاونهم مع الإسلاميين المتشددين وهنا يرى "درايفوس" أن الوضع كان بإمكانه أن يكون أسوأ بكثير لو أن مبادرات ريغن السرية مع إيران قد حالفها النجاح
يختم "روبرت درايفوس" كتابه بطرح عدة تساؤلات حول الوضع الراهن يبدأها بقوله إذا ماكانت الحرب الباردة التي انتهت في العام 1991 هي حرب عالمية ثالثة فهل يعني ذلك أن الولايات المتحدة قد أصبحت الآن على شفا حرب رابعة في مواجهة الإسلام؟ وهل يعني ذلك أن الإسلام هو الشيوعية الجديدة؟ ومامدى جدية الخطر الذي يشكله الإسلام؟ وأيضاً سؤال حول كيفية تحول العلاقة بين الولايات المتحدة والإسلام السياسي بعد نهاية الحرب الباردة؟
تساؤلات كثيرة لاتزال بالنسبة "لروبرت درايفوس" بانتظار الإجابة لكن الإجابة التي يدركها "درايفوس" أن صراع الحضارات والحرب على الإرهاب، وحملة بوش لإعادة رسم الشرق الأوسط كلها مليئة بالتناقضات، والأكاذيب فعلى مدى ستين عاماً، أي منذ بدأت الولايات المتحدة أولى خطواتها في المنطقة، كانت الولايات المتحدة حليفاً مباشراً للإسلاميين لضرب اليسار، والاشتراكية العربية الآن وبعد كل هذه السنوات، تعود الولايات المتحدة للتفكير في التحالف مع المتشددين الشيعة في العراق، لعلها ترمم بعضاً من سياستها الفاشلة في المنطقة