عويل فحسب !
المحرر السياسي لصحيفة الثوري
لا أتعس من عويل المنهزم العائد من معركة خاسرة مذمومة حين يظهر على هيئة مقالة انفعالية ظنية تغامر في قراءة ما حدث وتلقي باللائمة في خيبة صاحبها على قوى ترفض فكرة الحروب الداخلية في الأساس.
هذا العويل الذي يريد أصحابه إلباسه ثوب السياسة وتفسير الأحداث الكبيرة من منظوره بقدر ما هو تفسير سطحي واتهامي فهو أيضاً تحشيد لكرًة جديدة في الحرب التي يدعو إليها فريق محترف في فنون الاسترزاق والإثراء من الحروب الداخلية.
وكان من ضمن جهود هذا الفريق المحترف في دق طبول الحرب والانغماس في دماء ضحاياها وهو يكرس منابره الإعلامية لهذه المهمة القذرة أن أشاد صلة مختلقة لقوى اليسار بتلك الحرب المؤلمة التي تكاد تضع أوزارها في عمران ورسم صورة وهمية للاشتراكي في دور المتشفي بشركائه السياسيين.
لعل هؤلاء المنكودين يعلمون أن الحزب الاشتراكي اليمني الذي يعرضون به ويصبون عليه جام غضبهم ظل يدعو طيلة أسابيع الحرب إلى لقاءات وطنية لتدارس وقفها واتخاذ موقف حازم بشأنها في الوقت الذي كانت منابرهم تذكي الحرب وتبرر لها من منطلقات غير وطنية.
أما الاشتراكي فموقفه مشهود وثابت حيال الحروب الداخلية التي يرفضها مبدئياً وعلى نحو مطلق، إذ أنه لا يميز الحروب الأهلية إلى حروب خيرة مقدسة وأخرى شريرة محرمة كما هو دأب الذين يشنعون بموقفه اليوم منذ هللوا لأسوأ حرب هزت البناء الوطني في 1994.
بعد أن شهد العقد الماضي بروز فكرة "من ليس معي فهو ضدي" العمياء على المستوى الدولي خلال بدء الحرب على الإرهاب, يستنسخ متعهدو الحروب الأهلية هذه الفكرة في رؤيتهم للمشهد المحلي المحترب فتغدو القوى التي لا تشاركهم حروبهم العابثة في خانة الأعداء أو المتربصين والمتشفين في أحسن الأحوال.
وضمن هذا المنطق المائل، يريدون أن يزحزحوا حزبنا عن موقفه المبدئي، غير المعروض للمساومة، بشأن رفضه للحروب الداخلية مهما كانت مبرراتها. ولو أنه كان أومأ إيماءة استحسان فقط لحروبهم المدمرة والجاهلية لكانت ترانيم المديح هي ما ينهال عليه الآن بدلاً من حملات القدح والتشنيع.
على أن كل أطراف الحروب المشتعلة في الجوف وعمران ودونهما من محافظات أخرى هي أطراف آثمة بحق الوطن وأمنه، مهما بدا لأي منها أن الحق في صفه، ذلك أنها بالمقياس الوطني والمدني تحارب تحت رايات عصبوية توغل في هدم مبدأ المواطنة لتشيد حجماً جديداً للوطن مقاسه المذهب أو الجماعة أو القبيلة.
ومن المهم هنا تأكيد أن الإجراءات الميدانية التي قد تكفل عدم تجدد القتال في عمران ومديريات صنعاء، مع أهميتها، لن تغني عن خطة وطنية شاملة تعالج عوامل النزاع كافة وتضع حداً للحروب، الأمر الذي يعني أن التقاء القوى الوطنية لحسم هذه القضية يظل مطلباً حيوياً وملحاً.
وما يزال ثابتاً أيضاً أن تمثل القوى المحتربة لمسؤولياتها وتقويم حساباتها وأدوارها بروية أجدى وأعلى شأناً من الانتحاب المصحوب بكل ذاك القدر من الهذيان.