أزمة الوقود .. هل هو الاصلاح ام هو المؤتمر ؟
ازمة خانقة في المشتقات النفطية تخنق المواطنين في كل محافظات الجمهورية , وهي هذه المرة بحدّة لم تعرفها البلد من قبل حتى في فترة الاحداث التي شهدتها البلد في العام 2011م .
معاناه كبيره تتسبب فيها هذه الازمة للمواطنين ولا حاجه للحديث فيها فالجميع يحسها , والجميع يعرف ماذا يعني ان من يعتمدون على وسائل النقل لدخل يومي يمكنهم من إعالة انفسهم واسرهم لا يجدون الوقود الذي يحركون به مركباتهم " ليطلبوا الله ويحصلوا قوت يومهم " .
السؤال الهام الذي يحتاج الى اجابة لتحميل مسئولية هذه المعاناة بصورة سليمة وبعيدا عن تمييع القضية وتبادل التهم حولها جزافا , هو من هم الذي يتحكمون في ملف الوقود والقادرين على التصرف الفعلي فيه ؟ .
شكلا المسئول واضح , وهو الدولة والحكومة و الوزارات المعنية ويمكن ادراج الاحزاب الممثلة في الحكومة وهكذا , ولا شك ان هذا الشكل للمسئولية هو المفترض قيامة شكلا وفعلا , ولكن في اوضاع البلد الحالية يكون الانطلاق من هذا المفترض هو نوع من تمييع القضية وتتويه للمسئولية , واتاحة الفرصة لمن يتحملونها فعليا بالهروب منها بتبادل التهم وتحويل المشكلة من مشكلة فعليه يعاني منها المواطنين الى مشكلة سياسية ومادة اعلامية لا اكثر , وبالطبع فالتعرض لهذا من هذا المنطلق لا يمثل اي اسهام في ايجاد الحلول لها , بل على العكس يضيف زيادة في المرونة امام من يقفون وراء هذه الازمات لاستثمارها في خصوماتهم السياسية والنفوذية .
نعرف جميعا ان ملف استثمار الثروات كافة والنفطية منها على وجه الخصوص هي ملفات تكوّنت في ضل انسجام قوى النفوذ المختلفة في البلد قبل احداث2011م , وهي ملفات كونوها خارج الاوعية الرسمية والمفترضة لها كوزارة النفط والهيئات والمؤسسات التابعة لها والمختصة قانونا بإدارة هذه الملفات مثلا , ولا تمثل الاوعية الرسمية هذه سوى شاهد زور او " شاهد ما شفش حاجة " في هذه الملفات , و هي ذاتها لا تدري عن طبيعة هذه الملفات شيء ولا تتحكم في ادارتها في كثير .
حتى الان لازال وضع ملف الثروة النفطية يراوح مكانه من الغموض ومن السيطرة عليه - معلومة وادارة - من قبل ذات قوى النفوذ رغم اختلافها الظاهر للمجتمع , وهذه القوى هي التي بيدها حقيقة وطبيعة عقود استخراجه واستثماره , وعقود وشركات بيعه و نقله , ونظام وعقود ومواقع توزيعه وحصصه وتخزينه .
تبادل التهم والعمل على التفاني للتبرئة منها والصاقها بالأخر من المسئولين المفترضين هو ما يجب ان نتوقف عنه , لأننا بذلك ندعم موقف من يعبثون بحياتنا او بالأصح نحقق لهم ما يريدونه من الضغط على بعضهم وعلى الدولة عن طريق اتعابنا وارهاقنا وتعييشنا في الازمات المختلفة , ولنتحول بدورنا الى اداتهم للضغط لتحقيق مكاسب سياسية او نفوذية او تصفية حسابات فيما بينهم .
لا الاصلاح سبب هذه الازمة في المشتقات النفطية كما يروج البعض ولا المؤتمر ولا الحكومة ولا الدولة ولا .. ولا .. ولا .. , وبالطبع هذا لا يعفي هولاء من تحمل قدر من المسئولية عنها , و لكن من يجب ان تتوجه لهم اصابع الاتهام وتوجيه ضغط المجتمع عليهم هم قوى النفوذ التي تسيطر وتتحكم فعليا في ملف النفط لأنها هي السبب الاول والمباشر في ازمات المشتقات النفطية المتلاحقة .
قوى النفوذ المختلفة التي في طرف ما يسمى بالنظام السابق او تلك المنقلبة الى طرف الثورة هي من بيدها كل عقود ونظم واتفاقيات وبنّية ومعلومات وتحكم ملف المشتقات النفطية , وهي من تتحمل مباشرة مسئولية المعناة التي نعيشها نتيجة ارباكها المتكرر لحركة الوقود فيما بين الانتاج وبيننا في رحلة طويلة من العبث والتمصلح و التخفي هي من يتحكم بكل تفاصيلها .
وتفهما للوضع الحالي للبلد ولمستوى النفوذ في الدولة ولتركيبة الحكومة والدولة ككل في المرحلة الحالية يكون " غريم " المواطنين هي قوى النفوذ المسيطرة على ملف النفط وليس غيرها , وان كان ولابد وهناك من يفضل التمسك بالمسئولية الشكلية والمفترضة فلا يجب ان توجه اصابع الاتهام لهذه الاوعية المفترضة باعتبارها من يخلق الازمة ولكن باعتبارها متخلية عن وظيفتها وعن مسئوليها , ومع صب اغلب الضغط المجتمعي على قوى النفوذ العابثة تلك و تحميلها مسئولية معاناة الناس دون التمييز بينها .
قوى النفوذ هي المسئول الحقيقي عن ازمات المشتقات النفطية المختلفة , وبشكل مباشر او بشكل غير مباشر عن طريق وضع " الارجوزات " في مواقع المسئولية في الحكومة والدولة , ولا يجب ان نتركها ونتحول لتبادل التهم فيما بيننا اوالى توجيهها " للارجوزات " وترك قوى النفوذ وهي الفاعل الحقيقي متدثرا بغطائه الذي صنعه عن وعي وعمد لكي لا نقول له انت الفاعل وانت المسئول وانت " غريمنا " .
عبدالوهاب الشرفي