الكرت رقم 2 : هادي في طريق سلفه
المعلومة الدقيقة والرؤية الكاملة للمشهد هي ما تمكن أي رئيس أو مسؤول تنفيذي من اتخاذ القرار المناسب في اللحظة المناسبة, وعند نقص المعلومات أو حجبها بشكل متعمد أو اعطاء معلومات مضللة تحدث الكوارث.
لا أدري لماذا أراهن كثيراً على الرئيس هادي, ودائماً ما أسمع صوت من أعماقي يجعلني أتأمل فيه خيراً, فقد حصلت الكثير من الأحداث والتجاوزات منذ توليه مقاليد السلطة قبل عام تقريباً, وكنا نجتهد لنجد له بعض الأعذار, لكن ما حدث في عدن يوم الخميس 21/2/2013م أوصلنا الى مرحلة قريبة من اليأس منه ومن اصلاحاته.
لا أبالغ إن قلت أن ما حدث في الخميس الأسود كان جريمة مع سبق الاصرار والترصد, ولم يكن نتاجاً لتفاعل أحداث سياسية أو أمنية مفاجئة, فاللجنة الأمنية في محافظة عدن التي يرأسها وحيد رشيد كانت على علم مسبق بحساسية الوضع والتوتر الشديد الذي وصل اليه, والأمين العام للتجمع اليمني للإصلاح قال لزملائه الجنوبيين في لجنة الحوار "عدن مش حقكم", والكل كان يتوقع النتيجة, بل ان المواطن البسيط كان يعرف ما سيحدث.
ما سبق يدفعنا للتساؤل أين الرئيس هادي من ما حدث؟ ولماذا لم يتدخل في الوقت المناسب؟ ولماذا اختار الاصلاح ذكرى الاستفتاء عليه؟ مع أنهم كانوا سينظمون الفعالية في ذكرى انطلاق الثورة الشبابية.
عندما ننظر الى المشهد من بعيد تتضح لنا الصورة أكثر, فقد كان عند الاصلاح تصور واضح لما سيحصل اذا احتفلوا بذكرى انطلاق الثورة, لذلك اجلوا فعاليتهم الى ذلك التاريخ تحديداً ليكون هادي في الواجهة, من ناحية أخرى لا أعتقد أن هادي كان يتوقع تلك النتائج, اما لنقص المعلومات لديه أو أنه خضع لتضليل من المقربين منه المحسوبين على تيار الاخوان, أو أن صراع "الطغمة والزمرة" كان حاضرا في ذهنه فحجب عنه الرؤية, وكل ذلك لا يعفيه من المسؤولية أبداً.
تمكن إخوان اليمن خلال العقود الماضية من السيطرة على الرئيس السابق صالح, وجعلوه كرتاً بأيديهم كما قال محمد اليدومي في مقابلته مع قناة الجزيرة, في الوقت الذي كان يتصور أنهم كرتاً بيده, لكنه نسي أنهم جماعة منظمة لديها فكر سياسي وديني, بينما هو لم يكن يحمل مشروعاً سوى مشروع التوريث, وبالتالي فقد أثبتت الأيام أنه هو الكرت, فغالباً الأشخاص يرحلون والجماعات هي التي تبقى.
من هنا نخاف أن يتحول الرئيس هادي الى الكرت رقم 2 في سلسلة الكروت التي سيحرقها الإخوان للوصول الى رأس السلطة, فهم يقدمون له نفس المغريات التي كانت تقدم لسلفه عبر ايهامه أن تصرفاتهم تصب في صالحه وتمهد الطريق للتجديد له, مكررين سيناريو انتخابات عام 1999م واعلانهم وقتها وعبر اليدومي أن صالح هو رجل المرحلة, وعندما قضوا حاجتهم منه رموا به وحملوه وزر كل ما جرى في تلك المرحلة بل وأظهروا أنفسهم ثوريين.
على الرئيس أن يقرأ المشهد جيداً وأن لا يتورط في تحالفه مع الاخوان ومراكز القوى التقليدية الى الدرجة التي يصعب فيها تراجعه, وأن يعرف أن الصور التي رفعوها له في ذكرى توليه السلطة كان أغلبها على المدرعات والأطقم التي قتلت المتظاهرين ليترسخ في أذهان الجنوبيين أن هادي هو القاتل.
لا يكفي تغيير مدير الأمن في عدن, فالجميع يعرف أنه الحلقة الأضعف وأن غيره من أدار العملية بتوجيهات من صنعاء, وان المحافظ كان رأس الفتنة والمسؤول المباشر عن الأحداث, وأن ناصر منصور مسئول الأمن السياسي وعبد الحافظ السقاف قائد الأمن المركزي كانا ذراعي القمع.
الرئيس بحاجة أكثر من أي وقت مضى أن يغير في طاقمه الاستشاري والأمني المتخصص في نقل المعلومات اليه, فقد أثبت هذا الطاقم فشله في توقع ما جرى أو أنه أخفى عن الرئيس الحقيقة وساهم في تظليله, فالتغيير سيمكن الرئيس من النظر الى المشهد بشكل أوضح بعيداً عن أجندات بعض مراكز القوى التقليدية التي كانت محيطة بالرئيس السابق صالح لأكثر من ثلاثة عقود, فلا يعقل أن يسير هادي في طريق سلفه وقد كان شاهداً على نهايته.