العلاقات اليمنية الإيرانية "خدام خدام الجرافي"
تشكل دعوة وزير الخارجية السعودي لنظيرة الإيراني لزيارة الرياض نقطة تحول جوهرية في العلاقات بين الدولتين, هذا التحول هو احدى الهزات الارتدادية للاتفاق الذي ابرم مؤخراً بين مجموعة الدول الست وايران والمتعلق بالملف النووي الإيراني, والذي أدى الى اقرار غربي بحق ايران في امتلاك تكنولوجيا انتاج الطاقة النووية والأبحاث العلمية المرتبطة بها, وستتمكن ايران بموجب الاتفاق من انتاج الطاقة الكهربائية عبر المفاعلات النووية وتكون دورة الإنتاج كاملة في ايران دون الحاجة الى أي دولة أخرى, مقابل تمكين مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تفتيش دوري للمنشئات النووية الإيرانية بما يضمن عدم تحول البرنامج النووي السلمي الى الأغراض العسكرية, إضافة الى رفع جزئي للعقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران بما يمهد الى اتفاق نهائي خلال الستة اشهر الحالية يفضي الى رفع كامل للعقوبات.
****
الاتفاق أدى الى انفراج على الصعيد السياسي بين الغرب وايران, وذلك ما أزعج بعض دول الخليج بادئ الأمر, لكن الموقف السعودي الأخير يثبت أن السعودية استوعبت الدرس جيداً وعرفت أن لا فائدة من مواصلة العداء لإيران, وأن الغرب وبالأخص واشنطن تستخدم العرب في معاركها الخاصة وفي الأخير تتفق مع ايران دون حتى تشاور مع الدول التي تعتبر حليفة لها, من هنا بدأت السعودية رحلة التقارب مع ايران, على اعتبار انها قوة إقليمية لها حضور ومصالح في المنطقة, وان اتفاق معها أصبح حتمياً.
****
وبالنظر الى العلاقات اليمنية الإيرانية فانه ينطبق علينا المثل المحلي القائل: "خدام خدام الجرافي", فسياستنا رهينة بالموقف السعودي والاماراتي من ايران, والذي هو اساساً مرهون بالموقف الأمريكي, وسنستمر في معاداتنا لإيران بعد كل تلك التحولات, حتى تتفاوض السعودية مع ايران ونكون نحن ضمن الصفقة كدولة تابعة للرياض.
****
كنت قبل عامين تقريباً في زيارة لإيران –لحضور فعالية- والتقيت مع بعض المسؤولين في الخارجية الإيرانية الذين تحدثوا معي بصفتي كاتب وناشط سياسي يمني, وكأن ابرز ما طرحه وكيل وزارة الخارجية الإيرانية لشؤون الخليج الفارسي هو أنه تساءل قائلاً: لماذا تتعامل حكومتكم معنا بتلك الطريقة؟ هل تعلمون أن علاقاتنا مع دول الخليج بما فيها الامارات والسعودية أفضل بكثير من علاقاتنا باليمن؟ هل تعلمون أن تبادلنا التجاري مع امارة دبي وحدها بالمليارات سنوياً؟.
****
وأضاف قائلاً: سياسة حكومتكم تجعلكم ملكيين أكثر من الملك, على الأقل يمكن ان تكون علاقتنا باليمن مثلها مثل علاقتنا بالإمارات أو السعودية, فلا يمكن أن تكونوا مطالبين بأكثر من هذا, وأرف قائلاً بحسرة: كانت علاقة ايران بالعرب أيام حكم الشاه جيدة جداً مع أن نظامه لم يكن يقدر العرب أو يحترمهم, وكانت هناك علاقات دبلوماسية على مستوى سفارات بيننا وبين اسرائيل, وتبادل اقتصادي وتحالف سياسي علني ضد العرب, وكانت ايران وقت الشاة شيعية وفارسية, ولم يكن يثير العرب تلك المشكلات معنا, وبعد تغير النظام في ايران غير الامام الخميني السياسة الإيرانية تجاه العرب وإسرائيل بشكل كامل, حيث تم اغلاق السفارة الإسرائيلية واستبدالها بسفارة فلسطينية, ورفرف العلم الفلسطيني بدلاً من العلم الإسرائيلي, واعلن النظام دعمه الكامل للعرب في قضاياهم مع إسرائيل, وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي نعتبرها قضية إسلامية وانسانية بدرجة أولى.
****
وقال وكيل وزارة الخارجية الإيرانية: عندما أصبحنا معكم وضد إسرائيل غيرتم سياستكم تجاهنا, ودُفع صدام الى حرب معنا, ودعمت الدول العربية تلك الحرب مالياً وبشرياً وارسلت اليمن –وغيرها من الدول العربية- الوية عسكرية للقتال ضدنا, وبدأتم تثيرون مسألة "ايران الشيعية الفارسية" وكأنها مسألة طرأت بعد الثورة ووصول الامام الخميني الى السلطة, وانخرطتم في الأجندة الغربية بشكل كامل التي تسعى الى الفتنة بين المسلمين مستغلة التعدد المذهبي الذي لم يكن إشكالية عندما كان النظام في ايران حليفاً للغرب.
****
وعرفت من مسؤولين آخرين أن ايران حاولت تقديم مساعدات لليمن في عدة مجالات وعلى رأسها الطاقة الكهربائية, والبنية التحتية, كما عرضت تنفيذ عدة استثمارات في اليمن, وزيادة التبادل التجاري بما يخدم مصلحة البلدين, لكن بائت كل تلك المحاولات بالفشل, بل ان النظام الجديد –بعد احداث 2011م- استمر في نهج سياسة النظام السابق الذي اغلق حتى المركز والمستشفى الإيراني بصنعاء واللذان كانا يقدمان خدمات طبية راقية على يد أخصائيين عالميين وبأسعار رمزية.
****
لم أجد ما اجيب به على كلامهم سوى أني قلت أننا في مرحلة تحول في اليمن, وبمجرد استقرار النظام بالتأكيد فانه سيراجع سياسته تجاه ايران, وقلت لهم ان هناك اتهامات توجه لإيران بانها تتدخل في اليمن بشكل يضر المصالح اليمنية, واجابني أحد المسؤولين أن تلك الاتهامات لا أساس لها من الصحة واننا مستعدون لمناقشتها والبحث فيها عبر لجان مشتركة.
****
أعتقد أنه بات من اللازم ان تتغير سياستنا تجاه ايران, فلا يصح ان ننتظر حتى نكون ضمن صفقة سعودية إيرانية وشيكة وكأننا احدى المناطق التابعة للمملكة, ولا أطالب بأن تتجاوز علاقتنا بإيران سقف العلاقات بين ايران والامارات أو السعودية, فقد ذهلت من حجم التبادل التجاري بينم, مع كل الإشكالات بينهم وعلى رأسها ادعاء الإمارات بأن ايران تحتل جزر تابعة لها في الخليج.
****
لسنا مطالبين ان نكون ملكيين أكثر من الملك, وان نكون تابعين بهذا الشكل المهين والمخزي للسعودية ودول الخليج, ولا أطالب بسقف اعلى من العلاقة الخليجية بايران, فذلك قد يكون صعباً على السلطة في اليمن, لكن من غير المقبول أن نستمر في تطبيق المثل القائل "خدام خدام الجرافي".
****
لا مانع من الاستفادة من الدعم الإيراني في مجال الطاقة الكهربائية, وفي المجالات الأخرى, ذلك سيدفع دول أخرى الى منافسة ايران في تقديم دعم لليمن حتى لا تترك المجال مفتوحاً لإيران لوحدها لتكسب حب واحترام المواطنين في اليمن, يجب أن نخلق جواً من المنافسة الإيجابية, وان لا نكون ضمن أحد محاور الصراع في المنطقة, فمن الخطأ أن نضع كل بيضنا في سلة واحدة.