المشافي الحكومية قتل بلا رقيب
عندما تتكافأ القوى السياسية في اليمن؛ يكون الشعب بمثابة قرابين يتقرب بهم بعد الصعود على كاهله، وتصبح الولاية والمناصب مغنما لا مغرما، والعجيب في الامر هو أن السعي الحثيث للوصول الى السلطة هو ديدن كل القوى والمتميز منهم هو من يسيطر على سدة الحكم، والجميع يرفع شعار التغيير نحو الأفضل.
لكنهم في الوقت ذاته وباتفاق الجميع لم يقدموا شيء يشهد بوطنيتهم ولم يخطوا خطوة نحو التغيير للأفضل، فيقومون باختلاق الصرعات، كما هي سياسة من قبلهم، ويتغافلون جميعاً عن أمر إذا نظرت إليه يرتد طرفك خاسئاً وهو حسير؛ أنه الصورة الانعكاسية والمعبرة بحق عن الشعب اليمني كم مسحوق ومحروم حتى من أدنى حقوقه.
لن أتحدث عن الانفلات الأمني واستباحة الدماء بشبه تهمه، أو بدون تهمة، ولن نتحدث عن دفن السيادة ولا عن الاختناق الذي يعاني من المواطنون بسب انعدام المشتقات النفطية ولا عن الانقطاع المتكرر والمستمر للكهرباء ولاعن غلاء المعيشة.
حديثي عن الصحة والمستشفيات الحكومية، مهنة الطب تسمى بالعالم كله مهنة الملائكة لما تحمله من معاني الرحمة والانسانية في تقديم الخدمات للناس كنا نسمع عن تدهور الرعاية الطبية وكثرة الاخطاء فنغض الطرف ظنا منا أن هذا يدخل في إطار المزايدات السياسية؛ لكن عندما ذهبت الى مستشفى الثورة العام بصنعاء لوعكة صحية مؤملا بالعلاج فيه فتبين لي صدق المقولة المشهورة التي تقول (وما راءٍ كمن سمعا)؛ حيث شاهدت هناك حالات البؤس والشقاء رأيت وجوه بريئة اغتيلت فرحتها ودفنت بسماتها في سبل البحث عن حبة دواء.
شاهدت شيوخ كبار قد رقت أجسادهم واحدودبت ظهورهم يمشون في الطواريد والصالات خلف من يمسك ملف المعاملات فلا يجدون منه حتى ليونة في الكلام، ورأيت هناك من تـَشخُب أوداجه دماً وتزهق روحه قبل أن يجد له كرسيا يُمرض عليه.
شاهدت رجال ونساء قد تقتات الشمس من أجسادهم وسئموا الجلوس على كراسي الانتظار ولم تفتح لهم الأبواب وشاهدت معاملة رعناء من مراهقين يعملون في المستشفى في حق شيوخ كبار، وشاهدت من يرفع على صدره صورة لشخص أو شعار لجهة ما يدل على وجود من يعمل إطارات حزبية مقيتة لا يناسب رفعها في مثل ذلك المكان لان الناس فيه بحاجة للشعور بمن يأخذ باديهم ويرتقي بهم في سلم العافية ويعينهم على تخطي عقبة ثمن الدواء.
وشاهدت كم هي الاستهانة بالأرواح البشرية ورخص قيمتها عندما تنحدر الإنسانية الى دركات الانحطاط.
واذا استطاع المريض أن يتجاوز ذلك الازدحام فثم الفرحة الكبرى وليتها تستمر فسرعان ما يدخل الى الطبيب ليجده مشغولاً جدا إما باتصال أو بغيره من الامور وبعد الانتهاء من مشاغله يقوم بتحويل المريض مباشرة الى عيادته الخارجية أو الى مختص أخر ليصل إليه المريض وقد انتهى الدوام وهكذا يتم اغتيال الأرواح بين طواريد المستشفيات الحكومية.
أدركت هناك أن الفرق بينهم وبين ما تفعله جماعات العنف والمسلحة من قتل للأنفس هو فقط الرضى حيث يقتل المريض على سريره الأبيض بعد اخذ الموافقة منه وهناك أيضا فرق أخر وهو تعامل وسائل الإعلام مع هذه الجريمة مع أنها واحدة مفادها القضاء على الإنسانية والجنوح بها نحو حياة الغاب.
بعد كل هذه المأساة والمعانات التي يعشها المرضى وجدت نفس مضطراً للخروج والبحث عن مستشفى خاص على أجد فيه خدمات تليق بالإنسان كانسان كرمه الله عز وجل فخرجت وانا في نفسي أردد الكثير من الأسئلة.
الذين لا يملكون أموالاً للذهاب الي المستشفيات الخاصة أين سيذهبون ؟ وهل سيتم استيعاب المواطنين في حال عدم وجود مشافي خاصة ؟ والسؤال الذي يحز في النفس هو ماذا أضافة الحكومات المتتابعة منذ قيام ثورة سبتمبر 1962م الى اليوم في الجانب الصحي ؟ وهل المشافي الموجودة اليوم تواكب الإنفجار السكاني الهائل أم أن هناك جيل لا يستحق مثل هذه الخدمات ؟
و من المسؤول في هذا البلد الذي يموت فيه الكثير من أبناءه بسب عدم الرعاية الصحية لترفع اليه الشكوى؟ إذا كيف نريد من شعبنا أن يكون مطواعا وهو يحرم من أدنى حقوقه في الصحة والتعليم و التي صارتا من مقومات الحياة ومن أجلهما ثار على الإمامة وقاتل وناضل ومازال يناضل بما تبقى منه الى اليوم لكنه يقع بكبوة إثر كبوة حتى صرنا نقرأ في عينيه علامات البؤس واضحة جلية.
كل هذا يحدث في بلدى مع قدرتنا على التغلب عليها فقد بعد أن يصير عندنا أمران الإرادة الصادقة والإدارة المخلصة إضافة الى التجرد من العمل الحزبي المقيت والضيق والعمل لمصلحة الوطن لا غير.