الأهداف الاستراتيجية لموسم الاغتيالات
يظهر أن الاغتيالات في اليمن موسمية, وموسمها ليس سنوي, انما يحسب بالعقود, ففي كل عقدين من الزمن تقريباً يمر اليمن بموجة اغتيالات واختطافات واخفاء قسري, ففي السبعينات تم تصفية واخفاء الناصريين والقوميين عموماً, ومع بداية التسعينات وتحديداً في 93م بدأت موجة تصفية اليسار "الحزب الاشتراكي", و مع بداية العام 2013 م بدأ مسلسل التصفيات ضد أنصار الله "الحوثيين".
****
ومع تصفية السياسيين يتم ايضاً تصفية الكثير من العسكريين والأمنيين القريبين من التيار السياسي المستهدف, مع أن الظروف مختلفة قليلاً في موسم الاغتيالات الحالي, حيث يتم تصفية الحوثيين سياسياً, وتصفية الضباط القريبين أو المحسوبين على الرئيس هادي أو الضباط ذوي الكفاءة والسمعة النظيفة والبعيدين عن التيارات السياسية, والسبب في عدم ارتباط تصفية العسكريين بتصفية السياسيين في هذا الموسم تحديداً هو أن الرئيس السابق صالح كان قد فرغ منذ وقت مبكر –أثناء الحروب الست- من إزاحة القادة العسكريين والأمنيين الذين كان من المحتمل تعاطفهم مع الحوثيين ولو كانت الشكوك حيالهم لا تتجاوز 10 %, إضافة الى أن معادلة الحكم تغيرت ولأول مرة منذ ما يقارب الثلاثة عقود.
****
أهم تلك المتغيرات على الاطلاق هو سقوط المناطق المحيطة بصنعاء عملياً بيد الحوثيين –عسكرياً أو سياسياً- وأهم تلك المناطق المربع القبلي لآل الأحمر, والذي كان يمدهم بالسلطة والنفوذ منذ العام 62م, إضافة الى ما افرزته أحداث 2011 م من تغييرات أوصلت الرئيس هادي الى رأس السلطة بصلاحيات محدودة وقتها سرعان ما بدأت تتسع بدعم إقليمي ودولي ومتغيرات محلية واضحة على الأرض أضعفت اللاعبين التقليديين.
****
تلك الأوضاع الجديدة دفعت بعض مراكز القوى –العسكرية والقبلية والدينية- التي حكمت اليمن لعقود الى توسيع قائمة الاغتيالات الموسمية لديها, بحيث لا تقتصر –هذه المرة- على سياسيين وعسكريين محسوبين على تيار سياسي محدد هزمهم عسكرياً في مناطق معينة ويشكل عليهم خطراً مُحدقاً في بقية المناطق, انما امتدت هذه المرة بحيث باتت تشمل كل الكفاءات الوطنية في الجيش والأمن بشكل خاص ومن غير المحسوبين عليهم تحديداً.
****
الهدف من تلك العمليات هو افراغ المؤسسة الأمنية والعسكرية من الكفاءات الوطنية التي كانت مطمورة بل ومدفونة عن عمد لسنوات, لأن صانع القرار تغير, فوجود الرئيس هادي وسعيه الى احداث تغييرات حقيقية داخل المؤسستين العسكرية والأمنية ارعب تلك القوى, فلم تعد سلطة اصدار القرارات بيدها, وان كانت لا تزال تشارك فيها, لكنها لم تعد الفاعل الرئيس, لذا لم تعد تكتفي بإزاحة ذوي الكفاءة جانباً عبر اعطائهم اعمال هامشية أو احالتهم المبكرة للتقاعد, بل عمدت مؤخراً الى تصفيتهم الواحد تلو الآخر وبمعدل ضابط يومياً من خيرة ضباط هذا البلد المفجوع بالاغتيالات.
****
النتيجة الحتمية لذلك المخطط هي أن الرئيس لن يجد أي كوادر يعينها في أي مناصب قيادية حتى على مستوى قادة كتائب خلال الست السنوات القادمة على الأقل الا من الضباط المحسوبين على تلك المراكز, وبالتالي فقد عوضوا الضعف الذي طرأ على سلطة التعيين لديهم, وضمنوا أن تظل ذراعهم طويلة في تلك المؤسسات الحساسة ولفترة زمنية تمتد لعقد من الزمن على أقل تقدير, على أمل أن تحدث متغيرات محلية أو اقليمية أو دولية تنفخ الحياة فيهم مجدداً.
****
ما سبق هي الأهداف والنتائج المتعلقة باغتيال العسكريين, اما فيما يخص الاغتيالات التي تنفذ ضد المحسوبين على الحوثيين فهي تهدف الى إرهاب المنتمين للحركة وبالأخص داخل صنعاء, للحد من الوتيرة المتسارعة للانتماء لهم, إضافة الى تصفية الكوادر المدنية والأكاديمية في الحركة بحيث لا يبقى ظاهراً فيها الا جناحها العسكري, وذلك بغرض اضعاف حضورها السياسي وتحجيمه وجعلة عاجزاً عن مواكبة التطورات على الأرض وتجييرها سياسياً لصالح الحركة .
****
على الرئيس أن يوقف ذلك المسلسل من الاغتيالات الذي يُنفذ ضد السياسيين والعسكريين وحتى الأجانب, فهو على علم بالجهات التي تقف ورائه, والتي تتقاطع مصالحها مع مجموعات إرهابية هي صنيعة لها ومخترقة منها, إضافة الى أنه يجب أن يتم ايقاف الرواج الحالي في سوق مقاولات الاغتيال, المشابه لمقاولات الاغتيال التي نفذت في التسعينات, وسبب ذلك الراوج هو عدم وجود محاسبة, ولو اُعدم عدد من منفذي تلك الجرائم لتوقف بقية المقاولين, وأرجعوا المقدم "العربون" لتلك المراكز التي لا تزال نافذة.