ظاهرة العولمة الإعلامية بين السلبية والايجابية
في الفترة الماضية من القرن العشرين وبالتحديد في تسعينياته ظهرت العديد من المصطلحات التي كانت تعبر عن ظاهرة معينه و أوجدت ضجة كما كونت حولها رأي عام في الوسط الاجتماعي العالمي ومن أهم تلك الظواهر ظاهرة..العولمة(globalization) التي أجهدت الكثير من المنظرين السياسيين والاقتصاديين بحثاً عن تعريف ٍ شافٍ لها فعرفها البعض على أنها وسيلة لرفع الحواجز الحدودية إمام الشركات والمؤسسات والشبكات الدولية والاقتصادية والإعلامية والثقافية لكي تمارس أنشطتها بوسائلها الخاصة لتحل محل الدولة في ميادين المال الأعمال والإعلام والتكنولوجيا .
ونلاحظ من التعريف السابق انه ركز على الجانب الاستثماري فقط ولم يتطرق لماهية العولمة ومهامها .
وهناك من عرفها على أنها محاولة جادة لربط الأفراد في مختلف المجتمعات ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً وتوحيدهم بما يلبي رغباتهم .
وهذا التعريف نلاحظ انه يروج للعولمة كعملٍ برجماتي ( نفعي) يلبي هدف سامي هو توحيد العالم ويلبي رغبات الجمهور بينما في الحقيقة العولمة لا تلبي إلا رغبات أصحاب رأس المال المسيطرين على مصير هذا العالم اقتصادياً وثقافياً وحتى سياسياً.
وهناك آخرون عرفوا العولمة على أنها تداخل للشؤون الداخلية بالشؤون الخارجية اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً بحيث لا توجد أي فواصل جغرافية تؤطر هذا العمل .
ونلاحظ من التعريف السابق أن هناك تداخل اجتماعي لتسيير الأمور الاقتصادية والثقافية أي أن هناك تنسيق متبادل بينما ما يحدث هو أن العولمة تفرض عادة من أصحاب رأس المال خصوصاً في ما يتعلق بالاقتصاد.
أما العولمة من وجهة نظري البسيطة ما هي إلا عملية تأميمه اقتصاديه اجتماعية ثقافية تخضع لسيطرة أصحاب رأس المال فتحدد رغباتهم الشخصية نفعيتها وإفادتها.
والعولمة كفعلٍ يعني التأميم (التعميم) والتوحيد هو قديم قدم التاريخ حيث نشأة الإمبراطوريات والممالك القديمة وكانت تعمل وفق مبدأ التعميم والتوحيد الاقتصادي والثقافي والديني وحتى الاجتماعي لكن العولمة لم تظهر كمصطلح يعبر عن هذا الفعل إلا في أواخر التسعينات من القرن الفائت .
وقد ظهرت العولمة كظاهرةٍ عالميةٍ بشكلٍ كبير في الآونة الأخيرة نتيجةً لأسباب عديدة أهمها :
1- انهيار الأنظمة الشيوعية الاشتراكية في أواخر التسعينات من القرن الماضي وظهور الأنظمة التي تنتهج الشكل الرأسمالي والمسيطرة حالياً على الاقتصاد وتحاول عولمته بشكلٍ احتكاري ملتوي .
2- وجود طفرة هائلة جداً في العملية الإنتاجية للدول الصناعية الكبرى من ما دفع هذه الدول إلى انتهاج سياسة إنتاجية احتكارية كي تضمن ترويج بضائعها لبعض الدول واعتمادها أسواق استهلاكية للمادة المنتجة.
3- ظهور الطفرة التكنولوجية وتقدم وسائل الإعلام على الصعيد التقني والتي قامت بدور المروج الأول للعولمة بشتى أنواعها (عولمة فكريه –اقتصاديه –اجتماعية) فأدى ذلك إلى ظهور ما يعرف بظاهرة العولمة الإعلامية والتي ستكون محور حديثنا في هذا الموضوع المبسط.
العولمة الإعلامية
هذه الظاهرة الإعلامية ماهي إلا نتيجة للتطور التكنولوجيا في مجال تقنيات الاتصال فأتاحت هذه التقنيات والأنظمةالاتصالية الحديثة الترويج الفعال لظاهرة العولمة .
فماذا نقصد بالعولمة الإعلامية؟
تختلف التعاريف الخاصة بظاهرة العولمة الإعلامية وتتباين فيما بينها نتيجة لاختلاف الرؤى حول الظاهرة الأساسية (العولمة) فقد عرف البعض هذه الظاهرة بأنها وجود عالم بلا حدود إعلامية إعلانية يهيمن عليه النظام الرأسمالي العالمي الجديد وتخدم مصالحه الشخصية .
كما تعرف أيضاً بأنها امتداد الإعلام وتوسعه وتعميمه على مناطق جغرافيه مختلفة ترسمها شبكات اتصالية معلوماتية عالمية تقضي تماماً على حواجز الزمان والمكان لتعميمه بما يخدم أجنده خاصه لأشخاص أو منظمات معينه.
أو بتعريفٍ أخر هي سيادة تكنولوجية متعددة الإشكال لا تلتزم بأي حدود جغرافية وترسم ملامحها شبكات اتصالية معلوماتية على أسس سياسيه واقتصاديه وثقافية معينه .
ونلاحظ من التعاريف السابقة أنها تقوم بالمجمل على مبدأ التعميم ألمعلوماتي الذي سينتج في ما بعد حالة من ألامبريالية الاعلامية الثقافية تقوم بترويجها وسائل الإعلام بكل سهولة ويسر وتؤدي عادةً إلى تغيير طريقة تفكير المجتمعات اقتصادياً و سياسياً وتظهر حالة من الشذوذ في الثقافات العامة لمختلف الشعوب التي تصلها تلك المعلومات عن طريق تلك الوسائل الاتصالية .
الامبريالية الإعلامية الثقافية .
يقصد بالامبريالية الإعلامية الثقافية استخدام وسائل الإعلام باختلاف أنواعها (مقروءة- مسموعة- مرئية) بغرض نشر القيم والعادات والاستهلاكات
وما يرتبط بها من أنماط سلوك في إنتاج أفكار وثقافات جديدة بداخل المجتمعات التي تتلقى محتوى اتصالي معين من قبل وسيله اتصاليه عالمية معينه وقد تدفعهم لاستهلاك منتجات معينة تم الترويج لها عبر تلك الوسائل .
وتكمن الخطورة الحقيقية للامبريالية الإعلامية الثقافية في استخدامها لمبدأ الغزو الفكري للجانب الثقافي للمجتمعات مما يؤدي إلى ظهور ثقافات جديدة ودخيلة على المجتمع فتطمس هويته الثقافية على حساب ثقافة أخرى تؤثر على سلوكيات وعادات أفراده سلباً في الغالب .
وتتم المعالجة لهذه المشكلة بتحفيز الوسائل الإعلامية الداخلية على بث محتويات تساهم في جعل المواطن أكثر تمسكاً بهويته وقوميته وثقافته الأصلية .
أسباب ظهور العولمة الإعلامية
هناك أسباب عديدةٌ لظهور ظاهرة العولمة الإعلامية أهم تلك الأسباب ما يلي :
1- ظهور الطفرة التكنولوجية و اكتشاف تقنيات حديثة في الاتصال مثل الانترنت وصفحات التواصل لاجتماعي والبريد الالكتروني .
2- احتكارية ملاك رأس المال لوسائل الإعلام ساهم بشكلٍ كبير في إيجاد إعلام مؤمم يقوم بإيصال أفكارهم ويروج لإنتاجهم الاقتصادي عالمياً ويساهم في مباركة أعمالهم.
3- ظهور المنظمات والمؤسسات العالمية و المعنية بحقوق الإنسان والتي تحتاج إلى وسائل إعلامية لإيصال أفكارها وأعمالها.
إيجابيات العولمة الإعلامية .
هناك ايجابيات عديدة للعولمة الإعلامية أهم تلك الايجابيات :
1- لعولمة الإعلامية دور مهم جداً في عملية التثقيف والانفتاح على الأخر وتبادل الخبرات وتساهم في تنمية المجتمعات في حالة إذا ما استخدمت هذه الظاهرة بالشكل الصحيح .
2- ظاهرة العولمة الإعلامية تحطم قيود العزلة الثقافية المفروضة على الناس وتعرفهم ثقافة الأخر .
3- تساهم ظاهرة العولمة الإعلامية في جعل الناس يتوحدون بموجب محتوى اتصالي موحد وتكوين رأي عام واحد شبه سائد.
4- تساهم ظاهرت العولمة الإعلامية في تعريف الناس بما يدور حولهم من أحداث بطول وعرض هذا الكوكب .
5- تحفز ظاهرة العولمة الإعلامية الإعلام المحلي على النشاط وتفادي ظهور ثقافات أخرى دخيلة على المجتمع .
6- تحول هذه الظاهرة من استبداد الإعلام الرسمي المحلي الذي يحدد أخباره ومحتوياته الاتصالية بما يخدم الأنظمة عادةً
سلبيات العولمة الإعلامية
من أهم سلبيات ظاهرة العولمة الإعلامية ما يلي :
1- توظف هذه الظاهرة عادةً من أجل السيطرة الاقتصادية
والثقافية وحتى السياسية بحكم سيطرة شركات خاصة تملك رأس المال و تنفذ أجندة معينه .
2- تساهم في خلق حالة من التزاوج الثقافي غير مرغوب بها تذهب تدريجياً باتجاه طمس الهوية والقومية الأصلية.
3- تؤدي العولمة الإعلامية إلى طمس الفكرة الاشتراكية القائمة على أساس الشراكة لوسائل الإنتاج بحكم سيطرة رأس المال على هذه الظاهرة .
و باختصار تبقى العولمة بشكلٍ عام والعولمة الإعلامية بشكلٍ خاص
ظاهرتان تخضع للتوظيف البشري فإذا وظفتا بشكلٍ جيد كانتا عاملاً ايجابياً يُسهل من الحياة ويجعلها ممكنة والعكس سيحدث إذا ما وظفت بشكلٍ خاطئ .
هامش/
1- كتاب ما العولمة ؟ (صادق العظم) (حسن حنفي)
2- كتاب العرب والعولمة (محمد حامد الجابري)
3- منشور بعنوان (العولمة والإعلام) أ: (محمد مصطفى العمري) (مركز الإعلام الأمني)
4- منشور بعنوان (الإعلام والعولمة )
(شعيب عبد الرحمن)المستشار الإعلامي للسفارة المصرية في الرياض .
5- منشور بعنوان إعلام العولمة للاستهلاك فقط (د:خالد محمد غازي )
6- منشور بعنوان عولمة الإعلام (هبه فتوح)