شركة عدن للأمن والسلامة

  

مقالات
علي البخيتي

مخاوف...مطلوب من الحوثي تطمين أصحابها

الاثنين 14 أبريل 2014 09:50 مساءً

اصبح الحوثيون رقماً صعباً داخل اليمن, وتضاعف وزنهم على المستوى المحلي والإقليمي وحتى الدولي بعد الانتصارات التي حققوها مؤخراً وبالأخص في منطقة حاشد على منافسهم التقليدي إخوان اليمن "الإصلاح" بمختلف اجنحتهم القبليلة والدينية والعسكرية والمليشاوية.

 

ومع ازدياد قوة الحوثيين وتوسعهم في الكثير من المناطق –بغض النظر عن دواعيه وأسبابه- زادت المخاوف والهواجس منهم, ووصلت الى ذروتها باقترابهم من العاصمة صنعاء, مما دفع الكثيرين الى التساؤل: ماذا يريد الحوثيين؟ وما هي نهاية توسعهم؟ وهل يقدمون أنفسهم كنظام بديل أم كحالة مؤقته لحين استعادة دولة النظام والقانون لهيبتها؟.

 

هناك مخاوف حقيقية ومبررة وجادة من أطراف لم تخض أي صراع أو اقتتال مع الحوثيين, وهناك فوبيا يتعمد خصوم الحوثيين تعزيزها عبر تخويف بقية القوى والتيارات منهم, بل ويعمدون الى تشويههم مستغلين المخاوف والتساؤلات الحقيقية والمنطقية والموضوعية التي لدى تلك الأطراف التي لا ناقة لها ولا جمل في صراع الإخوان مع الحوثيين.

 

***

 

تلك الأطراف لا تتعاطف مع الإخوان المسلمين –بمختلف اجنحتهم- بسبب ماضيهم السيء في الشراكة مع نظام صالح لعقود ومشاركتهم له في أغلب الجرائم والحروب والفتن الداخلية التي أدار بها اليمن, وكان أخطرها حرب 94م وحروب صعدة, مروراً بما ارتكب قبل ذلك بحق الناصريين والكثير من القوى الوطنية, والتي كان الإخوان هم رأس الحربة فيها, فهم من اصدروا الفتاوى وعبأوا الشارع دينياً واعلامياً في كل تلك المعارك.

 

لكن تلك الأطراف –المحايدة- تتساءل أيضاً وتقول لنفسها: ما هو الضامن لعدم تكرار الحوثيون ممارسات الإخوان المسلمين, خصوصاً أن الطرفين ينطلقان من مرجعية دينية, ويحملان السلاح, ويتواجدان ويتصرفان خارج اطار الدولة –بغض النظر عن الحيثيات والأسباب والطرق- .

 

***

 

تقدم الحوثيون برؤى مدنية واضحة الى مؤتمر الحوار, واصطفوا في جناح التيار المدني الحداثي داخل المؤتمر, ولا أتجاوز اذا قلت أنهم تصدروا معركة بناء الدولة على أسس مدنية لا دينية, عبر رؤية تعتبر الدولة "أجهزة ومؤسسات" لا دين لها, على اعتبار أن الدين للشعب,  وتتعامل تلك الدولة مع مختلف مواطنيها بمعاير موحدة بغض النظر عن معتقداتهم وأفكارهم, وفي نفس الوقت لا تتناقض في في ما يصدر عنها من تشريعات وقوانين مع مبادئ وتشريعات الاسلام الرئيسية, التي تُجمع عليها مختلف المذاهب والتيارات الفكرية, إضافة الى أن موقف الحوثيين انسجم تماماً مع كل مطالبات المرأة في جانب الحقوق والحريات والكوتا النسائية, وتمايز موقفهم عن موقف بقية القوى السياسية التي تعتبر الدين مرجعيتها.

 

***

 

وافق الحوثيون في مقررات فريق قضية صعدة وبنصوص واضحة لا لبس فيها على أن دولة الشراكة الوطنية التي يفترض أن تنشأ عقب مؤتمر الحوار وتستوعب من تم اقصائهم خلال الأعوام الماضية وتشرع في تطبيق مقررات الحوار دون انتقاء, تلك الدولة من حقها وحدها احتكار السلاح والسيطرة على كل شبر من أرض اليمن وفقاً لما تم الاتفاق عليه في فريق قضية صعدة, وهي المخولة وحدها بواجبات الدولة المعروفة.

 

***

 

قوبلت رؤى ومواقف الحوثيين في المؤتمر بارتياح واسع –فيما عدى الخصوم- محلي واقليمي ولا ابالغ اذا قلت دولي أيضاً, وهذا ما لمسته أنا شخصياً من لقاءاتي بدبلوماسيين عرب وأجانب رفيعي المستوى, سواء من الذين يمثلون دولهم او الذين يمثلون منظمات دولية.

 

مع انتهاء مؤتمر الحوار ازدادت ضراوة المعارك بين الحوثيين وبين تحالف واسع من القوى التقليدية الحاكمة لليمن لعقود, وامتدت جبهات القتال حتى وصلت أصوات المدافع الى مشارف أمانة العاصمة بعد وصول الحرب الى منطقة ارحب, انتهت اغلب تلك المعارك بانتصار وتوسع حوثي أربك الجميع واستدعى الكثير من المخاوف.

 

***

 

لم تعد رؤى الحوثيين في مؤتمر الحوار كافية لتطمين وتهدئة خواطر الأطراف المحايدة التي وجدت نفسها بين نارين, نار القوى التقليدية الحاكة المستأثرة بالسلطة والثروة والرافضة للشروع في بناء دولة الشراكة الوطنية بما يسحب ذرائع الحوثيين في استمرار سيطرتهم على مناطق واسعة والحد من توسعهم لحين استعادة الدولة لمكانتها وقوتها وسيطرتها على تلك الناطق, ونار الحوثيين التي باتت تقلق الكثير من الأطراف التي لا تعتبر إدارة الحوثيين لمحافظة صعدة والمناطق الأخرى نموذجاً يمكن ان يبدد مخاوفها.

 

ما فاقم مخاوف تلك القوى –المحايدة في الصراع- من الحوثيين إضافة الى ما سبق وأثرته اعلى هذا هي ثلاث اشكاليات –من وجهة نظر الكثيرين- لم تتمكن الحركة من تبريرها بشكل يقنع تلك الأطراف المحايدة على الأقل, لأنه ليس مطلوباً اقناع الخصوم.

 

***

 

الاشكالية الأولى هي اعمال التفجير التي تعقب سيطرة الحوثيين على مناطق جديدة والتي تطال بعض المنازل والمعاهد الدينية الأهلية التابعة للأطراف التي تحارب الحوثيين, والثانية هي منع الحوثيين للغناء واغلاق استريوهات بيع الأغاني في المناطق التي يسيطرون عليها, والثالثة هي التضييق على المدنيين التابعين للقوى السياسية والدينية التي حاربت الحوثيين.

 

***

 

لدى الحوثيين تبريرات, قد يكون بعضها مقنع في ما يتعلق بانتقام بعض الأهالي من اطراف دمرت بيوتهم عبر تفجير بيوتهم انتقاماً عند فرارهم منها, لكنها لا تفسر –بحسب ما يرى البعض- تدمير بعض البيوت او الأماكن التي لم يمارس أصحابها نفس الفعل عندما كانوا هم المسيطرين, حتى ولو تم استخدامها للتترس والقتال, كما أن منع الغناء واغلاق الاستريوهات استدعى للذاكرة –كما اخبرني الكثيرين- بعض ممارسات الجماعات الجهادية في الكثير من بلدان العالم, ولم يقتنع الكثيرين بمبررات الحوثيين القائلة أن مجتمع صعدة محافظ وأنه يرفض بالطبيعة تلك الأنشطة, وقد يقول أحدهم: اتركوهم يفتحوا استريوهات, واذا كان المواطن فعلاً غير راغب في الشراء فستغلق تلك المحلات لاعتبارات اقتصادية بحتة تُجنب الحوثيين المسؤولية, كما أنه لا مبرر لقمع المواطنين المدنيين المنتمين للأطراف السياسية والدينية الذين هُزمت اجنحتهم العسكرية.

 

***

 

قد لا ينظر بعض الحوثيين لتلك الاشكاليات بالأهمية اللازمة, لكن كثير من الأطراف تعتبرها مؤشرات خطيرة توضح الفارق بين ما يطرحه الحوثيون على المستوى النظري وبين ممارساتهم العملية, بل أن البعض يتحدث بصراحة أكثر ويقول: ان الحوثيين معهم الحق في نصب النقاط وممارسة دور الأمن وانفاذ العدالة في المناطق التي تحت سيطرتهم, خصوصاً ان الجميع مدرك مدى ضعف الدولة وعجز أجهزتها الرسمية, إضافة ان الجميع يعرف أن الحوثيين مستهدفين من جماعات جهادية ومراكز قوى تقليدية, كذلك فان هؤلاء يتسامحون أيضاً مع تأدية الحوثيين لكل واجبات الدولة, لكنهم في نفس الوقت يتساءلون: لماذا لا يوفر الحوثيون مناخاً أكثر حرية للمدنيين المنتمين للقوى السياسية والدينية التي حاربوها, ويطبقون الدولة المدنية التي نظروا لها في مؤتمر الحوار, ولماذا يتدخلون في الحياة الخاصة للمواطنين؟.

 

***

 

إضافة الى السؤال الافتتاحي الذي بدأت به المقال وهو: هل سيطرة الحوثيين على تلك المناطق مؤقته وستزول مع بناء دولة العدالة والمواطنة المتساوية والشراكة الوطنية؟, أم انهم يقدمون أنفسهم كنظام بديل ودائم؟, مع أن الحوثيين اكدوا في مؤتمر الحوار انها حالة مؤقتة, لكن يجب ان يستمع الجميع الى ذلك مراراً وتكراراً من القيادات العليا في الحركة.

 

تلك بعض الهواجس والمخاوف التي تعتري الكثيرين وتبدوا –من وجهة نظرهم على الأقل- منطقية وموضوعية الى حد ما, وهي بحاجة الى تطمين واضح من زعامة وقيادة الحركة, فلا يُكتَفى فيها بتبرير يصدر عن كاتب قريب أو منتمي للحركة, ولا يُكتَفى فيها حتى بتصريح لناطق رسمي أو مصدر مسؤول فيها.

 

***

 

ما ساعد على تراكم تلك المخاوف والهواجس والشكوك هو البعد بين هذه النخبة الوطنية المثقفة وبين قيادة الحركة بسبب ظروف الحرب والهاجس الأمني -المبرر- المحيط بقيادتها العليا, لكن ذلك لا يمنع من تنظيم زيارة لنخبة مثقفة -كتاب وصحفيين وأكاديميين وباحثين- من كل المدارس الفكرية الى صعدة للالتقاء بالسيد عبدالملك الحوثي في جلسة خاصة ليطرحوا عليه كل هواجسهم عن الحركة, وليتعرفوا عليه عن قرب, فلم يعد عبدالملك الحوثي ملكاً لأنصار الله وحدهم, فقد أضحى شاء البعض أم أبى شخصية وطنية لها تأثير واسع على العملية السياسية وعلى مستقبل اليمن برمته, ومن حقهم التواصل المباشر معه بين الحين والآخر حتى لا تُترَك الفرصة للمغرضين والخصوم ليوقعوا بين الطرفين ويتحكموا في صناعة الصورة النمطية التي يريدونها عن الحوثيين, بسبب عدم وجود نوع من التواصل المباشر بينهم وبين مركز صنع القرار في الحركة.