الحوثي ما بين الإمامة ورئاسة الجمهورية
لا يقدم عبدالملك الحوثي نفسه كزعيم حزب سياسي ولن يقدمها, ولن يترشح للرئاسة يوماً ما مهما وصلت شعبيته, مثله مثل المراجع الروحيين لحركات الإسلام السياسي, ففي مصر مثلاً لا يعقل أن يتقدم مرشد حركة الإخوان المسلمين للترشح للرئاسة يوماً ما, لأنه يقدم نفسه زعيم ومرجعية دينية للحركة, ويعتبر نفسه صانع للرؤساء –قبل الانقلاب الشعبي العسكري في مصر- أو على الأقل مشارك في اختيارهم.
لا شك أن الحوثي يحظى بشعبية واسعة لدى شريحة مهمة من أبناء اليمن, فهم يعتبرونه بطلاً منقذاً ساهم هو وأخيه الشهيد حسين الحوثي في استعادة كرامة وحرية تلك الشريحة, وأعاد لهم مكانتهم الطبيعية بعد التهميش السياسي الذي تعرضوا له خلال العقود القليلة الماضية, إضافة الى أن وجوده يعتبر ضرورة لدى اطراف سياسية أخرى -تعرضت للتهميش والاقصاء أيضاً- على اعتبار أنه صنع توازن قوة على الأرض مع الأطراف الأخرى التي احتكرت القوة لعقود وتسلطت على مختلف الأطراف السياسية بمختلف مدارسها الفكرية والدينية, سيفضي –هذا التوازن الجديد اذا أُحسن استغلاله- في النهاية الى صناعة سلام وديمقراطية حقيقية وشفافة بعكس ديمقراطية العقود الثلاثة الماضية.
وضع الحوثي اليوم أفضل بكثير من وضع أي رئيس للجمهورية, فرئاسة الجمهورية مسؤولية كبيرة في ضل الأوضاع الصعبة التي تمر بها اليمن اليوم والفشل الاقتصادي والأمني والسياسي أيضاً, والذي يجعل اليمن معرضة أكثر من أي وقت مضى للتفكك الى دويلات بعدد الأقاليم المقترحة.
لا يريد الحوثي بالتأكيد أن يخوض معترك الانتخابات الرئاسية حتى لو ضمن الفوز 100 %, لأنه يعرف أن الأطراف الأخرى لن تقبل –حتى ولو عبر الصناديق- أن يصل زعيم ديني الى رأس السلطة السياسية في اليمن, هذا على فرض أننا استبعدنا العامل الإقليمي والدولي, أما اذا استحضرناهما فبالتأكيد سيضعون فيتو واضح على وصول الحوثي الى الرئاسة وسيدفعون المليارات لأدواتهم في الداخل لمنع هذا الأمر.
السيد عبدالملك الحوثي مثله مثل السيد حسن نصر الله يساهم بقوة في الحياة السياسية لكنه لا يطمع أن يشترك فيها مباشرة, ليس تعالياً انما بسبب الحساسيات التي قد تنتج عن ذلك, إضافة الى أن وضعهما كمرجعيات دينة واخلاقية وقيمية لدى شريحة واسعة أفضل لهما بكثير من خوض غمار المعترك السياسي والمنافسة فيه وما يستدعي ذلك من مسؤولية واحتمالات فشل عالي في ضل الظروف الحالية, وعلى كل حال فالرئاسة أصبحت محددة بمدة معينة, بينما وضعهما الحالي سيمتد الى ما شاء الله, واعتقد أنه من الأفضل لهما الا يصبح أي منهما بعد ثمان سنوات يحمل صفة "الرئيس السابق".
اذا كان هناك ما يشبه الاستحالة في وصول الحوثي الى الرئاسة فالاستحالة اكبر في استعادة نظام الإمامة, ومن هنا يظهر لنا أن المعركة التي يشنها خصومة تحت تلك العناوين معركة وهمية تحاول نقل الصراع من مربع السياسة الى مربع الدين والمذهب لتتمكن من استقطاب تيارات اجتماعية ودينية بعينها مستغلة "فوبيا السيد", فعندما تغيب المشاريع السياسية تحضر الفوبيا المذهبية والعرقية والطائفية والمناطقية.
كلمة عبدالملك الحوثي التي القاها في الجمعة الماضية 11 / 4 / 2014 م سياسية بامتياز, ويتوجب الرد عليها سياسياً دون اجترار النقاشات والخلافات المذهبية التي عُمرها من عمر الاسلام, فقد طرح الكثير من القضايا التي يجب على السلطات تنفيذها واستند في ذلك الى مخرجات مؤتمر الحوار, وعلى رأسها تشكيل حكومة شراكة وطنية والمسارعة الى تشكيل المجلس الوطني والعمل على إيجاد سجل انتخابي رقمي جديد.
بالتأكيد فانه يقابل تلك المتطلبات من السلطة متطلبات من الحوثيين ومن بقية الأطراف السياسية على السواء, ومن يتأخر في تنفيذ التزاماته أو مُقررات مؤتمر الحوار يمكن اعتباره معرقلاً وساعياً الى استمرار الحروب والأزمات.
تنص مخرجات الحوار على بند اساسي افتتاحي وهو الشروع فوراً في بناء دولة الشراكة الوطنية, عبر شراكة وطنية حقيقية في كل أجهزة ومؤسسات الدولة لكي يستعيد المواطنون ثقتهم في الدولة, لتتمكن الدولة الوليدة من الشروع في تطبيق مخرجات الحوار بمجملها –دون انتقاء- ومنها تعزيز سيطرتها على الأرض واحتكارها للسلاح ابتداء من العاصمة صنعاء, ومن ثم تتوسع الدائرة حتى تصل الى آخر نقطة على الخارطة اليمنية بما في ذلك محافظة صعدة.
استمرار الخطاب المستهلك والاسطوانة المشروخة التي دائماً ما تُفسر كل ما يصدر عن الحوثيين في اطار مذهبي ديني -متجاوزين كل ما قدموه من رؤى سياسية في مؤتمر الحوار- معناه أن لك الأطراف لن تقبل الحوثي مهما حاول أن يُظهر قبوله بهم, ومهما نَحى قناعاته الدينية جانباً وخاطبهم بلغة العصر السياسية والمدنية, وسيستمرون في القاء التهم الممجوجة عليه حتى ولو ظهر عليهم لابساً "للجينز" ومرتدياً لكوفية "الكاو بوي" على رأسه, وفي يده اليمنى علبة "البيبسي" والأخرى بطاطس "برنجلز", فهم لا يرون في الحوثي الا "هاشميته" و "زيديته" و "صعداويته" وتلك أمور لا يمكن للحوثي أن يتنكر لها أو ينكرها لأنها حقيقة و -ببساطة- لا ذنب له فيها ولم تتح له حرية اختيارها.
نقلا عن صحيفة الاولى