عدنية تتحدث : عدت إلى عدن فلم أجد أهلها فهل لكم ان تدلوني إلى فين رحلوا ؟
في شوارع عدن شفت اناس لاصلة لهم بعدن وطرقات متغيرة وملامح متغيرة وكل شيء متغير .
سالت أمي اماه ناس عدن فين ؟ واهل عدن فين ؟ فين راحوا .
رسالة من مواطنة عدنية تقول فيها أنها عادت إلى "عدن" قبل ايام بعد غياب دام أكثر من 18 عاما .
وفي الرسالة تتحدث عن انطباعات مواطنة عدنية غادرت هذه المدينة قبل أكثر من عقد من الزمن ولأهمية الرسالة هذا نصها:
قبل أشهر الحيت على زوجي بعد فترة اغتراب دام أكثر من 18 عام من اليوم ان نعود إلى عدن وان نعود إلى ذات الديار التي غادرنها قبل عام 1994 ليستقر الحال بنا في روسيا الاتحادية .
ومن ذلك الحين ظل تواصلنا مع عدن والأهل في عدن يتم عبر الاتصال الهاتفي وخلال السنوات الأخيرة عبر الانترنت وكل ماسنحت لي الفرصة كنت أتحدث مع أهلي وفي كل يوم اسألهم عن أشياء كثيرة تركناها خلفنا الحافة والناس والشارع وأشيائي وحتى تفاصيل غرفتي وكيف صار حالها.
ولان الحنين إلى مساكن الصبأ والطفولة يظل هو الأقوى فقد شدني الحنين لكي أعود إلى مدينتي التي غادرتها قبل 18 عام من اليوم .
تحدثت إلى زوجي إنني أريد ان (أعود) لزيارة الأهل والناس وقلت له إنني اشتقت لأشياء كثيرة ولهذا اصريت على العودة إلى عدن هذا العام وكان لي ما أردت .
في ليلة السابع والعشرين من رمضان وتحديدا بعد منتصف الليل كانت الطائرة تحلق بنا فوق سماء عدن وبدت من بعيد بأضوائها القليلة زاهية محبة لكل شيء فينا مثلما نحبها نحن وسنظل .
ما ان حطيت بإقدامي على أرضية المطار حتى أحسست بقشعريرة تسري في جسدي هذه مدينتي وهذا وطن وهذه انا "الدكتورة" التي قضت أعوام طويلة في المهجر ها انذا أعود إلى عدن عدن المدينة التي أحببتها حتى النخاع وغادرتها ذات يوم مجبرة .
في المطار تأملت أركانه لاتزال هي ذات الأركان التي حينما غادرنا المدينة كان كل شيء مثلما هو إلا من شيء واحد وهو ان المطار الذي كان يعج بالطائرات أصبح خالي الوفاض.
في باحة الاستقبال في المطار كان زوج أختي ينتظرنا واقلنا بسيارته إلى المنزل .
أول أحاديثه كانت عن انقطاع الكهرباء وسوء النظافة وتردي الخدمات، في الطريق إلى المنزل كنت أراقب كل شيء أضواء السيارات وحركتها لكنني لاحظت أول مالاحظت وخلال سير السيارة من خور مكسر إلى "التواهي" وقوع عدد من المخالفات لعدد من سائقي السيارات .
تعجبت مما رأيت فكان رد "زوج أختي" : الحال تغير يا أختي وأصحاب صنعاء اللي كنا نعايب على سواقتهم صرنا اخس والعن منهم .
تذكرت زمن الانضباط والإشارات المرورية لم شيء من هذا يذكر في حبيبتي عدن وكانت أولى صدماتي هي حينما كادت سيارة مسرعة وتسير عكس الخط ان تصطدم بنا .. ولم يكتفي سائقها بإخافتنا بل تعدى علينا بالسب.
وصلنا بعد نصف ساعة تقريبا من المنزل الأضواء خافتة والصمت يلف المكان إلا من انفجارات "طماش" من أرجاء متعددة يأتي ليقطع السكون .
أمام منزلنا لم أجد في انتظارنا احد غير عدد من إخوتي وأمي التفت لعلي أرى احد من الجيران يقف إلى جانب أهلي لكن شيء من هذا لم يكن له اثر أمي وأهلي فقط علمت لاحقا ان الناس الطيبة في عدن تغيرت وان الناس اللي لما كان يجي المسافر تتحلق حوله بطلت هذه العادة واكتفى كل شخص بالجلوس ببيته.
في منزل الأسرة قضيت يومين في انتظار زيارة الجيران لم يطرق احد الباب غير عدد من جاراتنا كبار السن سالت عن البنات وينهم ؟ قالوا لي خلاص البنات في عدن ماعاد يزورا بيوت الجيران قالوا حرام ومايجوز.
تذكرت زمان لما كنت صغيرة أطوف بيت كل الجيران أكل من هذا البيت واشرب من الثاني وأنام في الثالث .
تذكرت صديقتي "مريم البدوية" وأبوها المغترب في الخليج وكيف كنا ننتظر قدومه ايام وليالي ولمن يجي كانت ايام سعدي عندهم في البيت 24 ساعة .
في عدن اللي زرتها اليوم مافي عاد حد يجي عند احد قالت أمي :" الناس تغيرت والوضع تغير وزمان يابنتي .
انتظرت إفطار أول يوم لي في رمضان وسالت أختي :" فين يجلسوا البنات بالحافة؟ زمان كانت مجموعة من كل بنات حافة يختاروا لهم مكان للجلوس يا أما بدرج العماير ولا بركن بين في الحوافي قالت لي أختي مين عاد يجلس هذا كان زمان مافي عاد احد يجلس كل هذا كان زمان .
قبل الإفطار جلست أراقب البيوت وانتظرت حد يطرق باب بيتنا أم محمد أكيد بترسل شربة فطور والثاني بترسل مقصقص والثالث لبنية والرابعة لحوح وشفوت.
ساعات مرت وانا في الانتظار ولم يصل احد ارتفع صوت الأذان وانا في حالة الانتظار غابت هذه العادة كمان يا الله هل هذه عدن اللي نعرفها ؟
يوم العيد صحيت بدري جدا واستعديت كل الاستعداد اليوم الناس بتزورنا كلها صحت في خواتي يلا نفرش ونرتب ورتبنا .
رتبنا وفرشنا وعملنا بخور وكل شيء الله على ريحة عدن وريحة عيدها كلا منا بدل وانتظرنا الأهل والأصدقاء والجيران وصلوا إخواني من المسجد وقدمنا لهم الإفطار وسألتهم متى بتعايدوا على الجيران .
قال لي أخي :" خلاص قد عايدنا على الرجال في المسجد والان إلى النوم .
زمان كانت الناس تخرج مجاميع تعايد من بيت إلى بيت من أسرة إلى أسرة الأهل تعايد على بعضها شباب وبنات ورجال ونساء لا حرج ولا تحريم ولا سواد قلب .
في بيتنا لم يزرنا احد قلت لامي بازور الجيران أخذت نفسي ورحت إلى بيت "مريم " صديقتي قالوا لي أنها سافرت الشمال" تزوجت واحد متدين وانتقلوا للعيش هناك وانقطعت أخبارها عن أهلي وحتى لما تجي عدن ماتزورهم لان زوجها ومريم هي مريم اللي عاشت وأكلت وشربت مع آخوني .
رحت إلى منزل "مريم" ودقيت الباب ومن الصدف فتح لي اخوها الكبير" عبدالله" وهذا عبدالله ربانا على يده انا ومريم لكن ما ان فتح الباب حتى اشاح بوجهه علمت من امه بعدين انه صار متدين وتغير كثير ، تعجبت للانسان اللي تربينا على يده كيف صرت اليوم في نظره شيء محرم ونحن عشنا سنوات طويلة اخوان .
في عدن صارت لغة الرصاص هي اللغة السائدة شفت شباب في عمر الزهور وهم يحملون السلاح .. يا الله هذا في عدن وين ايام شباب عدن وانت تشوفهم راجعين من المدارس بملابسهم البنية وكل واحد في يده قلم ومسطرة.
طفت عدن لأيام منذ ان عدت إليها لم أجد أي شيء مما تركناه في هذه المدينة، كل شيء تغير وكل شيء تبدل وكل شيء تحول، طفت الشوارع اسأل وانادي بداخلي ادور على عدن .
في الشوارع شفت اناس لاصلة لهم بعدن وطرقات متغيرة وملامح متغيرة وكل شيء متغير .
سالت أمي اماه ناس عدن فين ؟ واهل عدن فين ؟ فين راحوا .
يا اسفاه ياعدن كل شيء فيك تغير كل شيء فيك تحول إلى عدن فلم أجد أهلها فهلكم ان تدلوني إلى أين رحلوا ؟