عبده النقيب
القاعدة الشاذة
الاثنين 31 مارس 2014 08:34 مساءً
القاعدة في التعريف اللغوي تعني الأساس وعرّفت بانها قضية كلية تنطيق على الأجزاء او استخلاص خاصة كلية من خلال الأجزاء. وتختلف القواعد عن بعضها باختلاف حقولها كالكيماء والفيزياء والفقه والسياسية والرياضة وغيرها الا انها جميعا تشترك في معادلة موحدة تم التعرف عليها وهو ما يجمع الكل بأجزائه إلا قاعدة بن لادن التي لم نجد لها تعريف ولا استنتاج يوصلنا الى قاعدة تجمع اجزاء هذه الظاهرة.
قاعدة بن لادن هي المعادلة التي شذت عن القواعد في جميع الحقول, ليس المهم الاسم فلا خلط هنا بين الاسم ( القاعدة) كظاهرة سياسية وتيار ديني وبين المفهوم اللغوي لمصطلح القاعدة, فقاعدة بن لادن مجرد اسم لتيار ديني سياسي استخباراتي "استثماراتي", (ظاهرة) وقفنا امام معرفتها حائرون بسبب أكوام المعلومات الهائلة والدقيقة التي تصلنا عنها والذي يكاد ينطبق عليها قول الإمام علي (الباحث في الجدل كالناظر في الشمس غامض من شدة وضوحه).
لا اغالي ولا اعبث اذا قلت أن قاعدة بن لادن هي ظاهرة معقدة شديدة الاتساع والخطورة وكثيرة المعالم والتوالد حتى اصبحت عالم بحد ذاتها( طالبان, انصار الشريعة, قاعدة بلاد العرب وقاعدة شمال المغرب, وداعش, والنصرة, والجماعات الإسلامية وبوكو حرام وستطول القائمة التي ليس لها نهاية) وتجد ان المختصين بشئون قاعدة بن لادن وما أكثرهم متناقضون بشكل فاقع فلا تستطيع ان تجمع بين ما يقوله المختص في شئون الإرهاب في السي أي إيه او في الإم آي سيكس او المحللين في مصر والأردن والسعودية والجزائر وغيرهم فلا يزيدونا الا غموضا فوق حيرة. كل هذا الى حد ما قابل للفهم اذا اجتهدنا وحللنا إلا قاعدة اليمن فهي مشكلة مستعصية على الفهم او كما يقول المثل الشعبي "كل الذي ذكرناه كوم وقاعدة اليمن كوم لوحده ".
لا يجوز ان نسلم بما يقوله هذه الخبير او ذلك المتخصص لان كل واحد ينطلق عادة من فهمه الخاص المعبر عن مصالح البلد التي يخدمها, واذا اردنا ان نصل الى مقاربة حقيقية واقعية لظاهرة قاعدة بن لادن فعلينا ان نجري عليها المنهج العلمي التجريبي في البحث لعلنا نصل الى استنتاجات منطقية وعلمية وهو أمر ليس باليسير لشمولية واتساع هذه الظاهرة وغموضها في الكثير من الأحيان حتى كادت ان تصبح شماعة يعلق عليها الكل جرائمه وأفعاله.
بدأت بذور قاعدة بن لادن في الظهور في نهاية ثمانينات القرن الماضي من اولئك النفر الذي جندتهم ودربتهم المخابرات الأمريكية وحشدتهم ومولتهم بعض الدول العربية ثم تعاونوا جميعا في الزج بهم في معارك داخل جبال افغانستان لمواجهة الجيش السوفيتي الغازي واسموهم بالمجاهدين.. الى هنا والآمر واضح.. وما ان انتهت الحرب وتحررت افغانستان حتى بدأ المجاهدون يأكلون لحم بعضهم فتقاتلوا وابادوا خلال اقل من عامين اضعافا مضاعفة عما قتلت القوات السوفيتية الغازية خلال عشر سنوات امتدت بين ( نهاية 1979- 1989) ليس هذا وحسب بل ان الحرب بعد انه وضعت اوزارها وهمّ المجاهدون المنتصرون بالعودة الى بلدانهم اوصدت الأبواب والدروب امامهم كإرهابين محتلمين وفقا لتصنيفات السي آي إيه.
راح المجاهدون الإرهابيون في كل واد يهيمون وبدأت عمليات المطاردة والتعبئة ضدهم وبدأت عمليات الانتقام واختلط الحابل بالنابل حتى صار كل مجاهد ارهابي بل وكاد ان يكون كل مسلم ارهابي حتى اصبحت معركة الاختلاف حول تعريف الإرهاب من اشهر معارك القرن الماضي ضراوة. من حمامات الدم في الجزائر الى اعمال التفجير والاغتيالات والمجازر في مصر واليمن انتقالا الى حضانات اللجوء الدافئة للإرهابيين في ارقى احياء المدن البريطانية والسويسرية وتدفقت العقول المدبرة لصناع الموت وحمامات الدم في البلدان العربية الى اروبا يمارسون نشاطاتهم بكل ثقة وحرية حتى وقع الفأس في الراس وتفجرت ناطحات السحاب في نيويورك وسفكت الدماء مدرارا في شوارع لندن ومدريد وسفارات امريكا هنا وهناك لتبدا مسيرة الحرب على الإرهاب في كل مكان ثم تهنا بين من هو الإرهابي ومن هو الممول ومن الذي يحاربهم او يحاربونه وهنا "مربط الفرس" والعقدة في فك لغز قاعدة بن لادن.
لن استعجل في وضع أي استنتاجات فالوقت مازال مبكرا قبل أن أسال "من الذي صنع الإرهاب ومن الذي يحاربه؟
دون ان نخوض في تفاصل كثيرة نأخذ نماذج معينة واضحة لا تحتاج الى جدل لعلها توصلنا الى استنتاج او قاعدة نقيس بها خصائص الأجزاء الغامضة من الظاهرة نفسها. المجاهدون هم الأفغان العرب واستقر الاسم اخيرا على القاعدة) هذه المجاميع او التيار جميعنا يدرك أن المخابرات الأمريكية والبريطانية كانتا وراء نشوء هذه الظاهرة قدمتا لها كل اشكال الدعم المادي والعسكري الشامل (تسليح تدريب) بمشاركة عدد من الأنظمة العربية الهدف حينها كان لمواجهة الجيش السوفيتي في افغانستان, ثم تحولت كل هذه الأطراف الى دول تحالف لما يسمى بالحرب على الإرهاب.. ايضا دعم الرئيس المصري الراحل انور السادات التيار الديني في مواجهة المد اليساري حتى تغول التيار المتأسلم وصار في حالة مواجهة مع الدولة المصرية احدثت في جسدها جروح غائرة مازالت تنزف بغزارة حتى اليوم. ودعمت السعودية ايضا الحركات الجهادية والتكفيرية في اكثر من بلد ومكان لمواجهة المد الشيوعي والأنظمة التقدمية حتى بدأت السعودية نفسها تتلقى الضربات المؤلمة في اكثر من مناسبة حتى صارت اليوم في مرمى هذه الجماعات تصارعها في معركة مصيرية لعلها تنجو ببدنها.
هكذا تبدو قاعدة بن لادن كتلة من النار وسلاح خطر يستخدمها من يجيد اللعب "بالحجر والبيضة" في احراق من يريد, لكن هذه النار ما تلبث ان تعرض صاحبها للسعات محرقة وربما مميته وهذه قاعدة معروفة لمن يلعب بالنار.
النار ممكن ان يتم توليدها من اكثر من مصدر ونار قاعدة بن لادن مصدرها ومحركها هو الفقر وكبت الحريات والشحن المستمر للعقول بالفكر المتطرف والفهم الخاطئ للإسلام ولهذا فإنه يمكن ان تشتعل نارها في اكثر من مكان لكثرة الأماكن التي تعج بكل هذه الأمراض والأسباب وهو ما نراه اليوم في اليمن وافغانستان والعراق وسوريا والسعودية والصومال ومصر فهي نبته تنمو في بيئة تربتها الفقر والتخلف والقمع.
وهنا يبدو الاستنتاج جليا ان قاعدة بن لادن او التكفيريين الظلاميين ليس لهم جنسية او حليف معين بل انها تتنقل في تحالفاتها ومعاركها من مكان لآخر حسب الحاجة والضرورة وهي نار او سلاح يستخدمها المؤمن والبلطجي والكافر والأوروبي والأمريكي والأفريقي وكل من لديه هدف تدميري فهي السلاح الانسب والفعال. هذه الأفكار الفعالة تستهوي المكبوتين من المراهقين وما اكثرهم فهي تقدم لهم حلول ناجعة لأحلامهم عبر بناء قصور فخمة في الجنة ترتع فيها الغواني وحور العين وانهار الخمر والعسل "الدوعني" وهو نفس الحافز الذي دعا بشبان جزيرة العرب في صدر الإسلام التي تفتقر الى الخضرة والرقة والمتعة الى اللهث نحو فارس والأندلس اللتان تعج بكل مالذ وطاب حتى اصبح اغلب الخلفاء العباسيين ابناء لجواري من فارس وتركيا واسيا الوسطى, وهو ايضا نفس الحافز الذي يستخدمه المتأسلمون اليوم فقد منح الأفغان العرب امتياز استخلاف وتملك ميراث الجنوب "الشيوعي" وابناءه (الكفار) واوعز لقبائل اليمن حق نهب (فيد) كل مايقع على ايديهم في اراضي دولة الجنوب العربي (جنوب اليمن) في حرب 1994م. فعناصر التطرف المتأسليمن بدأوا مشوارهم في التدريب على ايدي خبراء الإم آي سكس في معسكرات داخل الجزيرة البريطانية وعلى ايدي خبراء السي أي إيه في صنعاء واشتركوا جميعا في معركتهم التاريخية ضد الوجود السوفيتي في افغانستان والتقت الموساد مع مجاهدي بن لادن في غزوة 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وتحتضن إيران عدد من قادة قاعدة بن لادن ولا اظن ان حكومتي العراق وسوريا بعيدتان عن دعم "داعش" التي اجادت اصول القتال في المعركة ضد المعارضة السورية اكثر من الجيش السوري نفسه حتى صار لكل فريق قاعدته الخاصة به.
لماذا تستخدم القاعدة كسلاح فعال دون غيرها؟
اولا المبررات التي تستخدمها القاعدة لها قبول عند جمهور عريض من المسلمين الذين يغطون في نوم تاريخي عميق ومازالوا يعيشون مرحلة الاحلام وغياب الوعي حتى صار حملة الدعوة ونشر الإسلام يأتونا من جنسيات لاتعرف العربية فيقرأون القرآن ولا يعرفون معانيه مثل الأفغان والباكستان وحتى الصومال وهي البلدان الثلاثة الى جانب اليمن الذي ينافس على المكان الأخيرة في قائمة الشعوب والدول الأكثر تخلفا, هذه البلدان هي المكان الحاضن لقاعدة بن لادن ويوجد اتصال وثيق بين الأنشطة التي ترفع شعار الإسلام هو الحل والجهاد المقدس في هذه البلدان.
وثانيا ان الهدف البعيد من وراء تنمية هذه الظاهرة ايضا هو خلق مشكلة داخل البلدان العربية والإسلامية تعيق تقدمها وتؤدي الى تفتيتها والحؤول دون الإمساك بزمام المبادرة والانعتاق من ربقة التخلف ومواجهة الأخطار المحدقة بها.
وثالثا ان المعركة التاريخية بين الغرب الاستعماري والشرق الحضاري يقتضي ايجاد وسائل اسهل واسلحة ارخص في المعركة بين الجانبين فظاهرة التطرف الإسلامي هي سلاح اكثر فعالية من الغزوات الاستعمارية المباشرة فهي في نهاية المطاف تؤدي الى نفس النتيجة بل واكثر في اخضاع هذه البلدان للهيمنة الغربية وسلبها ثرواتها وعقولها بل وتراثها وتاريخا فما عجز عن سرقته القراصة الغربيين من اثار دمره الوهابيين "الموحدين" الذين جعلوا من كل ما هو حضاري شرك بالله.
رابعا القاعدة "اللادنية" هي المقدمة الضرورية لخلق بيئة معادية لكل ماهو علمي وعقلاني وإنساني وحضاري والإذن ببدء أم المعارك القادمة والتي سيكون فيها نهاية العرب في جزيرتهم وهي المعركة بين المتأسليمن المتطرفين الذي يصنفوا انفسهم بالسنة والشيعة والتي يتم نعتهم ب"الروافض".
وهنا نصل الى الاستنتاج او القاعدة في فهم القاعدة الشاذة وفك طلاسم سر التحالفات التي تنقلب الى حروب ضارية بين الفرقاء , يكفي ان تأتي بعميل متدرب بليغ الخطابة فصيخ اللسان حتى وإن كان مستشرق به تستطيع ان تحشد جيوش من العازبين الباحثين عن حور العين توجههم "بالريموت كنترول" في معركة إلى الأمام سر. لا غرابة ان تجد تيار من القاعدة تدعمه إسرائيل وتيار آخر يتبع بريطانيا وتيار يتبع السي أي إيه و علي عبدالله صالح ,وآخر لعلي محسن ألأحمر وثالث لقطر ورابع لباكستان والقائمة تطول لكن جميعهم يؤكدون ان قاعدة بن لادن ليست حزب لهم هيكلية وتحكمه اسس وقواعد معينة وما يجمع كل تلك المسميات المختلفة لتيارات القاعدة هو استخدام الفكر المتطرف كسلاح ليس إلا وهنا يمكن ان نعرف من هي قاعدة بن لادن. تبدو معالم ظاهرة القاعدة اكثر حيرة واثارة في اليمن وهو ما سأحاول التطرق له في موضوع منفصل سأبين فيه وضوح هذه الحجة في شرح قواعد القاعدة في اليمن. هناك قرينة مهمة تدعم هذا الاستنتاج وتمتلك اهمية في دعم وتعزيز هذه القناعة وهي ان المناطق التي تزرع فيها عناصر ومقاتلي القاعدة تصبح مكان للتواجد الأمريكي والغربي المباشر او غير المباشر من أفغانستان الى اليمن الى الصومال والعراق الى مالي وسوريا وهناك محاولات حثيثة لزراعها في السعودية ومصر والمناطق المستهدفة من قبل الاستعمار الغربي للتمهيد للتدخل وإعادة صياغة جغرافية وهوية وتاريخ المنطقة برمتها بما يحلو للغرب نفسه.
كاتب جنوبي عربي مقيم في بريطانيا*