الجنوب متى يخرج من جلباب الرئيس ؟
ما الذي يعيق القضية الجنوبية عن التقدم , والخطو إلى الأمام في طريق تحقيق مشروع الأهداف المرفوعة من أبناء الجنوب ؟ بل بسؤال أكثر مباشرة :لماذا تراجعت وخفتت جذوة الحراك الجنوبي باعتباره حاملا لمشعل القضية الجنوبية ؟ وما هي الأسباب الكامنة والمعيقة التي تؤثر في فاعلية الحراك وتحد من انطلاق مسيرة القضية الجنوبية ؟ وكيف أدى به الأمر إلى هذا التشظي والانقسام قبل أن يبلغ مراده ؟
قد يقول قائل أن ما تقدم غير صحيح وان القضية الجنوبية تسير بخطى وإنها استطاعت أن تبلغ من القوة ما يمكنها من النجاح ، وان الحراك الجنوبي استطاع أن يحمل مشعل القضية ويوصلها إلى رحاب النور .
صحيح .. كل ذلك صحيحا إلى حد ما ولا جدال فيه ,, فقد غدت القضية الجنوبية أشهر من نار على علم وتجاوزت حدود التضييق ومحاولة التهميش , وأصبحت تناقش على أعلى المستويات في دوائر إقليمية ودولية وفي أروقة الأمم المتحدة .
لكن ,, هل ذلك كل شي وهل ذلك هو غاية ومراد ومطلب أبناء الجنوب ؟ وهل هذا مشروع هدفهم الذي قدموا من اجله آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين ؟
الحق أن الجنوبيون لم يتفقوا بعد على كلمة سواء تجاه مشروع هدف معين يفضي إليه حل القضية الجنوبية , ربما تكون الأغلبية مع عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل مايو 1990 أي إلى مرحلة الدولتين في اليمن , لكن هذا الجمع يختلف في الوسيلة والطريقة التي يمكن بها ومن خلالها تحقيق هذا الهدف / المشروع . هل من خلال فك الارتباط أو عن طريق استعادة الدولة أو على قاعدة التحرير والاستقلال , على أن هناك آخرون يرفضون هذا المشروع جملة وتفصيلا ويتبنون مشروع الفيدرالية , ومنهم من يرى أن تكون مزمنة وآخرون أن تضل على طول وان يبقى سقف الوحدة ( منصوبا ) على الرؤوس ،ناهيك عن تيار الأقاليم الذي بدأ صوته يرتفع مؤخرا وهو يمتلك من الدعم والنفوذ ما يساعده ربما أكثر من غيره على تحقيق نقاط .. وأقول نقاط .. في سياق أهدافه وليس هدفا متكاملا آمنا ومستقرا على ارض الواقع ، ولذلك فان استقراء موضوعي بعيدا عن الشطط والتمترس خلف الشعارات أو الرؤى المسبقة النتائج والاشتراطات يتطلب من قوى الحراك الفاعلة إلى ضرورة إعادة هيكلة القضية وتصفيتها من الشوائب , حيث والسواد الأعظم من أبناء الجنوب يعيشون خدعة ( وهم ) القيادة ولا يرون عليها غبارا يذكر وتجدهم متشيعون لها حد التقديس والتأليه .
قد يغضب هذا الرأي البعض لكنه الحقيقة التي لا مفر منها والتي يعمل الشارع الجنوبي على الهروب منها أو مناقشتها باستحياء ويتمثل منطق النعامة في التعاطي مع جوهر الأحداث والوقائع .
ماذا قدمت تلك القيادات ( التاريخية ) للقضية الجنوبية ؟ وما هي المكاسب التي استفادها الحراك الجنوبي من تشيعه لهذا الرئيس أو ذاك الزعيم ؟
إن الشطط والتنافر والتناحر وعدم قبول الآخر وحالة التهميش والإقصاء التي يتبعها المحسوبون علي القضية الجنوبية كقادة وزعماء ، هي من قادت إلى هذا الوضع الكارثي للجنوب وأهله , وان أساليب هؤلاء القادة والزعماء تجاه الشارع وحالات الاستقطاب والاستقطاب المضاد أو تأجيجه هي من أوجدت الفجوات وخلقت النزاعات في صفوف قواعد الحراك ، يضاف إلى ذلك ارتماء معظم إن لم يكن كل القادة والزعماء في أحضان قوى ودول هي في الأساس في عداء صارخ مع القوى والدول الفاعلة والمؤثرة إقليميا ودوليا والتي لها اليد الطولى في العمل على تحقيق أي أهداف لأي شعوب , وهو الأمر الذي ألقى بضلاله على القضية الجنوبية .
وإذا ما نظرنا إلى طبيعة ( الخلافات ) التي وصلت حد التناحر بين هؤلاء القادة والزعماء ،لا نجدها خلافات موضوعية على قضايا جوهرية تصب في صالح القضية الجنوبية وأبناء الجنوب , بقدر ما نجدها ( هلوسات ) ونزاعات شخصية وتصفية حسابات مراحل سابقة من المراهقة السياسية , وعملية تجارة بالقضية .
وحكاية إن الحراك الجنوبي استطاع أن ينظم عشر مليونيات وان يخلق عصيان مدني في معظم المناطق .
وهل الخروج في مسيرات ولو شارك فيها الأحياء والأموات أو فرض عصيان بالطاعة أو بالقوة هو من يحقق الهدف ,إن ذلك لن يجد نفعا صحيح له تأثيره ولكنه تأثير محدود فهو مجرد وسيلة من وسائل شتى ضمن برنامج نضال سلمي يحوي أساليب وطرق نضال متعددة ويجب أن تكون متواصلة .
أتعجب كيف لا زال التشيع للزعماء والقادة فيما الكل يدرك جيدا بأنهم سبب الانتكاسات التي تصيب القضية الجنوبية كل يوم في مقتل ، وأتساءل كغيري لماذا لم تتخلق قيادة ميدانية يعتمد عليها في الشارع الجنوبي , بعيدة ومستقلة عن أملاءات ووصاية القيادات ( المعتقة )و( الحرس القديم ).
أتذكر كيف سارت مسيرة الحراك الجنوبي خلال الفترة منذ إعلان قيامه عام 2007م وحتى عام 2009 م مع بدء خروج تلك القيادات والزعامات من ( أوكارها ) الوثيرة الناعمة ،وكيف كانت فاعلية الحراك وقوة كلمته وموقفه الناضج المستقل من تبعات طهران أو جدة أو غيرهما وقد كان موحدا وقد بدأت تتشكل قيادات ميدانية مستوعبة صهرتها معاناة الناس وكابدت مثلهم في الميادين والساحات , وغير متسلقة على معاناتهم قبل أن تنبرئ القيادات ( المعتقة ) للالتفاف على هذا الزخم لتحيك خيوط تآمرها وتركب الموجه وفق أجندات خارجية مختلفة تتكسب من وراءها تلك القيادات , فيما كانت تلك القيادات قبل نضوج الحراك تعيش صمت أهل الكهف ولم نسمع لها صوتا تجاه معاناة الجنوب وأهله .
وهذه الوضعية تذكرني بذات الحال الذي اتبعه كثير من القادة والزعماء اليمنيين عندما قفزوا من مركب علي عبد الله صالح الذي أوشك على الغرق في طوفان ( الثورة الشبابية ) عام 2011م ليتسلقوا على سفينة الثورة ثم أذا بهم يلتفوا عليها ويعطلوا مجرى سيلها , لينحرف وفق أهواءهم ومصالحهم وخططهم لتفقد الثورة بذلك وهجها والقها ويسقط مشروع حلمها .
ومن يستقرئ بموضوعية قرار مجلس الأمن الأخير حول الوضع في اليمن يجد إن مسببات لجؤ المجلس صيغة القرار بهذا الشكل وفقا والبند السابع فيما يخص القضية الجنوبية مرده إلى فحوى التناحرات القائمة بين القيادات والزعامات الجنوبية , وعدم استطاعت الجنوبيون الاتفاق على ممثل وحامل للقضية الجنوبية يمكن الجلوس معه والاستماع منه لتطمينات للدول الأخرى بان مصالحها في مأمن وان إيجاد حل جذري مرضي للقضية لا يعني عودة آلية النظام ما قبل عام 1990م في الجنوب .
صحيح إن الحراك يعتبر حاملا للقضية الجنوبية , لكن ما هو الحراك ؟,, انه ليس بحزب منظم ولا جماعة أو منظمة مؤطرة ، هو مجرد مسمى ومصطلح تتداخل فيه وتتقاطع التكوينات ومصالحها وهو طيف شعبي واسع لا ضوابط له , وتفرقه النزاعات أكثر مما تجمعه القواسم المشتركة .
وخلاصة القول لابد للطليعة الواعية في الجنوب أن تخرج من جلباب ( الرئيس ) و ( الزعيم ) وتنأى بنفسها عن صغائر الأمور ، وترتقي إلى بجهودها ورؤاها ونظرتها إلى مضمون وجوهر القضية الجنوبية وان تعمل على لملمة صفوفها واختيار وتحديد أجندتها وان تمسك زمام القيادة وترمي وراء ظهرها تناحرات القيادات والزعامات التاريخية والمعتقة , وان تقوم بحملة تعبئة وتوعية واسعة في الشارع الجنوبي لفضح حقيقة خلافات تلك القيادات ، وعلى الشارع الجنوبي أن يستوعب متغيرات الأحداث ويدرك حقيقة الأوضاع ويتخلى عن النرجسية المفرطة ويصحو من غفوته وحالة التنويم المغناطيسي التي لا يرى من خلالها سوى صور الرئيس أو الزعيم ,إن فعلا يبحث عن أفق لتحقيق أهدافه .
خاص بصحيفة عدن اليوم