الخطاب العنصري الدوني
عادةَ ما يكون الدافع لممارسة العنصرية هو الشعور بالتفوق و لكن احيانا قد يكون الدافع هو الشعور بالنقص لدرجة تدفع الانسان الذي يعاني من عقدة النقص الى ممارسة اعمال توصف بالعنصرية و هذا الشكل من اشكال العنصرية هو السائد في اليمن.
و هذا التوجه نراه في التيارات المعادية لانصار الله حيث يتبنون خطاب اعلامي قائم على فكرة التنميط العنصري بوضع فرضيات وهمية و اسقاطها على انصار الله و من ثم محاكمتهم من خلالها و ليس من خلال واقعهم و منهجم الفكري الذي يحملونه بهدف خلق حالة من العداء و الكراهية ضدهم. ولان تلك الفرضيات غير صحيحة نجد انها تتناقض مع بعضها البعض, كاتهام انصار الله بتبني مشروع خارجي و في نفس الوقت اتهامهم بتبني مشروع استعادة الامامة الذي عمرة اكثر من الف سنة و لا يمكن وصفه بالخارجي.
وحتى على فرض صحة الفرضية القائلة بان مشروع انصار الله خارجي فأن هذا لا يعد عيبا في حد ذاته لأن هناك جماعات واحزاب في اليمن تتبنى مشاريع فكرية و سياسية اتت من خارج الحدود كمشروع الاخوان المسلمين و السلفيين و مشروع الحزب الاشتراكي و الناصري و البعثي. اضف الى ذلك ان فكرة النظام الجمهوري و الديمقراطي هي بالإساس مشاريع خارجية و هذا لم يمنع كل القوى السياسية من تبنيها.
الفكر العنصري بطبيعته فكر اختزالي يجرد الضحية من خصائصها الانسانية و يحولها الى شيء مجرد يجسد وجودها جوهرا شريرا يستوجب ازالته. و هكذا اصبح الحوثيين هدفا للتصفية و الابادة لمجرد انهم شيعة و هاشميين. و هذا التوجه كان واضح في الخطاب الاعلامي المضاد لانصار الله منذ بداية الحرب الاولى و الذي استخدم مفردات متطرفة مثل السحق, الابادة , الاستئصال, الارض المحروقة.
و كدليل واقعي على تأثر المجتمع اليمني الى حد ما بالأفكار العنصرية الوافدة هو قيام حسين الاحمر بعقد مؤتمر لقبائل حاشد في مدينة خمر يوم 5 اكتوبر 2010 تحت عنوان استئصال الحوثيين من حاشد. و خرج هذا المؤتمر بوثيقة تتضمن عدة بنود اهمها : (إنه في حال اكتشاف أي فرد من أفراد القبيلة يحاول الانتماء أو المناصرة أو نشر أفكار المتمردين الحوثيين فإن دمه وماله وحاله مباح للقبيلة). و تلقفت بعض وسائل الاعلام الإلكترونية هذا الاتفاق وكانه انتصار و روجت له بصورة احتفالية. و على مدى سنوات تم تنفيذ بنود الاتفاق بحق من يتهم بالانتماء لانصار الله في حاشد حيث قتل و هجر المئات و تم هدم عشرات البيوت بعد تهجير سكانها منها. و لم تحرك الدولة و المنظمات الحقوقية ساكنا كما لم تدن ذلك الاتفاق وما ترتب عليه من مظالم. لان المجتمع المتأثر بالأفكار العنصرية يصبح غير عقلاني و يتحرك في اطار الاحكام المسبقة و يقاوم الاحتكام للقيم الاخلاقية التي يعتقد بها.
و الثقافة العنصرية تعد ثقافة وافده و جديدة على المجتمع اليمني وليست متأصله لان التعايش السلمي بين المذاهب كان من اهم السمات التي ميزت المجتمع اليمني عن غيره من المجتمعات الاسلامية. و التيار (السلفي – الاخواني) المتأثر بالتوجهات السعودية هو المسئول الرئيسي عن تنامي ظاهرة النزعة العنصرية في المجتمع اليمني. حيث يسعى هذا التيار الى استغلال الموروث التاريخي و الطبقي لتعميق الشعور بعقدة النقص لدى الكثير من فئات المجتمع اليمني و تحويلها الى نوع من الكراهية ضد الهاشميين و التي تنسحب بدورها على المحسوبين عليهم لاعتبارات طائفية و سياسية. و يصور التيار "السلفي – الاخواني" التوجه نحو اثارة الكراهية على انه شكل من اشكال التحرر من هيمنة الهاشميين و التحرر من التمييز الطبقي. و هكذا يقع الكثير من المواطنين ضحية للثقافة العنصرية الوافدة من السعودية دون ان يدركوا ابعادها السياسية و الاقليمية.
ان الكثير من المتشبعين بثقافة الكراهية ضد الهاشميين بحجة التحرر والمساوة تجدهم انتقائيين في مبادئهم. فهم يعلنون العداء للحكم الامامي الذي لم يعد موجودا بحجة انه سلالي و يقدسون الحكم السلالي لإل سعود و يبررون كل تجاوزاته ضد شعبه و ضد العمال اليمنيين و يتغنون بماضي الحكم السلالي لبني امية. و تراهم ينتقدون النظام الطبقي في اليمن محملين الهاشميين مسئوليته و هم يمارسون الطبقية على من دونهم من الطبقات و يتغاضون عن النظام الطبقي في السعودية الذي يمنع بقوة القانون ما يسمى بالزواج غير المتكافئ بين الطبقات و يصل الامر الى حد التفريق بين المرء و زوجه.
و الغريب ان المتشبعين بثقافة الكراهية ضد الهاشميين بحجة العزة و الكرامة تجدهم متشبعين بثقافة الشعور بالدونية و الذل و الهوان تجاه كل ما هو سعودي او امريكي. فتراهم يثورون عند سماع كلمة سيد اذا كان المقصود بها احد الهاشميين و يصمتون اذا كان المقصود بها الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز او السفير الامريكي.