قراءة في اخلاقيات تعاطي الاعلام والمنظمات الحقوقية مع مشهد جنوب اليمن
كثيرة هي وسائل الاعلام المتعددة في عصرنا الراهن عصر الحداثة والنهضة التكنولوجية، لكن هذا الكم الكبير من وسائل الاعلام عربية كانت أو أجنبية لم يرتق بعد إلى الاستقلالية الكاملة، ويفقتقر للنزاهة والحيادية وأخلاقيات المهنة، وهنا اجزم القول بوصف وسائل الاعلام هذه الوصف الذي اسلفت لقناعة شخصية تولدت ليس من مجرد تكهنات أو سرد جمل انشائية أو كلام يحمل المبالغة، بل حقيقة لا لبس فيها على الاطلاق، وواقع نعيشه ففي جنوب اليمن وعلى امتداد سنوات عديدة يعيش أبناء الجنوب واقعا مأساويا ويشهد هذا البلد أحداثا فضيعة كل يوم بل تستطيع القول كل ساعة. تخيل أنك شخصيا تعيش واقع الأحداث اليومية هذه وتجلس أمام شاشة التلفاز تتابع نشرات الأخبار من أشهر القنوات الفضائية الأخبارية، ولا تجد أدنى تلميح أو شبه خبر يذكر ما يحدث في الجنوب، بالطبع الأحداث كبيرة، تتنوع بين قصف قوات الجيش اليمني لمدينة جنوبية أو قرية وابادة العشرات من الأطفال والنساء، مظاهرات مليونية في هذه المدينة الجنوبية وتلك، عصيان مدني واسع، متغيرات سياسية على أعلى المستويات، كل هذا لم تجد لها أي ذكر لا في قناة اخبارية ولا في صحيفة أو وكالة أنباء، والشيء الذي يدعو للمسخرة والقرف عندما تجد مثل وسائل الاعلام تلك تتحدث عن مصرع شخص في الصومال أو مرض كلب في أوروبا وما شابه ذلك من أخبار، الأمر الذي يجعلك تكفر بوسائل الاعلام تلك وتكفر بحيادية مهنة الاعلام، وتؤمن بمدى غياب المهنية وشرفها الذي يدعيه كل إعلامي عربي أو أجنبي عندما تجد بعض القنوات الفضائية تخصص برنامج ما للشأن الجنوبي وتتعاطى مع مادتها الصحفية بصورة مقلوبة وبعيدة عن الواقع، فمن عدم صحة الأخبار التي
تتناول الحدث أو قضية ما في الجنوب إلى مضمون المادة الصحفية البعيد عن الواقع، بالإضافة إلى استضافة شخوص الحلقة، عندما تعمد تلك القنوات على توجيه سؤال يخص ثورة الجنوب إلى شخص يعد (العدو) الحقيقي لثورة الجنوب بانتمائه للسلطة اليمنية وتبحث عنده باجابة للسؤال أو مبرر لشيء مزعوم، واجمالا تأتي استضافته لتمثيل الجنوب، وصحيفة أخرى تبحث عن تصريح صحفي يخص أحداث الجنوب عند شخص لا علاقة له بالجنوب ولا يمثل ثورة الجنوب بل لا ينتمي إلى أي هيئة في الحراك الجنوبي، وتلك القناة أو الاذاعة تستلطع آراء الشارع الجنوبي في مدينة أو محافظة شمالية وبلسان شماليين على أنهم جنوبيين، أنها مهزلة إعلامية بكل أسف وحزن.
من جانبها المنظمات الحقوقية والإنسانية التي تسهب كثيرا في التعاطي مع زواج القاصرات أو في حق البدون الكويتيين وحقوق الحيوانات في حديقة للحيوان في الهند أو أوروبا وغيرها، ولم تتطرق تلك المنظمات إلى مجازر بشرية يرتكبها الجيش اليمني في جنوب اليمن، بل الشيء المثير للضحك عندما تورد منظمات على مستوى كبير كمنظمة "هيومان رايتس وواتش"، أو منظمة "العفو الدولية" في تقاريرها مجرد ذكر طفيف لما حدث وتطالب الحكومة اليمنية ارسال لجان تحقيق، أي أنها تطالب الجلاد أن يذهب لتقصي الحقائق، ولم تكلف نفسها عناء توجيه حتى مجرد ادانة للمجازر والجرائم المرتكبة في الجنوب.. فهل وصل بعالم اليوم الانحطاط إلى هذا الحد