اليمن ومحاولة تمرير مؤامرة الفيدرالية باقليمين
اعلنت صنعاء مؤخرا تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم وشرعت في مواصلة تفاصيل مسرحيتها تلك المتمثلة بالحوار اليمني ومحاولة طرح مخرجاته من خلال الترويج لها بشتى الوسائل والطرق، وجاء هذا الاعلان منبئا بفشل ذريع لحوار دام حوالي عشرة أشهر اخفق منذ الوهلة الأولى في اختيار الأطراف المشاركة فيه، فالجنوب رفض المشاركة جملة وتفصيلا ولجأ القائمون على مؤتمر الحوار إلى اختيار اشخاص لا علاقة لهم بأي مكون حراكي فاعل، بالإضافة إلى محاولة الزج بأسماء شخصيات يمنية بناء على اعتبارات غير صحيحة، وبما أن كل نتائج الحوار قد تم اعدادها مسبقا عند التوقيع على المبادرة الخليجية بين الاطراف المتصارعة على السلطة في صنعاء بعيدا عن الجنوب الذي تجاهلته تلك المبادرة ولم توجه أي دعوة للحراك الجنوبي، والجنوب وثورته هما المستهدفان الرئيسيان حيث تحاول صنعاء شرعنة واستمرار بقائها في الجنوب من خلال فرض الفيرالية باقليمين وليس ستة أقاليم وتمرير خدعتها هذه يستحيل تمريرها ببساطة وعليها أن تتبع مناورات ولعب كثيرة منها استخدام مسألة الاقاليم الستة كفزاعة أمام الجنوبيين الذين قد يخافون تقسيم الجنوب إلى إقليمين خصوصا في ظل وجود ذات السيناريو الذي تسير احدى حلقاته في الترويج لما يسمى بدعاة استقلال حضرموت وهناك الأصوات التي تنادي باقليم المهرة وسقطرة، وتسعى صنعاء إلى الترويج لبعبع الأقاليم من ناحية ومن أخرى تدفع بآخرين لمعارضة فكرة وقرار الاقاليم الستة، بينما يحاول البعض تهويل مخاطر تقسيم الجنوب إلى إقليمين، وتتوهم صنعاء ومؤيدو الفيدرالية أنهم سيصلون في نهاية المطاف إلى تحقيق قبول شعبي لفكرة الفيدرالية باقليمين، وأن الجنوبيين قد يشعرون بارتياح عند العدول عن قرار الستة الأقاليم وسيقبلون بالجنوب كأقليم في ظل دولة يمنية واحدة ويتوقع ان تكتمل حلقات هذا السيناريو بقرار مجلس الأمن الذي سيأتي لطرح فكرة الدولة باقليمين كمخرج لمزعوم ازمة الأقاليم الستة، وكانت الكثير من صور ومشاهد السيناريو قد سبقت ظهور المخرجات بكثير من الأمور لبس أقلها التعامل مع الجنوببين بعنف من خلال ارتكاب المجازر بحق السكان بصورة اجرامية ولا مبالاة يقابل تلك المجازر والجرائم تعتيم إعلامي خارجي متعمد وصمت عربي ودولي متعمد أيضا، يأتي في سبيل طرح الجنوبيين أمام أمر واقع ان بمقدور صنعاء ابادتهم دون أي ادانة من المجتمع الدولي ومنظماته الانسانية حتى يتولد اليأس في صفوف الجنوبيين، لكن الكثير من الاخفاقات التي يشير إليها الواقع طرأت على مؤتمر الحوار الشكلي قبل انتهاء مدته الزمنية المخصصة له، فممثلي أنصار الله الذين شاركوا في الحوار وسعوا إلى تحقيق فوائد منه كان قد دفعوا بممثلين يتمتعون بعقول سياسية ومتخصصين ذو مؤهلات وخبرات مشهود لها أمثال الدكتور احمد شرف الدين، الأستاذ الأكاديمي والخبير في القانون وأصول الشريعة والفقه، وغيره من الشخصيات التي تتمتع بكفاءات وخبرات عالية، وهو ما سبب الكثير من العراقيل لمحاولات تمرير فصول مسرحية الحوار على أنصار الله فلجأت الأطراف الرئيسية في اللعبة إلى محاولة ارباك أنصار الله من خلال الدفع بهم نحو حروب مع السلفيين في صعدة ثم مع رجال القبائل وعناصر حزب الاصلاح، وفي حين أدركت تلك القوى مدى القوة التي بات الحوثيين يتمتعون بها في ادارة معاركهم ميدانيا وسياسيا وإعلاميا، فلم يكن أمامها من بد إلا تصفية أهم الشخصيات الحوثية المتواجدة في مؤتمر الحوار خصوصا تلك الشخصيات الذي يصعب تمرير أي ألاعيب عليها، فعمدت على اغتيال عضو مجلس النواب الدكتور عبد الكريم جدبان الشخصية الأبرز في تأسيس حركة الشباب المؤمن التي نتج عنها ظهور حركة أنصار الله، ومن ثم اغتيال الدكتور أحمد شرف الدين الأستاذ الجامعي والخبير في شؤون القانون والتشريعات، ولم تكن باغتيالهما قد استطاعت اسدال ستار مسرح الحوار بحسب السيناريو المعد مسبقا، فالمفاجأة الكبرى تمثلت عقب الاعلان عن مخرجات الحواى بتوجيه أنصار الله صفعة قوية في وجه أولاد الأحمر وحلفائهم وذلك بالحاق هزيمة كبرى فيهم وكسر شوكة واحدة من أكبر قوى النفوذ في السلطة والمال والمجتمع القبلي في اليمن، وبمجرد الاعلان عن التقسيم الجديد لليمن إلى أقاليم ستة يدخل من ظمنها الجنوب باقليمين حتى ظهر موقف الحوثيين الرافظ لهذا التقسيم، وكما ذكرنا نستطيع قراءة الوضع الراهن وتحليل محتويات ما تبقى من حلقات المسلسل أن صنعاء ومعها حلفائها ودعاة الفيدرالية تسعى إلى إعلان فيدرالية من اقليمين في نهاية المطاف للمسلسل، وليس كنهاية لفرض واقع تحاول صنعاء بلوغه لكن من الصعب تحقيقه لاعتبارات ليس اقلها شأن موقف شعب الجنوب الرافض لمؤتمر الحوار من أساسه، بالإضافة إلى أهم عامل يتمثل باستحالة تأسيس دولة مؤسسات مدنية في اليمن جراء الكثير من العوامل مثل تأصل الفساد وتغلغله في النفوس كثقافة وطبع في النفوس ضف إلي ذلك قوة العرف القبلي السائد في العربية اليمنية والصراع المذهبي والطائفي ومراكز النفوذ من قوى المال والسلاح، والذين لن يقبلوا بأي تغيير حقيقي يخرجهم من لعبة المصالح والنفوذ السياسي بالاضافة إلى الكثير من الأمور التي يصعب تغييرها أو القضاء والتغلب عليها
بسهولة، عندئذ ستحضر لعبة الارهاب والقاعدة وأنصار الشريعة وسيبرز صناع العنف للعب باوراقهم وتنفيذ رغبات خارجية وغيرها، هذا بالاضافة إلى ارث كبير وحمل ثقيل من مخلفات السياسة والقبيلة والعلاقات المشبوهة ليس اقلها التواجد الأمريكي في اليمن والوعود والاتفاقيات السرية المبرمة مع بعض دول المنطقة العربية والغرب، عندها سيجد الجميع أنفسهم أمام وضع آخر لا علاقة له بالسيناريو الذي تم اعداده مسبقا، وسيعود اليمن إلى ذات المربعات التي اعتاد العيش عليها كواقع حقيقي يتناسب وبيئته المعتادة.
وبالنسبة لشعب الجنوب فأنه أمام تحدي عليه مواجهته والمواجهة الناجحة والمضمونة تتمثل في مدى فهم اللعبة والسيناريو الجاري، وعلى الجنوبيين ادراك تفاصيل اللعبة التي تحاول صنعاء وحلفائها ايصالهم من خلالها إلى القبول بفيدرالية باقليمين، وعليهم ادراك حقيقة واقعية لا غبار عليها أن القبول بالفيدرالية سواء من اقليمين او غيرها يعني التنازل عن شرعية قضية الجنوب والقضاء على ثورتهم وشرعنة الاحتلال.