عندما يُفخخ رئيس دولته!!
الجميع يشكون من لجنة الاقاليم, لا يوجد طرف سياسي وازن أيدها أو امتدح طريقة تناولها للموضع الذي كُلفت به, أغلب المحافظات ليست راضية بالأقاليم المقترحة لها, أبناء الجنوب صاحوا من أقلمة داخل الجنوب, سقطرة والمهرة تستغيث, شبوة تحلف وتتوعد, ابين والضالع وردفان ولحج يعترضون فالثرة الوحيدة التي لديهم هي "الدوم", أبناء الجوف ومأرب يصيحون خشية من تعداد ذمار السكاني الذي قد يطغى على اقليمهم, وابناء ذمار سيضطرون للسفر الى مأرب –وصنعاء أقرب لهم- لإكمال مُعاملاتهم لو أصبحوا ضمن هذا الإقليم, ابناء تهامة ضاعوا في الوسط, فلا توجد قوة سياسية وازنة تدعم مطالبهم, صعدة و عمران ومحافظة صنعاء سيكون اقليم ثروته الرياح والطاقة الشمسية والتقطعات والحروب الاقليمية عند الضرورة, وأمانة العاصمة ليست من ضمن الاقليم.
مشاكل لا حصر لها, والأغرب من كل ذلك أن الجميع يصيحون, وهذا بدوره يبعث على سؤال كبير ومهم ومفصلي وهو: اذا كانت أغلب المحافظات نددت واعترضت, واغلب القوى السياسية عبرت عن نفس الوقف, والحِرَاكات المختلفة تندد, والنخبة الثقافية بمختلف مشاربها الفكرية تكتب وتحذر, فمن وراء الموضوع طالما الكل يتباكون؟ من المُخطط؟ وأين تطبخ تلك الصفقة؟ وفي أي جهاز استخبارات أو مركز بحث مرتبط بمصالح دولة معينة؟.
فخامة الرئيس كلنا نعلم أن البحث في شكل الدولة والأقلمة جاء بناء على مُتطلبات القضية الجنوبية, ولم تكن هناك أي من تلك القضايا الى ما قبل مؤتمر الحوار, وبالتالي يجب أن يُنظر الى ذلك الملف من زاوية حل القضية الجنوبية فقط.
فخامة الرئيس: بصراحة ومن الآخر وبدون مقدمات, عليكم الضغط باتجاه اقليمين فقط وبحدود عام 90م, فذلك هو الحل الأقل كلفة والأقل مخاطر كذلك, فالأقاليم الستة بحاجة الى أربع عواصم جديدة على اعتبار ان صنعاء وعدن جاهزتين, وبحاجة الى وزارات في كل اقليم ومجالس نواب وغيرها من التعقيدات القانونية والتكاليف المالية الباهظة التي لن تتمكنوا من توفيرها, خصوصاً أن خزينة الدولة تُصفر فيها الريح كما تُصفر في عقول المستشارين المحيطين بفخامتكم.
هل يعلم فخامتكم أنكم عبر ذلك المشروع –الستة أقاليم- كمن يحمل حزاماً ناسفاً ويعود به الى بيته المكون من عدة غرف ويفجره داخل البيت بكل ما فيه؟.
أعرف أن خيار الاقليمين سيزعج بعض مراكز القوى مثل عائلة صالح وعائلة الأحمر وعائلة شركة "توتال" الفرنسية, بسبب مصالحهم النفطية في الجنوب, لكن من السهل عليك اقناع تلك القوى, أو وضعها أمام الأمر الواقع, يجب ان تقول لهم بصراحة: لن نقسم الجنوب الى اقليمين لنحمي مصالحكم النفطية, ولن نقسم الشمال الى اربعة لنحمي مصالحكم السياسية المستمدة من مشاريعكم المناطقية والطائفية, لن نُفجر اليمن من أجل سواد عيونكم.
فخامة الرئيس: مواجهة تلك المراكز أسهل بكثير من مواجهة تداعيات الحزام الناسف الذي تحملونه لليمن, تلك المراكز أصبحت أضعف بكثير من ما كانت عليه عام 2011م, فقط عليك قراءة الواقع والمتغيرات جيداً وستلاحظ أنك لا تزال تتعامل معهم بمعادلة ما قبل وصولك الى رئاسة الجمهورية, تلك المعادلة تغيرت كثيراً, لكن المحيطين بك من مستشارين وموظفين وأمنيين لا يزالون يُعيشونك عن عمد في اجواء ما قبل وصولكم الى الرئاسة.
فخامة الرئيس: اقليم في الشمال واقليم في الجنوب هو الحل الأمثل للمعضلة, والأقل كلفة, وحتى في أسوأ الاحتمالات لو فشل فسنعود دولتين وسنظل شعب واحد, لكن خيار الستة أقاليم امكانات تطبيقه مُنعدمة في ضل هذا الانهيار الواضح في كل مؤسسات الدولة وبالأخص الأمنية والعسكرية, ومخاطرة أكبر بكثير ونسبة تحققها أعلى, وسيعيدنا الى ما قبل عام 67م في الجنوب, والى ما قبل عدة قرون في الشمال.
أعتقد أنه لا يشرفك أن تختتم مسيرة حياتك السياسية الحافلة بأن تكون آخر رئيس لليمن الموحد, لا اريد أن تُصبح "غورباتشوف اليمن", مع أن الوضع في الاتحاد السوفيتي كان مختلف وأكثر تعقيداً, فقد كان مكون من عدة دول, وعدة اعراق واثنيات وأديان مختلفة.
لكن فخامتكم اذا استمريتم في مشروع الستة أقاليم فإنكم بذلك ستفككون دولة ذات شعب واحد ودين واحد وعرق واحد تقريباً, دولة يجمع بين أبناءها أكثر ما يجمع بين أبناء العاصمة الروسية موسكوا نفسها, وبذلك ستضعون اسمكم في مكان لم يسبقكم أحد اليه وقد لا ينضم لكم أحد لاحقاً, خصوصاً أن دول العالم وشعوبه تتجه الى الاتحاد والتكتل.
فخامة الرئيس: أطلب منك الاجتماع بعدد من الباحثين والمختصين الوطنيين في هذا الشأن وبالأخص العارفين بالقضية الجنوبية, ومن هؤلاء الكاتب والباحث طاهر شمسان, فوالله أنه أكثر فهماً للواقع وللتاريخ ولظروف وملابسات حل القضية الجنوبية من كل الخبراء الأجانب الذين تَسحرك زُرقة أعينهم وطول قاماتهم وهندامهم.
اجتمع بنخبة بلدك, لا اريد أن يعزلك السفراء وخبرائهم عن واقع مجتمعك وظروف بلدك, لدينا نخبة مفكرة رائعة تعرضت للتهميش أيام صالح عن عمد, وتتعرض للاستبعاد في ايامك عبر السور الحديدي الذي أحاطت بك عبره مراكز القوى التقليدية والسفارات الغربية.
فخامة الرئيس: يقول المثل "ما خاب من استشار", لكن قائل المثل يعني أن تستشير الناصح الأمين, وليس المُتمصلح أو العميل.
أتمنى أن تأخذ نصيحة ابنك علي البخيتي صاحب الحدأ فقد يكون أكثر حباً لك وللبلد من كل من يصفقون لك ويحيطون بك.