مأزق الحراك الجنوبي - الإرث الإشتراكي والهوية اليمنية
معروف أن بداية ظهور الحراك الجنوبي كان بكوادر وقيادات اشتراكية ،وأولى اللقاءات والاجتماعات كانت في مقرات الحزب المُختلفة ومن منظماته القاعدية ووفقاً للنظام الداخلي "للحزب الإشتراكي اليمني" فقد كانوا يقوموا بواجبهم الحزبي والوطني فلكل منضمة حزبيه حق التصرف وفق المعطيات الاجتماعية للمنطقة التي تعيشها وتحت المظلة الوطنية لنضال الحزب السياسي والاجتماعي. فكيف تحول الحراك الجنوبي من حراك شعبي اشتراكي لاستعادة "دوله اليمن الشعبية" والتي تعتبر مُنجز وإرث اشتراكي إلى حراك جنوبي لا علاقة له بقياده الحزب ولا بالهوية اليمنية ويطالب بتحرير الجنوب العربي أو الجنوب الحُر ويُقدم نضاله السياسي والحقوقي كنضال في الجُغرافيا ؟ هناك تاريخياً خصوم طبقيين "للحزب الإشتراكي اليمني" في الجنوب إذ كان حاكماً ،مازالت تحمل الحقد عليه والتخوف منه، وهي القوى التي شعرت أن الحزب حاربها وخاصة بقانون التأميم والإصلاح الزراعي وهم الإقطاعيين والسلاطين والمشائخ والأُمراء والتُجار مَن انتصر الحزب للقوى الاجتماعية الكادحة على حساب مصالحهم. أيضاً الفلكلور الشعبي والتنوع الثقافي في الجنوب ثري لهذا تحاول دول الإقليم والعولمة دعم هذا التنوع الثقافي وخلق منه هويات سياسيه كالهوية "الحضرمية". وهناك قوى يَمينية وأصوليه ورجعية تملي على الوعي البسيط للشارع الجنوبي أن سبب المُشكلة هو الحزب الإشتراكي و"وفتاح" هو من جاء بالشيوعية إلى عدن وكان وجوده كرئيس للجمهورية كاستعمار شمالي. وهناك من داخل الحزب وقيادة الحراك من يطرح أن "البيض" أرتكب حماقة حين تقدم إلى الوحدة بدون ضمانات حقيقية للوحدة بل وبدون استفتاء الشعب الجنوبي! ،وأن الحماقة الأُخرى التي ارتكبها الحزب أنه لم يتبنى مطلب فك الارتباط منذ بداية الحِراك .. كل هذه الأسباب وغيرها أوجدت في الشارع الجنوبي حاله عداء مع الحزب ومع "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" كحقبة أرتبطت به ومع الهوية اليمنية التي تعني هوية الشمالي المنتصر في حرب 94 . القهر الذي يعانيه الجنوبيين من تحالف7/7 وحكم صنعاء جعل من هذا العداء ثابت يقوم عليه الحراك الجنوبي فأختفت صور الرئيس السابق عبد الفتاح إسماعيل(الشمالي) من فعاليات الحراك الجنوبي وعُمم العداء على كل اليمنيين الشماليين ، بينما كان يُمكن التحالف معهم (حتى تحت سقف فك الإرتباط) على أساس طبقي أن هذه السُلطة في صنعاء هي من تستبد بالشعبيين الشمالي والجنوبي وجميعهم ضحاياً لها ولإستغلالها ،لكن أَن يُنظر للشمالي مهما كان مركزه الاجتماعي وتياره السياسي كعدوا من منطلق جُغرافي أمر يُثير سخط وتخوف الشارع الشمالي الذي لا يرى في غالبه بالوحدة سواء إجازة العيد التي قد يقضيها لو تيسر الأمر يوماً في عدن . بتالي فهذا الخِطاب العداء مع الهوية اليمنية والجُغرافيا الشعبية الشمالية أوهن من نضال الحراك الجنوبي الذي لم يعد يناضل من واقع ما بعد 67 لاستعادة جمهوريته الشعبية بل أصبح يناضل من قبل 67 أي من قبل الاستقلال وتوحد الجنوب بهويه واحده هي "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" ،إن هذا الانحراف الخطير في سياق الحراك الجنوبي أربك المشهد الجنوبي، قياده الحزب والمتضامنين الشماليين مع القضية الجنوبية، والمتابعين السياسيين الذي رءوا في هذا التوجه إنتقاص للقضية الجنوبية وموضوعيتها . ما لم يكن متوقعاً من "البيض" بما يُمثله من حاله وطنيه جنوبيه باعتباره "الرئيس الشرعي" وبفصيلة الرئيس بثقله في الشارع الجنوبي ، لم يكن متوقعاً منه أن يدخل في حاله صراع مع التاريخ بحثاً عن هوية زائفة لا تلبي الحاجات الأساسية التي دفعت بالشارع الجنوبي للانتفاضة ، فالجماهير الجنوبية تريد دولتها دولة المؤسسات دوله العدالة الاجتماعية التي فقدتها بعد 90 بينما خطاب البيض يدفعهم في صراعهم مع سُلطة صنعاء للنضال من أجل دوله "الجنوب العربي" التي لم توجد أصلاً ولا شرعية سياسيه لها . استعاده "ج .ي.د.م.ش" كمطلب سياسي حق مهما تحفظ البعض ،وأيضا مطلب واقعي فهذه الدولة كانت موجودة حقاً ،لكن المطالبة بتحرير "الجنوب العربي" والانتماء "للجنوب الحُر" ! شيء غير واقعي فلم توجد هذه الدولة، ومن الصعب أن يجد هذا المطلب أي صدى خارجياً.. إن تهرب الحراك من الهوية اليمنية وانسياقه خلف هويات مصطنعة يشوش صوره صراعه العادل ويفقده الكثير من التعاطف حتى من رفاقه فالبيض كان قائد إشتراكي أُممي ورئيس جمهورية فكيف تحول خطابه الشرعي والسياسي استعادة الدولة إلى خطاب عاطفي قومي بنزوع شوفيني ؟! .. وكل ذالك الابتذال الذي تسوقه قناة "عدن لايف" تحت مسمى "قوات الاحتلال اليمنية" يُثير إستهجان الكثيرين ،الكثيريين ممن يؤمنون بأن هذه القوات هي قوات مُعادية للشعب الجنوبي وأن لأي للشعب حق تقرير المصير.