"الكفاح المُسلح" كعنوان قادم في سيرورة القضية الجنوبية
زرت عدن في عام 2008 تقريباً كتلميذ لا شأن له بالسياسة و إن تملص من الكتاب المدرسي فإلى الشِعر والرسم، وفي بيئة (حارة )سلفيه إصلاحية مؤتمريه كانت "الوحدة اليمنية القائمة " كما تُقدم لي مُقدسة وشعار" الوحدة أو الموت" لا يُعلى عليه ، حينها وللأول مره أُرى بعيوني المجردتين "الانفصاليين" فحتى الإعلام الرسمي حتى حينها كان يخفي أمرهم، في وقتها مقتهم كثيراً(أي الجنوبيين) وأنا أرى مسيرة ترفع علم "الانفصال" أيامها كان الوضع الثوري في الجنوب لم يتبلور بعداً، مرت المسيرة(وكانت صغيرة) قرب نقطة عسكرية دون حدوث أي صدام ،شاهدتُ قليل من الأعلام الجنوبية على المنازل وبعض الرسومات والكتابات على الجدران ممسوحة من قبل رجال الأمن على ما يبدوا .
لكن في زيارتي الأخيرة لعدن منذ ما يُقارب شهر مع الرفيق (عبد الرحمن عمر السقاف) أثناء طريق عودته إلى البيت من محاضرةً ألقاها عن رؤى (الحزب) في تعز، كان كل شيء عن الجنوب في وعيي قد تغير وما كان عاطفياً تجاه الوحدة –كحلم وشعار جميل- حل محله قضية شعب" جنوبي" كان له دولة مستقلة وهو مضطهد سياسياً واقتصاديا واجتماعيا وثقافياً ويُخضع بحكم عسكري منذ عشرين عام .
وليس وحده وعييّ من تغير فالشارع الجنوبي بدوره كان قد نضج بما فيه الكفاية ليُصبح ثورياً ، مع بدء تجاوزنا لموقع "برميل الشريحة" كانت أعلام (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية -سابقاً) هي الغالبة ،وإن حدث وشاهدت علم "الوحدة" فهو في نقطه عسكرية ومحمي بالدبابات. حينها شعرت بما يشعر به الجنود أن الوحدة الأيدلوجية التي تحافظ على صمودهم والحلم الذي يدافعون عنه غير موجود...، وأنهم يحمون خرقه بثلاثة ألوان لا وطن ...! ،وبأنهم معزولون عن الشعب بمدرعاتهم وجدران معسكراتهم (وخاصةً أن معظمهم شماليين) وإنهم يُفكرون مثلي ما جدوى الدفاع عن اللاشيء فإن كان هناك وحده فلم يتبقى منها سوى علم .
لقد تغير الشعب الجنوبي كثيراً وكان للأوضاع الاقتصادية النصيب الأسد في إعادة تشكيل مزاجه الطبقي ونظرته إلى "الثورة" وتعلم الدرس السياسي وخاصة بعد "ثورة 11 فبراير" ومصير "الشمال" ما تخفية وسائل الإعلام وما تنكره السلطة في صنعاء تفضحه جدران المدينة وعدن أنموذجاً ، الأعلام الجنوبية تكتسح المدينة الجدران تهتف ((حرية استقلال، استعادة دولة)) بل وتغني ((برع يا استعمار برع... من أرض الأحرار برع )) وتحذر من الزج بالشباب الجنوبي بمعارك الإخوان والسلفيين والحوثيين وآل الأحمر "في دماج" ، وأكثر ما شدني هي كتابه تقول "الوحدة مُشكله والحل...." ولم يُكتب الحل بل رُسم الطائر الجمهوري لليمن الجنوبي سابقاً ، و جمله أُخرى بخط لافت وكبير تقول ((أقترب موعد الكفاح المُسلح لتحرير الجنوب ))
وهذا ما يحدث اليوم الرئيس (هادي) أحرق رؤية "الدولة الاتحادية بإقليمين" الرؤية الأقرب لتطلعات الشارع الجنوبي ومشغولٌ يُعد طبخات من "6 أقاليم" وغيرها والتي هي حل لصراعات مراكز القوى والنفوذ الشمالية على مصالحها في الجنوب وليست حل للقضية الجنوبية ببعديها السياسي والحقوقي ، التي يُفترض أن يكون حلها حل عادلاً (أي القضية الجنوبية) مدخلاً لحل القضايا الوطنية كما توضح رؤية (الحزب الإشتراكي اليمني) التي تناولت القضية بعمق وطرحت الحلول بموضوعية استنادا إلى الواقع المادي اليوم وإلى جذر المشكلة منذ عام 90 و"وثيقة العهد والإتفاق" التي سبقت حرب 94 ، وطارحة الضمانات التي تحمي الوحدة الفيدرالية، بينما "رؤية 6 أقاليم" التي ظهرت من العدم في آخر أيام الحوار والتي لم تطرح على أعضاء الحوار لم تُناقش و لا احد يعلم عنها سوى إسمها !.
إن الشارع الجنوبي اليوم ينحاز للمقاومة المُسلحة في سبيل استعادة دولته ،بعد أن وصل لقناعة أن العمل السلمي لا يُجدي وخاصة مع نظام يتعامل بالآلة العسكرية مع السلميين ، كل المؤشرات تفيد بأن "الكفاح المُسلح" هو عنوان النضال القادم ، فالشارع لا النخب السياسية هي من تقرر هذه المرة كيف ستناضل وهي تتوعد بالرد المسلح والعنف الثوري في الدفاع عن نفسها وفي سبيل تحقيق أهدافها .
ربما لم يلحظ الكثيرين أنه بعد أن أعلنت "قناة البيض- عدن لايف " عن "البيان رقم 1" الذي تبنى المقاومة المسلحة كان حضور صور البيض بين المشيعيين في "الضالع" حضور كاسحاً يدلل لنا بان الشارع الجنوبي اليوم لم يعد حراكياً فصائليلاً بإمتياز وأن القضية أصبحت جامع وطني(جنوبي) هو مستعد أن يمضي خلف كل من يحمل مزاجه الثوري ، فبعد المجازر التي ارتكبها (ضبعان) بحق أبناء الضالع لو أن قناة البيض خرجت تمتدح العمل السلمي مؤكداً ما كان احد ليتابعها بعد ذالك .
في الجانب الآخر قوات "الهبة الشعبية" (القبلية) دخلت في خط الصراع كطرف قوي يقف في صف الحراك والشارع الجنوبي ،في هذه اللحظة مهما كانت سياساتها غير واضحة لما بعد الاستقلال لكنها اليوم تصب بنهرهم .
ظهور كتائب تسمي نفسها "كتائب شُهداء الجنوب " وتبنيها لعمليات عسكرية في مواقع عسكرية مع الجيش(الذي يُعامل كجيش إحتلال) ظهور هذه الكتائب وتبنيها الخيار المُسلح سيكسبها حالة تعاطف شعبيه وستتوسع "كحركة مقاومه" جماهيرية وسوف تشجع على قيام جبهات وكتائب أُخرى وإن كانت فصائلية أو مختلفة أيدلوجياً مع بعضها .
كل هذه الدلائل التي لم تعد مؤشرات وتطرح نفسها اليوم وبقوة كمعادل جديد في سيرورة القضية الجنوبية وخاصة مع تجاهل رؤية الإقليمين ،ومع بوادر فشل مؤتمر الحوار الوطني ، ومع اليأس الشعبي من النضال السلمي بعد تلك المذابح التي تفيض بها الجنوب وليس آخرها الضالع