شركة عدن للأمن والسلامة

  

مقالات
علي الجبولي

الشهيد الخالد فيصل عبد اللطيف ألق ثورة أكتوبر وقائدها الفذ

الأربعاء 15 يناير 2014 12:52 صباحاً

الشهيد فيصل عبد اللطيف ألق ثورة 14 أكتوبر وقائدها السياسي الفذ، يظل السياسي الأبرز الذي جاء طفرة ولم تتكرر في اليمن، أما أسباب تفرد هذا المناضل والسياسي الخالد فيعود إلى :1ـ أهمية المشروع القومي الذي حمله إلى اليمن والجزيرة العربية، حينما أسس أول فرع لحركة القوميين العرب في اليمن والجزيرة العربية. 2ـ نبوغه وتعدد مجالات تألقه في ميادين الكفاح المسلح وقيادة العمل الفدائي والنضال السياسي والفكري. 3ـ دوره المتميز رغم صغر سنه في تحمل المهام الجسام في قيادة الثورة وإرساء قواعد أول دولة مستقلة عرفها الجنوب في تاريخه (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ).5ـ بشاعة جريمة اغتياله في الزنزانة، وما أسست له تلك الجريمة الغادرة من دورات عنف وتصفيات دموية بشعة نخرت كيان الجبهة القومية، وصدعت جسد الدولة، وامتدت أضرارها الفادحة لسنوات طويلة تعبث بخارطة الجنوب والوطن بكله سياسيا واجتماعيا وثقافيا وامنيا واقتصاديا.

من يجهل التاريخ يصعب عليه إن يصدق إن وادي شعب، ذلكم الوادي البائس في أقصى شمال شرق بلدة الصبيحة تدفق بكوكبة كبيرة من الزعماء والرواد والكفاءات،الذين اثروا ـ وما زالوا ـ بعطاءاتهم شتى مناحي الحياة السياسية والثقافية والقانونية والاجتماعية. والتربوية في مقدمة هذه الكوكبة الزعيمان الخالدان فيصل عبد اللطيف وقحطان الشعبي.

في هذا السفر المتواضع سنمر بمرافئ صغيرة جدا في حياة القائد السياسي الفذ لثورة 14اكتوبر الشهيد الخالد فيصل عبد اللطيف ابرز الأفذاذ الذين فاض بهم وادي شعب في أخصب وأندر طفراته، ليملأ القه سماء الوطن بكله. في دار متواضعة تعرف بـ (دار المشائخ ) في قرية شاغث بوادي شعب أقصى شمال شرق الصبيحة رأى الزعيم الفذ فيصل عبد اللطيف الشعبي النور في حزيران1936م.ومن عتبات تلك الدار التي ما تزال أطلالها باقية خطا أولى خطواته نحو آفاق الوطن اليمني بل والعربي.

درس فيصل الابتدائية في جبل حديد بمستعمرة عدن يومذاك، ثم في المدرسة المحسنية بسلطنة العبادل أكمل الإعدادية، ثم سافر إلى القاهرة لدراسة الثانوية. بمؤهل بكالوريوس في التجارة والاقتصاد من إحدى جامعات القاهرة عام 62م،وفور تخرجه عاد إلى عدن ليبدأ حياته العملية في سلطنة العبادل، ثم سكرتيرا لوزير التجارة في الحكومة الوطنية( حكومة الاتحاد الفدرالي للجنوب العربي ) التي تأسست في 11شباط 59م.

لم يلج فيصل عبداللطيف معترك السياسية ومناهضة الاستعمار مبكرا فحسب، بل تألق فيه كقائد سياسي فذ. حينما انخرط مبكرا في حركة القوميين العرب عام 56م وهو لم يزل طالبًا في إحدى جامعات القاهرة وعمره لم يتجاوز 20عاما.وفي عام60م أسس أول فرع للحركة في اليمن والجزيرة العربية.

مثله مثل ابن عمه الزعيم الخالد قحطان الشعبي ورفاقهما بفرع حركة القوميين العرب ،آمن فيصل إن تحرير الجنوب من الاستعمار لن يتحقق إلا بالكفاح المسلح، بعد أن فشلت في تحريره كل وسائل القوى السياسية التي تمسكت بالخيار السلمي والمساومات، لذا بدأ قحطان وفيصل ورفاقهما بفرع حركة القوميين العرب وحركة التحرر الوطنية اليمنية يعدون العدة لثورة مسلحة لتحرير الجنوب.

إذا كانت الثورات تفرضها ضرورة التحرر من نير الاستعمار أو اقتلاع أنظمة الفساد والاستبداد ،وإذا كان العباقرة هم من يخططون للثورات والشجعان من ينفذها فإن قحطان الشعبي وفيصل عبد اللطيف كسرا هذه القاعدة. إذ لم يكونا العبقريين المخططين لثورة التحرير فحسب، بل كانا قائديها السياسيين ومنفذيها الجسورين، وأبرز قادا الكفاح المسلح وأبطاله حتى رحيل المحتل البريطاني، ومن ثم بناء وقيادة الدولة الوليدة.

لعب فيصل إلى جانب قحطان الشعبي ورفاقهما الوطنيين الدور الرئيس في التحضير للكفاح المسلح والعمل الفدائي والسياسي لتحرير الجنو[ب، ففي 24 فبراير 63م عقد بصنعاء لقاء عام برئاسة قحطان الشعبي،حضره مئات الوطنيين الجنوبيين من مختلف اتجاهاتهم وانتماءاتهم القبلية والاجتماعية والمناطقية،وبمشاركة حركة القوميين العرب وحزب الشعب الاشتراكي، تمخض عنه تشكيل لجنة تحضيرية برئاسة قحطان أنيط بها وضع ميثاق لكيان وطني يقود الكفاح لتحرير الجنوب المحتل. تلاه في11أغسطس 63م اجتماع في تعز برئاسة قحطان الشعبي حضره رموز وزعامات قبلية واجتماعية ومستقلون وابرز قادة حركة القوميين العرب في مقدمتهم فيصل عبد اللطيف وعبد الفتاح إسماعيل وسيف الضالعي وآخرون،صدر عنه بيان تأسيس الجبهة القومية لقيادة الكفاح المسلح والسياسي لتحرير جنوب اليمن باسم ( جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل) التي عدلت تسميتها فيما بعد إلى ((الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل) كفصيل ثوري ينتهج الكفاح المسلح لتحرير الجنوب. انتخب الاجتماع قحطان الشعبي أمينا عاما للجبهة القومية، وفيصل عبداللطيف عضوا في القيادة العامة للجبهة.

وفي 14أكتوبر 63م خاض الوطنيون في ردفان أول معاركهم المسلحة ضد الاحتلال البريطاني استشهد فيها الشيخ راجح بن غالب لبوزة، أصدرت على إثره الجبهة القومية أول بياناتها بإعلان الثورة المسلحة ضد الاستعمار، واعتبار الشهيد راجح لبوزة أول شهدائها. قاد فيصل وإلى جانبه رفيق دربه قحطان الشعبي ونخبة من رفاقهما الكفاح المسلح بكل جدارة واقتدار، وتواصل اشتعال الكفاح المسلح في رفان وامتد إلى جبهات أخرى في الضالع ودثينة والشعيب. وفي أغسطس64م امتد الكفاح إلى الجبهة الرابعة وكان ميدانها هذه المرة مستعمرة عدن ذاتها، قلب أعتى قاعدة استعمارية في الشرق الأوسط ومركز إدارة سلطات الاحتلال البريطاني وحكومة الاتحاد الفدرالي الموالية لها.

شارك فيصل في المؤتمر الأول للجبهة القومية 22- 25 يونيو65م بمدينة تعز وانتخب عضوا في القيادة العامة للجبهة، وهو المؤتمر الذي قرر تصعيد الكفاح المسلح ومده إلى مناطق جديدة.

لعب فيصل عبد اللطيف الدور الرئيس في التحضير للعمل الفدائي في عدن وتولى قيادة جبهتها وقطاعها الفدائي خلال السنوات الأولى للثورة، وعندما كشفته أجهزة الاحتلال اضطر للاختفاء، فتناوب على قيادة العمل الفدائي رفاقه عبد الفتاح إسماعيل، نور الدين قاسم، سلطان احمد عمر، وعلي احمد السلامي، وحينما تعرض العمل الفدائي لضربة مؤلمة بكشف عديد من عناصره ووسائله، عاد فيصل إلى عدن متنكراً في أكتوبر 65م لقيادته.

لم يقتصر دور فيصل عبد اللطيف الشعبي في مرحلة الكفاح المسلح على قيادة العمل الفدائي والقيادة الميدانية عسكريا وسياسيا لحرب التحرير مع رفاقه في الجبهة القومية بل تجلى نبوغه بوضع الرؤى النظرية والفكرية والسياسية لقضية الجنوب ،ومسار نضال الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن، فرغم اعقد انشغالاته بقيادة معارك الكفاح المسلح والعمل الفدائي والسياسي اصدر أربعة كتب (( الاتحاد الفدرالي المزيف)) و(( أضواء على الثورة في جنوب اليمن المحتل )) و(( مؤتمر لندن للخيانة )). وشارك مع بعض رفاقه أعضاء اللجنة التنظيمية للجبهة القومية بوضع كتاب (( كيف نفهم تجربة اليمن الجنوبية الشعبية )).في غضون أربع سنوات فقط وعمره لم يتجاوز30عاما، ودون أن يحمل مؤهلا أكاديميا سوى البكالوريوس. أنجز هذه الأدلة السياسية والنظرية للثورة، كرؤى فكرية حول قضية كبيرة وخطيرة بحجم تحرير وطن من براثن أعتى إمبراطورية استعمارية عرفها العالم.

حينما دمجت الجبهة القومية مع منظمة التحرير,في 13يناير 66م في كيان واحد،أطلق عليه (جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل) كان فيصل عبداللطيف وقحطان الشعبي ابرز قيادات الجبهة القومية التي رفضت مشروع الدمج .

فقد كان فيصل يومها يقود العمل الفدائي في عدن، وفي اليوم الثامن للدمج كان عائدا إلى تعز ومعه محمد احمد البيشي وعبد الفتاح إسماعيل واحمد صالح الشاعر وعبدالله الخامري، وبينما وصل بعض من رفاقه إلى تعز احتجز جيش التحرير فيصل ومحمد البيشي في منطقة الحبيلين واقتادهما إلى مقر جهاز المخابرات المصرية بتعز، ثم نقلا إلى القاهرة ليظلا قرابة تسعة أشهر تحت الإقامة الجبرية بمعية قحطان الشعبي وآخرين من قادة الجبهة القومية الرافضين لمشروع الدمج، غير أن فيصل تمكن من الإفلات والسفر إلى بيروت ومنها عاد إلى اليمن، أما البيشي فظل رهن الإقامة الجبيرة حتى أفرج عنه مع الزعيم قحطان الشعبي .لم يدم دمج الجبهتين سوى بضعة أشهر، حيث رفضه غالبية المشاركين في المؤتمر الثاني للجبهة القومية المنعقد في 7حزيران 66م بمدينة جبلة،رغم غياب ابرز قادة الجبهة عن المؤتمر .وفي المؤتمر الثالث للجبهة القومية المنعقد برئاسة فيصل عبد اللطيف في قعطبة خلال 29نوفمبرـ 3 ديسمبر 66م اتخذت الجبهة القومية قرارا حاسما بالانسحاب من (جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل)، وفي 12ديسمبر 66م أصدرت بيان الانسحاب رسميا.

عقب هزيمة العرب في5يونيو 67م أمام إسرائيل التي احتلت أراض عربية شاسعة في مصر وسوريا والأردن وفلسطين قرر فدائيو الجبهة القومية وثوارها المنضوين في والأمن الجيش أن يرسموا في الجنوب العربي شعاع نور يرد الاعتبار للأمة العربية. انتفض طلاب مدرسة الأمن بمساندة ضباط وجنود الأمن والجيش على قوات الاحتلال يوم 20يونيو67م وخاضوا معارك شرسة تحت القيادة الفعلية لفيصل عبد اللطيف أسفرت عن طرد القوات البريطانية من كريتر ،واستيلاء الثوار عليها لمدة 16 يوما، إلا إن الجبهة القومية تعرضت خلال تلك الانتفاضة لخسارة فادحة حينما خسرت ابرز أبطالها الشهيد عبد النبي محمد صالح مدرم ،مسئول القطاع الفدائي في كريتر، لذي استشهد في اليوم الثالث للانتفاضة على أيدي مندسين من خصوم الجبهة القومية،وهو ما تسبب بردود أفعال انتقامية ومواجهات دموية بين فصائل الثورة.

لم يكتف فيصل بما وضعه من رؤى نظرية للتعاطي مع قضية وطنه المحتل، بل آمن هذا الشاب القادم من ريف الصبيحة بأهمية سلاح الكلمة في خندق البندقية لمواجهة المستعمر،وتوعية الشعب بقيم الحرية.

يقول بلبل الثورة المبدع محمد محسن عطروش عن ولادة نشيد الثورة برع يا استعمار ((كنت ذات يوم أقوم ببروفات لبعض الأعمال الغنائية في منزلي بمحافظة أبين فإذا بطارق يقرع الباب، وحينما سئل عما يريد، قال إنه يريد رؤيتي لضرورة ملحة. فخرجت لأراه فإذا بي أمام رجل ملثم، وما إن رفع اللثام حتى كانت المفاجأة التي سررت لها, فلم يكن ذلك الرجل إلا الرئيس سالم ربيع علي ـ رحمه الله ـ... يومها قال لي سالمين إن الإخوان ويقصد قحطان وفيصل وعبد الله الخامري قد أوكلوا إليك مهمة وطنية كبيرة، لثقتهم أن ليس هناك من هو أقدر منك على القيام بها. وحينما سألته عن طبيعة هذه المهمة، قال المهمة تتمثل في عمل أنشودة وطنية حماسية تكون شعاراً لمقاومة الاستعمار وتلهب صدور الجماهير وتحمسها لقيام الثورة.وفعلاً قدمت أنموذجين لأنشودتين وطنيتين للأخ فيصل عبد الطيف،لكن فيصل قال إن بإمكانك يا محمد أن تقدم ما هو أفضل من هذين العملين وأكثر منهما تأثيراً. شارحاً لي بعض الأفكار التي يمكن أن تتضمنها الأنشودة، فكان أن عاودت الكتابة حتى وصلت إلى الصيغة النهائية لـ (( برع يا استعمار)

ويتذكر عطروش لحظات استكماله نشيد الثورة، وسفره إلى القاهرة،وعرضه على قادتها المناضلين فيصل والخامري وقحطان (( ثم قمت بتسجيلها بمدينة المنصورة في عدن، وسافرت في 63م إلى القاهرة للدراسة، وحملت نسخة من هذه الأنشودة لأعرضها على الأخوين فيصل والخامري، واللذين بدورهما أخذاني للقاء الرئيس قحطان الشعبي في منزله، لمعرفة ما إذا كانت الأغنية بالصورة المطلوبة، أم أنها تتطلب تعديلات أو تنقيحات معينة .. ما أن رآني السيد قحطان حتى أخذني بالأحضان، وقال إنني كنت على يقين بأنك أنت وحدك من يستطيع أن يقوم بهذه المهمة. وفي اللقاء كان للأخ فيصل رأيا بأنه كان ينتظر ما هو أفضل، لكن قحطان رأى إن الأغنية مستوفية الشروط المطلوبة ويمكنها أن تؤدي الغرض) .. ويتابع عطروش وصف تأثير النشيد الثوري الخالد

( برع يا استعمار برع

من ارض الأحرار برع

(( وبعد النجاح الذي حققته هذه الأغنية قال لي المناضل فيصل، لقد نجحت في جعل الأغنية ابعد من شعار للجبهة القومية، وفتحت الباب لكل مواطن لينظم إلى صفوف الثورة وهذا شيء نعتز به. المصدر ذاته).

في 4سبتمبر 67م وبعد تساقط اغلب الأمارات والسلطنات أعلن أمين عام الجبهة القومية قحطان الشعبي إن الجبهة ستفاوض بريطانيا إذا ما أعلن المندوب السامي في عدن اعتراف بريطانيا بالجبهة القومية ممثلا حقيقيا لشعب الجنوب. وفي 6نوفمبر67م أعلن الجيش العربي في الجيش البريطاني ولائه للجبهة القومية.غادر المندوب السامي ( همفري تريفلين ) عدن إلى لندن لإجراء مشاورات مع المستر( براون) وزير خارجية بلاده،بشان عرض قحطان. وما لبثت بريطانيا أعلنت في 13نوفمبر استعدادها للتفاوض حول استقلال الجنوب العربي مع بالجبهة القومية كممثل وحيد لشعب الجنوب. شكلت القيادة العامة للجبهة القومية وفد الجنوب العربي برئاسة أمينها العام قحطان الشعبي للسفر إلى جنيف للتفاوض مع بريطانيا بشان الاستقلال، كان فيصل ابرز أعضاء الوفد إلى جانب رفاقه عبد الفتاح إسماعيل، سيف الضالعي ،خالد محمد عبد العزيز،محمد احمد البيشي ،العقيد/عبدالله صالح عولقي، إلى جانب هيئة استشارية في مختلف المجالات، ضمت المقدم/حسين المنهلي،محمد احمد عقبة،المقدم/محمد احمد السياري، د. محمد عمر الحبشي،ملكة عبداللاه احمد. ابوبكر سالم قطي، عادل خليفة. وعبدالله عقبة (مترجما)،واحمد علي مسعد (سكرتيرا)،في حين ترأس الوفد البريطاني اللورد شاكلتون الوزير بلا وزارة في الحكومة البريطانية،

بعد مفاوضات شاقة امتدت من 21ــ 29 نوفمبر1967م وقع الجانبان الجنوب العربي والبريطاني يوم29نوفمبر على وثيقة استقلال الجنوب العربي ،وفي اليوم ذاته عقد الوفدان مؤتمرا صحفيا مشتركا أعلنا خلاله إن يوم30نوفمبر1967م الموافق 28شعبان1387هـ يوم استقلال الجنوب العربي وميلاد دولته المستقلة (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية).

أصدرت القيادة العامة للجبهة القومية صبيحة الاستقلال قرارا بتعيين أمينها العام قحطان محمد الشعبي رئيسا للجمهورية وقائدا أعلى للقوات المسلحة،وكلفته بتشكيل حكومة الدولة المستقلة،فتشكلت أول حكومة لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية من 12 وزيرا برئاسة قحطان الشعبي : تولى فيصل عبد اللطيف الشعبي وزارة التجارة والاقتصاد والتخطيط في أول حكومة للجمهورية الوليدة،وفي 5 ابريل 1969م تولى رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية.

لئن انفجر الاقتتال الأهلي قبيل الاستقلال بين شريكي الكفاح الجبهة القومية ومنظمة التحرير خلال 3-6توفمبر 67م، فان الوئام داخل المكون الواحد لم يدم سوى بضعة أشهر. هذه المرة كان الصراع بين رفاق الكفاح داخل الجبهة القومية ذاتها، حول ماهية الدولة، وأساليب إدارتها، وتحديد منهجها وسياستها الخارجية.

بدت بوادر الصراع الاحتكاكات مكشوفة بين الجناحين منذ 30يناير 68م ثم تحولت إلى مصادمات مسلحة منذ المؤتمر الرابع للجبهة القومية بمدينة زنجبار مارس 68م ، وخلال الفترة بين20مارس و14مايو 68م غدت مصادمات دموية، لتبلغ ذروتها صبيحة 22يونيو 1969م بانقلاب دموي تصفوي نفذه من وصف بـ (الجناح اليساري المتطرف) في الجبهة القومية.

تنازل صبيحة الانقلاب رئيس الجمهوريةـ والقائد الأعلى للقوات المسلحة ـ أمين عام الجبهة القومية قحطان الشعبي عن السلطة طواعية، رافضا استخدام القوة والسلطة التي بيده لإسالة قطرة دم من أجل (كرسي الحكم).الكرسي ذاته الذي سالت حوله فيما بعد وما زالت تسيل حتى يوم الناس هذا انهر من الدماء والمآسي والآلام. استقال فيصل عبد الطيف من منصبه كرئيس للوزراء ووزير للخارجية وعاد إلى منزله, ولما سئل عن دواعي استقالته قال القائد الفذ للثورة مقولته الأخيرة (سلمناهم السلطة وسنتعاون معهم إذا ما احتاجوا لنا). ورغم استقالة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومعهما صفوة قيادات الجبهة القومية والدولة لم يخجل الانقلابيون من اعتقال وتصفية قياداتهم وكوكبة من رفاقهم قادة ومسئولي الدولة وقادة الجبهة القومية وفدائيي الثورة وأبطالها. اعتقل فيصل عبد اللطيف القائد السياسي وقائد قطاعها الفدائي ، مؤسس الحركة القومية في اليمن والجزيرة العربية صبيحة الانقلاب، في البدء فرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله بخور مكسر لعدة أسابيع، وبذريعة الخوف من هروبه طوق الانقلابيون منزله بوحدات من الجيش، قبل أن ينقلوه إلى كوخ خشبي بدار الرئاسة بجوار زنزانة رئيس الجمهورية قحطان الشعبي. ولم تمض أشهر حتى نقل الزعيمان الخالدان إلى زنزانتين منفصلتين في معتقل الفتح بجوار زنازن كوكبة من قيادات الجبهة القومية ومناضلي حرب التحرير،منهم أخوه غير الشقيق عبد القوي محمد رشاد. وفي ليلة الخميس 1أبريل 70م أعلن الجناح الانقلابي رسميا مقتل فيصل برواية ملفقة مثيرة للغبن والاستهجان. فيصل السياسي الشاب،ألق الثورة ونجمها الساطع في زنزانته بالفتح وعمره لم يتجاوز 34عاما،والافضع إن مكان قبره ما يزال مجهولا حتى اليوم.

باغتيال فيصل خسر الوطن زعيماً وطنيا وسياسيا محنكا،ورمزاً من أنصع رموزه الفذة بشهادة خصومه قبل مواليه. باغتياله تغيرت الخارطة في جنوب الوطن سياسيا واجتماعيا وامنيا واقتصاديا وامتدت آثارها إلى شماله ،وغدا القتل والسجن والاختطاف والإخفاء وتهم الخيانة والعمالة هي اليقين, وما عداها احتمال.

يقول سالم صالح محمد مساعد أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني سابقا (( ... الشيء الخطير الذي حصل فيما بعد كان مقتل القائد الفذ فيصل عبد اللطيف في السجن في ظروف مازالت غامضة حتى الآن، واعتقد أن دمه هو الذي جر الدم في هذه التجربة.... صحيفة الخليج الإماراتية ـ العدد 7552 ــ 22 يناير2000م))ز ويصف الكاتب فريد صحبي تألق الشهيد فيصل ومكانته في الوطن (( كان زهرة هذا الوطن... كان متألقا بشخصيته الآسرة الزاخرة بالعطاء وبكل القيم والمثل والأخلاق العظيمة.كان رجل عصر،وكان أغلى الرجال.كان رجلا نادرا من أولئك الرجال الذين يعتمد عليهم في نهضة أمة ومستقبل شعب. (( الأيام ))ـ العدد( 696) - 23 فبراير 2000م)). ويتحدث عما جرته تلك الجريمة النكراء بحق ابرز زعماء ثورة الجنوب, وأعظم من أنجبهم الوطن، وما ترتب عليها من أضرار فادحة بالوطن وشعبه (( شكل اغتيال فيصل عبد اللطيف في سجنه بزنزانة الفتح بداية لظاهرة التصفيات الجسدية التي لم تتوقف، وأضرت بمسار السلطة في الجنوب. مقتل فيصل عبد اللطيف لم يكن مجرد شيء خطير وحسب، ولا حتى انعطافا في مسار الثورة اليمنية قي الجنوب، لا بل أن اغتيال فيصل عبد اللطيف شكل مقتلا للثورة اليمنية في الجنوب، وطعنة غادرة لكفاح شعب.. يوم سال دم فيصل على أرض زنزانته انساب خيط من الدم تحت القضبان ليمر عبر الزنازن إلى خارج السجن, ويمتد إلى الشارع في عدن, ثم يمتد ويمتد إلى كل مكان. إلى أبين إلى شبوة إلى حضرموت, ويظل خيط الدم ينساب في ظلام ليل طويل لعلعت فيه رصاصات الغدر, لتخترق صدور زهرات شباب الوطن وخيرة رجال هذه الأمة, ومن لم يمت بالرصاص مات بالهوان... المصدر ذاته )).أما المناضل الوطني الشيخ عبد القوي محمد رشاد فيقول ( كانت عملية اغتيال فيصل عبد اللطيف بداية للمرحلة الدموية الطويلة التي بدأت بها عملية انقلاب 22 يونيو والتي جرت في تيارها الآلاف من الشهداء والضحايا وانتصرت فيها النزعة الدموية لبعض قيادات الانقلاب) (الأيام ) ـ العدد 615 ـ 5ابريل 2000م)). وبحسرة وأسى يصف المناضل الرئيس علي ناصر محمد حنكة وتألق الشهيد فيصل عبد اللطيف، ويؤكد بأنه كان رجل دولة من طراز نادر ( كان فيصل احد الأقطاب البارزين لحركة القوميين العرب ويعود الفضل إليه في تأسيس فرع الحركة في اليمن. وكان احد القياديين البارزين في الحركة القومية ويمتلك مواهب سياسية وقيادية فذة، وهو رجل دولة من طراز نادر، ولكن الخلافات التي عصفت بقيادة الجبهة القومية لم تمهله طويلا للبقاء في الحكم والحياة للاستفادة من قدراته الكبيرة .. وقد ادخل السجن بعد خطوة 22 يونيو 69م واغتيل داخله، وكان ذلك خسارة كبيرة للثورة والوطن) (الأيام) ـ العدد(567 )ـ 15يناير 2000م )).

إنها السياسة المتخلفة في العالم المتخلف التي يحتكم فيها رفاق السلاح للسلاح وأقبية المعتقلات وما هو أشد فظاعة، متوهمين بكل بلادة أنه الطريق الأسهل لحسم الخلافات السياسية والفكرية، ليس غباء بمنطق التاريخ فحسب بل وبحتمية أن خيط الدم إذا تدفق من اجل الطيش والنزوة جر إلى أنهار دماء يصعب لجم تدفقها .