شركة عدن للأمن والسلامة

  

أخبار
اقرا ايضا

"وثيقة بن عمر" .. كيف يمكن قيام "الدولة" اليمنية على هذا الخازوق؟

عدن اليوم/كتب : محمد عائش | السبت 04 يناير 2014 02:08 صباحاً

أنا مع "انفصال" الجنوب واستقلاله..فذلك أفضل بمراحل من البقاء تحت "وحدة" محكومة بـ"وثيقة بن عمر"؛ الوثيقة التي تؤسس لدولة "محاصصة" أسوأ من دولة لبنان المحكومة بالمحاصصة الطائفية.

تنص الوثيقة على أنه:

"خلال الدورة الانتخابية الأولى، بعد تبني الدستور الاتحادي يمثل الجنوب بنسبة 50% في كافة الهياكل القيادية وفي الهيئات التنفيذية والتشريعية والقضائية، بما فيها الجيش والأمن، والتي يتم التعيين فيها بموجب قرارات يصدرها رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، ويمثل الجنوب كذلك بنسبة 50% في مجلس النواب"

نص كهذا سيتحول إلى "دستور" يحكم شكل وطبيعة الدولة اليمنية التي يزعمون أنهم منهمكون في بنائها. ولكم أن تتخيلوا سلسلة النكبات التي سيتسبب بها مبدأ "المناصفة" منذ الآن.

أن يحصل الجنوبيون على أكثر من نصف الجهاز الوظيفي للدولة، استنادا إلى المؤهل والكفاءة، فتلك ليست مشكلة إطلاقا، المشكلة تكمن في أن مبدأ "المناصفة" هذا يضرب مبدأ "العدالة" و "تكافؤ الفرص"، ويخلق دولة هشة، مشلولة، عاجزة، ومحكومة بتوازن إثني يعطي الأولوية للجغرافيا لا لـ"الصالح العام"، ودولة كهذه لن تخدم لا الشمال ولا الجنوب، ويستحيل معها أن نتحدث عن "دولة" من الأساس.

عدا "إفساد" جهاز الدولة وتحويله إلى جهاز طارد للكفاءات ومستقبل فقط لمؤهلات "المنطقة" و "الجغرافيا"، وعدا انعدام عدالته إذ يساوي في "الفرصة" بين محافظة كـ"لحج"، ذات الكثافة السكانية المنخفضة، ومحافظة كـ"تعز" ذات الكثافة السكانية الكبيرة...

عدا ذلك كله فإن هذا النص ينتقل بالأمور من الصراع "المفترض" بين الشمال والجنوب إلى صراعات أعمق وفي المستويات الأضيق داخل الجغرافيتين: فـ"النصف" الخاص بالجنوب، لمن سيكون؟ أو كيف سيتم توزيعه؟ وهل ستسمح "الضالع" بأن يكون نصيب "أبين" أكثر؟ وهل تذهب حصة "حضرموت" بحصة "لحج"، وكيف ستتعامل "شبوة" حين ترى نفسها مظلومة في حصتها؟

والنصف الشمالي، بالتأكيد سينشأ في ذيل "المناصفة" ألف انقسام وانقسام بداخله، ما بين أصحاب "مطلع" و اصحاب "منزل"، أو ما بين ما سينشأ من أقاليم ستكون قصة "المناصفة" أبرز قصص الصراع المنتظر بينها.

ثم هل النصف الخاص بالجنوب سيكون من "الحراك" أم من "المؤتمر" أم من "الاشتراكي" أم من "الاصلاح"؟! ويمكننا القياس على هذا النوع من التناسل الطبيعي لكوارث"المناصفة".

ولكم أن تتصوروا: كلما حدثت مشكلة داخل وزارة ما؛ انقسم موظفوها "شماليين" مقابل "جنوبيين" والعكس، وكلما شهد معسكر للجيش خلافا عابرا تحول الخلاف إلى انقسام مناطقي حاد بين كتلتين لن تعدما دائما سببا للافتراق ثم الصراع.

هكذا تتحول مشكلة "الانفصال" التي يحاول أساطين وثيقة بن عمر الهروب منها؛ إلى مشكلة بداخل كل وزارة وكل مرفق وكل مكتب وكل دائرة وكل مؤسسة، حكومية داخل البلد.

علينا أن لا ننس أن اللبنانيين يلعنون اليوم الذي وقعت فيه قواهم السياسية على اتفاقية "الطائف" التي حولت نظام الحكم في لبنان إلى نظام يقوم على المحاصصة الطائفية، إذ نجح هذا النظام كما هو ماثل أمام العالم الآن، في تحويل البلد إلى بلد بـ"لا دولة" إلا على المستوى الشكلي.

ومع أن ثمة أوجه اختلاف كثيرة بين المناصفة المنصوص عليها في وثيقتنا وبين "المحاصصة" الطائفية في اتفاقيتهم، إلا أن المؤدى سيكون واحدا، على أن "المناصفة" ذات نتائج أخطر بالنظر إلى خلفية الانقسام القائم الآن أصلا بين الشمال والجنوب وما يسيل بينهما من دماء بسبب أزمة "الثقة" و "الفساد" ومطالب "الاستقلال".

 

وبالطبع؛ لن يجدي القول إن النص يتحدد فقط بمدة زمنية هي"خلال الدورة الانتخابية الأولى"، إذ أننا إزاء نص سيتحول إلى "سابقة" ولن يمكن التراجع عنها لاحقا أبدا، إذ أن كل فريق سيعتبر التراجع عن "المناصفة" في أي وقت تراجعا عن "الوحدة".

ثم أنا أريد أن أسأل: ما جدوى "الأقاليم" مع وجود نظام "المناصفة" هذا؟ وما دمنا سنتناصف في كل شيء فلماذا "الأقاليم"؟

ثم كيف نستطيع أن نحقق "المناصفة" في الأجهزة القائمة الآن؟ أين سنذهب بالذين يفيضون عن "النصف" المحدد للشمال أو الخاص بالجنوب؟ وهذا أدنى سؤال ساذج يواجه الفكرة الحمقاء. دعكم من أسئلة أخرى أكثر أهمية كـ: هل من العدالة أن يكون الجنوبيون ممثلين في مجلس النواب بنصف قوامه والشمال ممثل بالنصف أيضا، مع أن التعداد السكاني أكبر بما لا يمكن قياسه؟ (هذا ليس انحيازا للشمال، ولكن انعدام "العدالة" يقضي جذريا على فكرة الدولة "الوطنية" التي هي من مصلحة الجنوبيين كما الشماليين).

هل هكذا تحصنون "الوحدة" كما تزعمون؟ وبأي منطق؟ يا "إصلاح" يا "مؤتمر" يا "اشتراكي" يا "ناصري" يا "حوثي"، راجعوا ضمائركم واتقوا الله في ما تبقى لنا من هذا "الوطن".. أو فتفضلوا بقبول عار التاريخ ولعنات الأجيال القادمة حتى مائة سنة إلى الأمام.