سوق الحضارات .. عرض وطلب
إن الخريطة الحضارية للمجتمع الإنساني تتشكل من عدة حضارات مختلفة، فكل حضارة لها طابعها الخاص ونموذج حياتي متميز عن النموذج الآخر، ولكي نفهم الحضارات يجب أن نربط أي حضارة بمشروعها أو عقيدتها أو فلسفتها ورؤيتها، ولكل حضارة خطاب يختلف عن الخطاب الآخر، ويرتبط الخطاب بالعقيدة أو الفلسفة أو الرؤية الخاصة بالحضارة، ودائماً ما تستخدم الحضارات الخطاب في تحقيق أهدافها، ولكي يحقق هذا الخطاب الحضاري مشروعه استجابة لعقيدته أو فلسفته التي يؤمن بها فلا بد له من منهجية علمية واستراتيجية تطبيقية.
وكما هو معروف أن هناك سوقاً اقتصادية فيها أصحاب عرض وهم المنتجون للسلع والخدمات، وبالمقابل هناك أصحاب طلب هم المستهلكون لتلك السلع والخدمات، ولكي تتحقق فعالية هذا الاقتصاد لا بد أن تكون هناك قوانين تحكم السياسات الإنتاجية والتوزيعية والاستهلاكية وتنظم السياسات المالية وغيرها، وفي ظل هذه السوق فان هناك تدافعاً للمنتجين داخل هذه السوق نحو توزيع منتجاتهم وبيعها، ولكل منهم أهدافه التي يريد تحقيقها استجابة لفلسفته أو رؤيته المتعلقة بالمبدأ أو العقيدة المؤمن بها.
دعنا نستخدم منهج المقارنة في هذه الفلسفة، فبالتأكيد هناك قوانين معينة تتحكم في السلوك الحضاري للمجتمعات، وهناك أصحاب إنتاج وعرض للسلع والخدمات الحضارية، والتي تمثل في جملتها خطابات حضارية تتضمن أفكاراً ومعارف وقيماً وسلوكيات ومعتقدات، وبالضرورة هناك مستهلكون لهذه السلع والخدمات، من هنا تبرز بعض الجوانب الهامة يمكن أن نسميها استفسارات أو تساؤلات حول كيفية العرض لهذه السلع والخدمات وكيفية استهلاكها؟
بدايةً يجب أن نعي أننا نعيش في عصر يتجه نحو العالمية بشكل متسارع، وعندما نتحدث عن خطاب حضاري يروج لهذه السلع والخدمات، فان حديثاً سينساق في نطاق العالمية التي يصل فيها الخطاب الحضاري إلى البشرية جمعاء، خاصة مع ظهور تقنيات الاتصال التي تجاوزت الحدود الجغرافية والزمن لتصل إلى كل مكان في المعمورة وفي أي وقت.
وفي واقعنا المعاصر توجد ثلاثة خطابات حضارية تتنافس في سوق الحضارات لترويج منتجاتها وخدماتها، فهناك الخطاب الغربي والخطاب الآسيوي والخطاب الإسلامي. وكل خطاب يريد أن يحقق مشروعه استجابة لعقيدته وفلسفته ونظرته للكون والحياة، إذن، المستهلكون هم البشرية كلها، والمنتجون هم قادة الرأي أو الفكر في تلك الحضارات، ونحن كمسلمين جزء من البشرية التي تعيش في هذه المعمورة وبالتالي لنا حضارة يروج لها العلماء والدعاة، وفي ذات الوقت نحن مستهلكون إما لحضارتنا أو لحضارات أخرى، وهنا يجب أن نحذر عند الحديث عن استهلاك الحضارات من الخلط بين السلوكيات والمعارف والقيم وبين المعتقدات المتعلقة بالدين وإلا سنقع في خطأ فادح وهو الخروج عن ديننا الإسلامي الحنيف، وهذا هو بالتحديد ما تريده الحضارات الأخرى من خلال ما نراه في واقعنا من ترويج لحضارتهم مستخدمين كل الوسائل المتاحة، وها هي العالمية أو العولمة تروج لحضارة جديدة تحل محل حضارات أخرى.
إن السياسات التي تتخذها الأمم الأخرى تجاه الأمة العربية والإسلامية هي سياسات واستراتيجيات نابعة من معتقدات وفلسفات لا مجال لديهم للحياد عنها، والعمل من أجل تحقيق أهدافها، ولهذا يجب أن نعي خطورة هذا الأمر، واتباع الخطاب الإسلامي المستمد من شريعة الله الحق.
ويمكن أن نأخذ من الحضارات الأخرى ما ينفعنا دون المساس بمعتقداتنا وثوابتنا.