بقلم ياسين سعيد نعمان : تصحيح وقائع ومفاهيم
الكاتب الجميل محمد العلائي، في مقاله الذي نشره في صحيفة "الشارع"، عدد يوم الاثنين 4-11-2013م، تحت عنوان (المرحلة التأسيسية الخ..)، ذكر ما يلي: "أن الدكتور ياسين سعيد نعمان كان يتحدث، خلال مقيل جمعنا في منزله قبل نحو عام، بنبرة تهزأ ضمنياً من تلك الأصوات التي تنادي بتقديم حل نهائي للقضية الجنوبية".
ليسمح لي أن أقف عند هذه الفقرة لأصحح الواقعة، ومعها بعض المفاهيم التي وردت فيها:
كان آخر لقاء جمعني بالأخ محمد منذ ما يزيد على ثلاث سنوات، في منزل الأخ العزيز محمود ياسين, ربما أكون أكثر دقة في تحديد الزمن، لا لأنني أقوى ذاكرة؛ ولكن لأن الزمن يصبح أكثر حساسية عند من يتخطى الستين، فهو يحسب اليوم والشهر والسنة بدقة من يرى أن كل يوم يمر يقربه من نهاية رحلة العمر. ولذلك فإن عداد هؤلاء لا يحتمل الخطأ في احتساب الزمن. أما الشباب، فإن السنة والسنين بالنسبة لهم يمكن أن تدخل ببساطة فيما يعرف بهامش الخطأ والصواب المقبوليْن محاسبياً. أما المكان فذلك إنما لأن العزيز محمود يجعل من زيارته مناسبة تحفر في الذاكرة أناقة المكان بروحه لا بشكله.
في ذلك اللقاء، الذي لم يتكرر بعد ذلك، دار الحديث حول موضوعات كثيرة؛ منها تأثير المناخ على الإبداع الثقافي والأدبي. واستعرضت شخصياً عدداً من الكتاب الشباب والصحفيين والشعراء المبدعين، في محاولة لتبسيط فكرة العلاقة بين المناخ والإبداع. وكان من بين من استعرضتهم من الأسماء الذين ينتمون إلى الدائرة الجغرافية التي تُصدّر العدد الأكبر من المبدعين في هذا المجال، ومنهم الكاتب محمد العلائي.
ثم دار الحديث بعد ذلك حول الأوضاع السياسية، وبدأنا الحديث بسؤال حول "الطوافة" التي حلقت فوق المهرجان الشعبي الكبير الذي أقامه المشترك يوم 3-2-2011م في ساحة الجامعة (التغيير)، وما إذا كان الرئيس السابق (صالح) موجوداً على متن تلك الطوافة أم لا.
تشعب الحديث حتى وصلنا إلى وثيقة الإنقاذ التي أقرها اللقاء المشترك وشركاؤه عام 2009م. وتركز الحديث حول معنى "الحل العادل للقضية الجنوبية", وخيارات الدولة الثلاثة، ومن ضمنها خيار الفيدرالية. وشرحت مفهومي لمعنى "الحل العادل"؛ أي ألا يبقى الجنوب محاصراً بخيارين: إما الانفصال أو هيمنة المركز الذي أسقط الوحدة الاندماجية السلمية بحرب 1994م. وشرحت لهم أن الحزب الاشتراكي تبنى، مع آخرين، خيار الفيدرالية وتبنى آخرون خيارات أخرى. أي أن خيار الفيدرالية لم يكن الآن خياراً عشوائياً ولا طارئاً للحزب الاشتراكي. وهذا ما يرد على ما ذكره الأستاذ محمد العلائي في أجزاء أخرى من المقال.
ففي الفقرة الثانية من نفس المقال، يقول الأستاذ محمد: "كان الدكتور ياسين يقول ما معناه أنه ما من حل جاهز سحري للقضية الجنوبية، وأن الحل لكل القضايا اليمنية يكمن في دوله ديمقراطية عادلة تضمن لجميع اليمنيين طرح مشاريعهم السياسية... الخ".
وهذا فعلاً ما طالبنا به، ولازلنا نطالب به، بل وناضل الحزب الاشتراكي من أجله منذ ما بعد حرب 1994م وإلى اليوم، وتحمل في سبيل ذلك الكثير من المشاكل في ظروف ما عاشه الجنوب من أوضاع مأساويه دفعت الكثيرين إلى تبني مشاريع مختلفة، منها الانفصال، وغيرها من المشاريع الأخرى. ففي هذه الظروف، التزم حزبنا بمساره الوطني. وفي حين حاول البعض إخراجه من المعادلة الجنوبية، كانت نخب الحكم في صنعاء تهاجمه وتحاصره وتعمل على اجتثاثه تحت عنوان الانفصال. وفي حين كان هؤلاء الحكام وأعوانهم يزرعون الانفصال في الجنوب بممارساتهم، موظفين الوحدة كدرع يخفون وراءه إخفاقهم بل ورفضهم لبناء الدولة، كان الحزب الاشتراكي يدافع عن المشروع الوطني في أشد الظروف قساوة. ولم يدخل في سوق المزايدة بالشعارات؛ بل فضل أن يكرس جهده للبحث عن حل من داخل المشروع الوطني للوحدة؛ وهو ما سار عليه حتى الآن.
ولم يكن يرى أن هناك حلاً سحرياً لقضية الجنوب؛ لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد حل بكلفة أقل من الخيارين المتطرفين، اللذين أشرنا إليها أنفاً.
ثم يواصل الكاتب حديثه بالقول أنه يخشى أن تكون قناعة الدكتور قد تبدلت؛ إذ كيف أصبحت فيدرالية الإقليمين حلاً سحرياً من وجهة نظر الحزب... الخ، إلى أن يتساءل كيف أن المكونات السياسية التي التقى كثير منها في معارضتها لصالح قد افترقت في ميادين القضايا والملفات الوطنية..".
أتساءل هنا: أين التبدل في القناعة، إذا كان المقصود بالقناعة هو ما أشار إليه الأستاذ العلائي في الفقرة السابقة عن الحديث عن "الدولة الديمقراطية العادلة(؟) وهل "الدولة الديمقراطية العادلة" لا يمكن تحقيقها إلا في ظل دولة بسيطة غير اتحادية، أو اتحادية من أقاليم عديدة وليس من إقليمين، كما يتضح من التساؤل المفعم بالاستنكار في أكثر من مكان؟
إن خيار الإقليمين، من وجهة نظر حزبنا، هو أكثر الخيارات الاتحادية قبولاً للتنفيذ وللتطبيق ولبقاء اليمن موحداً غير قابل للتفكيك من الخيارات الأخرى. ثانياً، لا يتحدث الحزب عن حل سحري، كما ورد في المقال؛ ولكنه يقدم خياره من واقع دراسته الموضوعية والمسؤولة. ولم نسمع حتى الآن عن مشاريع أخرى سوى التلويح بقبضة الوحدة والمراوغة بتهويمات تتجمد في تجاويف أغلقت على مفاهيم مضللة للدولة الوطنية وللوحدة نفسها.
وسؤالنا لكاتبنا العزيز، وهو يتحدث عن مكونات سياسية أخرى افترقت حول قضايا وطنية، هو سؤال صحيح؛ ولكن هل يرى أن مشاريعها مقبولة لتغدو قاعدة للتوافق؟ وما هي هذه المشاريع؟ وإذا لم تكن كذلك، فلماذا لا تخضع للنقد وتوضع تحت المجهر، كما هو الحال بالنسبة لمشروع الاشتراكي؟
بقية المقال هي آراء تستحق أن يفرد "لكل منها مساحة لنقاش شامل وأوسع". ولما كان موضوعنا مقتصراً على تصحيح وقائع ومفاهيم، فلابد من الإشارة هنا إلى ثلاث قضايا إضافية:
إن الحزب الاشتراكي لم يكن من هواة البحث عن حل سحري، لا لقضية الجنوب ولا لبناء الدولة المدنية الحديثة، وتعامل معها طول العشرين سنة منذ ما بعد حرب 1994 كقضية نضالية، خاضها مناضلو الحزب الاشتراكي في سياق مشروعه الوطني الذي ضحى في سبيله الكثير من مناضلي الحزب والحركة الوطنية عموماً، خلال مراحل عديدة من النضال السياسي، ولا يمكن لهذا الحزب ألا يحسب حسابها ويأخذها بعين الاعتبار وهو يضع رؤيته المستقبلة.
لا يمكن للحزب الاشتراكي أن يغامر بمشروع لا تكون فكرته القائدة هي بناء الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة، التي يتطلع إليها كل اليمنيين، ولن يقبل أن يناقش الآخرون مشروعه بمعيار الانفصال أو الوحدة لأن الحزب قد تجاوز هذا المعيار وخلفه وراءه، من خلال تمسكه في أكثر الظروف قساوة بالبحث عن الحل من داخل الوحدة لا من خارجها. وكما قلنا أنه في حين كان الآخرون يزرعون الانفصال، كان الاشتراكي يدافع عن الوحدة ويفتش عن مشروع لصيانتها من تعديات مشاريع الهيمنة والاستعلاء ومشاريع التطرف.
ج- كاتبنا المبدع، وهو يضع هذا العنوان لمقاله (الصوملة)، لا ندري لماذا اختار أن يكون الحزب الاشتراكي موضوعاً لهذا العنوان؛ مع العلم أن للصوملة فرسانها الذين غابوا من المقال، والذين كان جديراً أن يكونوا في المكان اللائق بهم.
ليسمح لي الكاتب، الذي أحترمه كثيراً، أن أسأله وقد قرر أن يحمي اليمن من "الصوملة"، عن أسباب اختفاء فرسان الصوملة الحقيقيين من هذا المقال الذي كان يمكن أن يكون بمستوى إبداعه، لو أنه اتسع ليشمل المشاريع الأخرى، في مقارنة ربما كانت جعلت من فكرة الموضوع أكثر إنصافاً له ولقرائه، وأنا واحد منهم، وللهدف الذي توخاه وهو التحذير من صوملة اليمن.
أما أن يكون الحزب الاشتراكي هو الهدف الذي تقترن به "الصوملة"، فهو ما لا نرضاه. ليس دفاعاً عن حزبنا؛ ولكن دفاعاً عن فكرة المقال التي كان يمكن أن تتحرك في مساحة أوسع، لتبدأ من حرب 1994م التي فجرت كمائن الصوملة في هذا البلد ووضعت الأفخاخ التي لازالت تتفجر في حروب صعدة، وما تلاها من حروب، وتدمير الوحدة في الوعي الاجتماعي على نطاق واسع في الجنوب والشمال على السواء، وتعيد إنتاج الثقافة التفكيكية التي وظفت لحماية نظام الاستبداد والفساد بإنتاج المشاريع الصغيرة العائلية، وغيرها، لمواجهة المشروع الوطني.
بقلم الدكتور ياسين سعيد نعمان
منقول من صفحته على الفيس بوك