شركة عدن للأمن والسلامة

  

مقالات
محمد ناصر قائد البخيتي

قرار الانفصال بيد الجنوب , واستمرار الوحدة مسؤولية الشمال ؟!

الأربعاء 30 أكتوبر 2013 12:25 صباحاً

 

#كتب المقال / في المراحل الاولى لانطلاقة الحراك الجنوبي 2008/5/16

قرار الانفصال بيد الجنوب, واستمرار الوحدة مسؤولية الشمال,

وثمن استمرارها رحيل النظام

مفهوم الوحدة في ثقافتنا اليمنية وحتى العربية مفهوم ناقص حيث ندرك الوحدة من خلال لحاظها الجغرافي لا من خلال قيمها الإنسانية والاخلاقية \"كالأخوة والتعاون والتكامل\" لذلك لم يكن غريبا ان نتناطح زمن التشطير ونتناحر في ظل الوحدة. لاننا لم ندرك ان وحدة الجغرافيا ما هي إلا وسيلة لتفعيل القيم الانسانية للوحدة وعندما تغيب القيم الإنسانية في مقابل استحضار الظلم والحقد والكراهية فان وحدة الجغرافيا تصبح بلا معنى.

لقد مثـلت حرب 94 ضربة لكل المعاني الإنسانية للوحدة وتسببت بجرح غائر في نسيج الوحدة الوطنية, ورغم ذلك فقد كان ثمن تضميد هذا الجرح زهيداً جداً, فقد اكتفى الطرف المهزوم وكذا المتعاطفين معه بالمطالبة بإجراء مصالحة وطنية لمعالجة أثار حرب 94. ورغم تواضع هذا الطلب الا ان السلطة الحاكمة رفضته بصلافة وهي تعيش نشوة الانتصار, وبنفس الأسلوب رفضت مطلب تصحيح مسار الوحدة وتجاهلت المطالب الحقوقية للمسرحين من الوظائف العامة من ابناء المحافظات الجنوبية, وتعاملت مع الجنوب كقوة احتلال مما ساهم في تعميق الجرح الوطني.

ونتيجة لتلك التراكمات اصبحنا امام واقع جديد لابد من الاعتراف به والتعامل معه بواقعية, وهذا الواقع يتمثل بوجود رغبة لدى غالبية ابناء المحافظات الجنوبية في الانفصال. صحيح أن هذه الرغبة انفعالية وليست ذاتيه إلا أن مفعولها واحد وهو الدافع في إتجاه الانفصال.

يضاف إلى ذلك أن خيار الانفصال اصبح أكثر الخيارات جاذبية لابناء الجنوب وذلك للأسباب التالية:

1- يدرك أبناء المحافظات الجنوبية ان قمع السلطة سيكون اكثر دموية فيما لو تبنوا خيار تغيير النظام في اطار الوحدة بدلا من خيار الانفصال.

2- يدرك ابناء المحافظات الجنوبية ان تحقيق انفصال الجنوب اسهل لهم من تغيير النظام في ظل غياب تحرك شمالي في سبيل ازاحة النظام.

3- يدرك ابناء المحافظات الجنوبية ان السلطة الحاكمة وكعادتها سوف تتهمهم بالانفصال سواء تحركوا في إطار الوحدة أو في إطار الانفصال, وفي مثل هذه الحالة فإن خيار الانفصال سيحقق شعبية اكبر لان إثبات شرعية الانفصال اسهل من اثبات بطلان تهمة الانفصال في دولة مثل اليمن.

4- وجود معظم الثروات النفطية والزراعية في المحافظات الجنوبية في مقابل انخفاض الكثافة السكانية يعد من العوامل المشجعة للانفصال في ظل استحواذ النظام على هذة الثروات.

وبعد هذه المقدمة أدعو أبناء المحافظات الشمالية الى تقييم الوضع بواقعية وبعيدا عن العاطفة وتمنية النفس بالأوهام. فاليوم هناك رغبة لدى غالبية ابناء المحافظات الجنوبية في الانفصال, وما ينقص لتحقيق هذة الرغبة هو اندلاع مواجهة عسكرية مفتوحة لتنهار الوحدة ويقسم اليمن.

وبما أن دائرة العنف تتسع بسبب قمع السلطة للحراك السلمي في الجنوب وبالتزامن مع اندلاع الحرب الخامسة في صعده فأن الانفصال قادم لا محالة.

فبالعودة لدروس التاريخ يمكننا الجزم أن الجيش لا يمكنه الانتصار في مواجهة الشعب, وكما اسقطت صعده الجيش فان الجنوب سوف يبتلعه.

إلا أن المعركة ستطول لأن السلطة ستلجئ الى خيار تركيز جهودها في إبقاء سيطرتها على مناطق الثروات وخصوصا الثروات النفطية والغازية في مقابل إفراغ بقية المناطق من الجيش وحصارها. إلا أن هذا لن يمنع من استمرار الصدامات الدموية وتحولها الى حرب عصابات مفتوحة مما ينهك الجيش لذلك سوف تركز السلطة على خيار القصف العشوائي باستخدام الطيران والاسلحة الثقيلة كما هو الحال في صعدة. عندها ستلجئ بعض الجماعات المسلحة الى استهداف المنشئات النفطية بهدف قطع اهم شريان حيوي للسطلة.

ومع طول أمد المعركة سوف تحتد المنافسة بين الاطراف المتصارعة على كسب الموقف الدولي والاقليمي مما يضعف موقف الطرفين امام التدخل الخارجي.

واذا لم تحصل تطورات غير متوقعة فإن النتيجة النهائية والأكثر احتمالاً هي تقسيم اليمن ونشوء دولة في الجنوب وتأكل الدولة في الشمال وتحولها الى مراكز قوى بسبب عدم تجانس مكونات الشمال, وبسبب إستنزاف الحرب لمقدرات الدولة وفقدها لأهم مصدر دخلها والمتمثل في الثروة النفطية والغازية. لذلك فمن المتوقع ان تنتشر المجاعة على نطاق واسع وفي كافة المناطق خصوصا مع استمرار انخفاض المياه الجوفية والارتفاع العالمي لاسعار المواد الغذائية.

ومن المتوقع أن يكون الوضع في الشطر الجنوبي افضل من الشمال سواء من الناحية الاقتصادية او السياسية نظراً لتجانس مكونات الجنوب ولوجود حقول النفط والغاز, الا ان طموحات ابناء الجنوب في تحقيق دولة المؤسسات لن تتحقق بسبب التدخل الاقليمي الذي سيسعى لفرض شروطة حول شكل النظام ونوعية قادته.

كما ان السلطة الحاكمة قد تلجئ الى بذر نواة تقسيم الجنوب \"فصل حضرموت\" عندما تفقد الامل في السيطرة على الجنوب, إلا أن مصير وحدة الجنوب سوف تحدده القوى الاقليمية المجاورة.

الحفاظ على سلامة اليمن ووحدته مسؤلية الشمال.

إذا ما حاول العصفور الخلاص من الأسر بجناح واحد فإن مصيره السقوط, وكذلك اليمن لايمكنه الخلاص بجناح الجنوب وحده.

فإلى الآن لم يتبنى الحراك الشعبي في المحافظات الشمالية قضية وطنية عامة تضمن تحقيق كافة المطالب وتستمد قوتها من شرعية الشارع لا من شرعية النظام على غرار القضية الجنوبية.

فرغم قوة حراك الحوثيين ودورة الحاسم في التعجيل بولادة القضية الجنوبية إلا انه لا يزال يتحرك في اطار قضية خاصة وهي حق الدفاع عن النفس لا في اطار قضية وطنية عامة.

اما بالنسبة للتحالفات القبيلة المعارضة فلا تزال تنطلق من مواقعها المناطقية ومن خلال ثقافتها القبلية التي تتفاعل مع القيم والمبادئ من خلال بُعدها المصلحي لا من خلال بُعدها الإنساني والأخلاقي المجرد. فرغم احتواء ادبيات هذه التحالفات على الكثير من المبادئ والقيم الأخلاقية إلا أنها لم تتحرك خطوة واحدة لإيقاف نزيف الدم في صعده ولم تساهم بأي مجهود في سبيل مناصرة الحقوق المدنية والفكرية للمستضعفين.

اما بالنسبة لأحزاب المعارضة فإنها لا تزال تتحرك داخل دائرة مغلقة رسمتها السلطة بإتقان بحيث يستحيل عليها تجاوزها للوصول الى سدة الحكم.

إن سبب ارتباك الحِراك المعارض في الشمال يعود لعدم تجانس اقطاب هذا الحِراك بل و تصارعه في معظم الأوقات. فبدلاً من أن تستغل المعارضة صمود الحوثيين لتقوية موقفها امام السلطة, أعلن الشيخ حميد الأحمر (احد أهم أقطاب المعارضة في الشمال) بداية 2007 الحرب على الحوثيين داعياً إلى سحقهم وقام بتجنيد آلاف القبائل وزج بهم في الصراع لصالح السلطة. أضف إلى ذلك تعاطف حزب الإصلاح مع السلطة في حربها على الحوثيين وانزعاج الكثير من قيادته علناً من توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار.

كما ان امكانية استفادة المعارضة في الشمال من تطور القضية الجنوبيه لا تزال محدودة لان قدرة معظم القيادات الشمالية على استيعاب واقع القضية الجنوبية ودرجة تطورها تكاد تكون معدومة. فقبل أيام صرح رئيس مجلس التظامن الوطني الشيخ حسين الأحمر من عدن بضرورة ان تقوم الحكومة باعتقال ومحاكمة من يدعوا للانفصال جاهلا أو متجاهلا أن الغالبية من أبناء المحافظات الجنوبية ترغب في الانفصال وذلك بسبب تراكمات نتائج حرب 94. والطامة الكبرى انه يقول هذا الكلام في لقاء صحفي من بيت علي سالم البيض الذي احتله في حرب 94.

ولابراز مشكلة عدم تجانس القوى السياسية في الشمال بشكل ادق سوف اقوم بتقسيم وتحديد القوى الرئيسية المؤثرة:

أولا القوى العقائدية وتنقسم الى قسمين:

- الشيعة بقيادة الحوثيين وهم اليوم في موقع الكفاح المسلح للدفاع عن وجودهم وحقوقهم وهم ألان قوة لا يستهان بها ولم يعد في الإمكان الاستمرار في حرمانهم من حقوقهم.

- السلفيين بقيادة حزب الاصلاح وهم اليوم في موقع الدفاع عن الامتيازات المكتسبة والمتمثلة في الاستحواذ على الساحة الدينية على حساب الشيعة, وهم الى الان غير مهيئين للاعتراف بحقوق الشيعة ولو في اضيق الحدود, ولازالوا حتى اليوم اشد المحرضين للحكومة للقضاء على الحوثيين.

ثانياً القوى المصلحية وتنقسم الى قسمين:

- المستفيدين من النظام بقيادة الاسرة الحاكمة وحزب المؤتمر.

- المشائخ ويحققون مصالحهم أما بالتحالف مع النظام أو بالارتباط بالخارج.

ثالثاً القوى الليبرالية و هم خليط من اليساريين والحقوقيين والمحافظين المنفتحين. ويتوزعون على بعض الاحزاب والمؤسسات المدنية والحقوقية والثقافية.

اما بالنسبة للأحزاب السياسية فإنها تتوزع بين تلك القوى بنسب مختلفة, في الوقت الذي لا تزال فيه الغالبية الساحقة من الشعب مستسلمة وخارج اللعبة السياسية.

إن استمرار عدم التجانس الذي يصل حد التصارع بين أقطاب المعارضة في الشمال يعني استمرار التدهور حتى تحقق انفصال الجنوب ومن ثم تفكك الشمال الى دويلات ومراكز نفوذ قبلية ومذهبية ومناطقية.

وسبب عدم تجانس الحراك المعارض في الشمال يعود لغياب قضية وطنية عامة تعبر عن كافة تطلعات المتضررين من النظام وتستمد شرعيتها من الشارع لا من شرعية النظام. والقضية التي تحقق تلك المطالب هي قضية تحرير اليمن من النظام الاسري الفاسد.

وهذا هو منهج القضية الجنوبية وسر نجاحها, فهيا تتحرك في اطار قضية عامة وهي تحرير الجنوب وتستمد شرعيتها من الشارع لا من شرعية النظام.

صحيح أن تحرك بعض المحافظات الشمالية للاحتجاج على ارتفاع اسعار السلع التموينية يعبر عن قضية عامة تهم كافة المواطنين إلا أنها تعتبر قضية فرعية لا اصلية. والاكتفاء بتبني قضايا فرعية على حساب القضية الأصلية والتي يجب ان تكون إزالة النظام يبدد الجهود ويسهل للسلطة عملية التهرب من المسؤلية. فقبل أيام صرح رئيس الجمهورية بأن على الشعب التعود على اكل الدخن بدلا من القمح, والسمك بدلا من اللحوم لحل مشكلة الفقر محملاً الجياع مسؤولية جوعهم. ونفس الشيئ عند الاحتجاج على الفساد يطل علينا الرئيس منتقداً الفساد ومهدداً المفسدين بالضرب بيدا من حديد.

أضف إلى ذلك أن الحديث عن الغلاء وضيق العيش يثير مشاعر اليأس والإحباط بين الشعب لذلك نلاحظ أن ظاهرة الانتحار لأسباب معيشية تنتشر في المحافظات الشمالية فقط في مقابل ارتفاع نسبة المستعدين للتضحية في سبيل ما بات يعرف بالقضية الجنوبية. وذلك لعدم وجود قضية وطنية في الشمال تستحق التضحية في سبيلها وترفع من مشاعر الأمل بالخلاص من الوضع الحالي كما هو الحال في الجنوب.

الخطوات اللازمة لخلق قضية وطنية في الشمال.

أولاً: على احزاب المعارضة ان توجه رسالة إلى رئيس الجمهورية هذا مضمونها: ( سيادة الرئيس لقد وصلت اليمن في عهدك الى حالة من الفوضى والفقر والجوع والفساد لم يسبق لها مثيل في تاريخ اليمن القديم والحديث حتى أصبحت اليمن مهددة بالتفكك أن استمر الحال على ما هو عليه, لذلك نطالبك بالرحيل).

ثانيا: تنظيم عدد من الاعتصامات السلمية للمطالبة برحيل النظام, ومن ثم العمل على تعميم هذا الشعار ليكون هو المحرك لكافة الفعاليات المعارضة.

وعندما تصل هذة القضية الى مرحلة معينة من التطور والانتشار فإنها سوف تبدأ في التفاعل مع القضية الجنوبية الى ان تحتويها.

ومن اجل ضمان سرعة تفاعل القضية الجنوبية مع تحرك الشمال لا بد أن نكون صادقين مع أنفسنا حتى لا نظهر بمظهر من يحاول الاتفاف على القضية الجنوبية. لذلك أرى ضرورة الإقرار بمبدأ أن الوحدة لا يمكن أن تكون بالقوة ولا يمكن أن تستمر بها. وعليه سيتوجب علينا العمل لايجاد صيغة توافقية لإبقاء الوحدة مالم فان علينا الاحتكام لنتائج الاستفتاء على حق تقرير المصير بعد التخلص من النظام وفي ظل دولة المؤسسات حقنا للدماء وحفاظا على ما تبقى من اواصر التعاون والاخاء.

واذا ما تم هذا الاستفتاء في ضروف ديمقراطية صحيحة فأن من شبه المؤكد ان خيار ابناء المحافظات الجنوبية سوف يكون في أطار الوحدة الفدرالية او نظام الحكم المحلي واسع الصلاحيات. لان رغبتهم في الانفصال نابعة من دوافع انفعالية لا ذاتية.

وفي حالة كان خيار أبناء المحافظات الجنوبية هو الانفصال عندها لا بد من احترام هذه الرغبة بفك الارتباط سلميا وبشكل يضمن ولادة شطرين متعاونين و بنظامين ديمقراطيين تربطهما علاقات اخوية. لأنه ليس من المقبول اخلاقيا إجبار الآخرين على العيش معنا, وعلينا ان نتجرع كأس المر بشجاعة.

قد اُلام على هذا الطرح بدعوى أني أشجع على الانفصال إلا أن هذا الطرح يبقى هو الخيار الأمثل لحقن دماء اليمنيين وللحفاظ على الوحدة في حال كان هناك امل في بقائها.

هذا والله من وراء القصد,,,

محمد ناصر قائد البخيتي

 

تلفون: 0017808874479

 

[email protected]