يا عرّاب الحراك أخطأت في الحديث عن "الوحدة الوطنية"
بمناسبة الذكرى السنوية 50 لثورة 14 أكتوبر المجيدة
أنا أحترم الأخ محمد حيدرة مسدوس بل وأوده رغم أننا لم نلتق غير في مقيلين بصنعاء مع بعض مكالمات هاتفية قصيرة وقليلة، وأجده أكبر مثقف سياسياً في المكتب السياسي للحزب الإشتراكي اليمني، كما أعتبره الأب الروحي للحراك الجنوبي، لكن هذا الحراك تخلى أو بالأصح جحد أباه الروحي ليتسنى لغيره قيادة الحراك الذي أوقد شعلته مسدوس بكتاباته لكنه وبسبب روح التآمر لدى قادة الدولة الجنوبية السابقة وحزبها الإشتراكي وجد نفسه خارج الحراك كقائد وحتى كتاباته لم تعد تجدي مع الحراك وقياداته المتعددة وفصائله الكثيرة العدد القليلة الأثر. كما لم يعد لمسدوس تأثير في الحزب الإشتراكي إذ أبتعد عن الحزب ومعه عدد كبير من اعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية وذلك لأسباب عديدة منها عدم إنشغال بقية قادة الحزب بالقضية الجنوبية مع دفاعهم عن بقاء الوحدة على حالها رغم ثبوت فشلها وأكتفوا بمطالب تؤدي فقط لتجميل الوجه الدميم الذي آل إليه وجه الوحدة التي كانت هدفاً لكثير من مناضلي الجنوب والشمال لجمع شمل شعب واحد في دولة واحدة ولكنها تحققت بطريقة خاطئة تؤدي لإلغاء الجنوب وضمه للشمال (ومع ذلك أكرر هنا بانني مؤمن بأن الجنوب يمني وأن تسمية "الجنوب العربي" هي كلام فارغ من المحتوى المفيد وهي تسمية أوجدها الإستعمار البريطاني لنفي يمنية الجنوب، وتسمية الجنوب العربي انما تدل على إتجاه جغرافي فقط فهي لا تدل على هوية وطنية أو قومية).
وكان مسدوس قد كتب مقال بالعام الحالي 2013 بعنوان "من دروس التاريخ "وتوقع مني الكثيرون أن أرد عليه بسبب فقرة قال فيها "في ثورتنا السابقة كانت مصر عبدالناصر قد تبنت وحدة فصائل الحركة الوطنية الجنوبية في إطار جبهة واحدة أطلق عليها اسم جبهة التحرير، ولو كانت الجبهة القومية قد بقيت في إطار هذه الجبهة لما وقعت في الخطأ الذي وقعت فيه، لأن خروجها من جبهة التحرير وانفرادها بالسلطة أوجد شروخاً في الوحدة الوطنية الجنوبية وجعل لعبة المخابرات الدولية تنفذ منها وتؤدي إلى ما تلا ذلك من سلبيات". حتى أن الكاتب المعروف الأخ العزيز ناصر يحيى كتب بمقال له ما معناه "أتوقع أن الأخ نجيب قحطان يشحذ الآن قلمه ليرد على مسدوس".. لكنني فضلت عدم الرد على مسدوس وأن "أمررها له هذه المرة" أولاً لأنني أوده وثانياً لأنه صار معتاداً أن لا تكون بعض كتاباته في الآونة الأخيرة أو العامين الأخيرين بنفس مستوى كتاباته السابقة فقد صارت تتضمن أحكاماً أستغرب أن تصدر عنه ومن ذلك مناداته بتقسيم الجنوب بعد إستعادة الدولة الجنوبية ـ التي ذهبت مع الريح ولن تعود ـ إلى ولايتين فدراليتين على أساس تقسيم الجنوب في العهد الاستعماري إلى محميات غربية وأخرى شرقية ولم يفسر دوافع مقترحه ولماذا الفدرالية أصلاً؟ ولماذا ولايتين فقط فلا يكفي الاستناد لتقسيم المحميات البريطانية فذلك كان له دوافعه الموضوعية لدى بريطانيا ولا يصح محاكاتها في تقسيم الجنوب بعد انتهاء الاحتلال البريطاني فمن أعظم إنجازات ثورة 14 أكتوبر المجيدة توحيد ولايات الجنوب في دولة واحدة إندماجياً بحكومة واحدة فقط لكل الدولة مما أدى لإزالة الحواجز بين ابناء الجنوب التي أقامها الاستعمار والحكم السلاطيني (وهذه الأيام طالعين لنا فيما يسمى بمؤتمر الحوار بحركة رجعية لئيمة وهي تقسيم الجنوب لأكثر من ولاية ومنها ما يسمى اقليم شرقي وطبعاً ذلك تمهيداً لفصل حضرموت ألا تباً لكم سلطة ومعارضة فأنتم الذين أفشلتم الوحدة اليمنية والآن تتهربوا فتلقوا بالمسئولية على شكل الدولة يا فاشلين وبياعين اوطان ثم أن الفدرلة ضد ما نصت عليه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي قضت بحل القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار بما يحفظ لليمن وحدته بينما الحاصل الآن هو محاولة خروج المؤتمر بالفدرلة أي نسف الوحدة فالفدرالية إتحاد لا وحدة لقد تجاوزتم الدستور والمبادرة الخليجية لتحاولوا تفتييت اليمن بل والجنوب!) كما أن مشروع مسدوس تجاهل وضع مدينة عدن إذ لم تكن ضمن المحميات بل مستعمرة.
ثم جاء حديثه عن "مصر عبدالناصر قد تبنت وحدة فصائل الحركة الوطنية الجنوبية في إطار جبهة واحدة أطلق عليها اسم جبهة التحرير" وهو بذلك خالف الحقيقة بزاوية قدرها 180 درجة فما حدث كان محاولة من جهاز المخابرات العامة المصري للقضاء على الجبهة القومية كون قيادتها لم تكن ترضخ لرغبات القاهرة وتعمل باستقلالية معتبرة أن قضية تحرير الجنوب هي المسئولة عنها بالدرجة الأولى لا القاهرة فعملت مصر على إنشاء تنظيم بديل أعلنته فجأة في 13 يناير 1966 باسم جبهة التحرير وأعلنت ضم الجبهة القومية إليه دون موافقة أو علم قيادة الجبهة القومية باستثناء واحد منها (الأخ علي السلامي) الذي تحت إشراف المخابرات المصرية وقع نيابة عن الجبهة القومية (وليس لديه تفويض من أي إطار تنظيمي بالجبهة) فيما وقع الأخ عبدالله الأصنج عما سمي بمنظمة تحرير الجنوب المحتل التي شكلها بعد إنطلاق ثورة 14 أكتوبر وضمت بعض السلاطين السابقين ولم تمارس الكفاح المسلح لتحرير الجنوب، وكانت الأجهزة المصرية تعلم بان المناضلين قحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف سيكونان صخرة تتحطم عليها جبهة التحرير فأحتجزتهما بمصر إلى أن تمكن فيصل من الفرار بعد 9 أشهر إلى بيروت ومنها إلى تعز ثم إلى الجنوب وأحيا الجبهة القومية التي كانت قد قتلتها فعلا الأجهزة المصرية والموضوع طويل وأريد أن اخلص بأنها يا أخ مسدوس لم تكن حركة وحدة وطنية تلك التي وقعت في 13 يناير 1966 فهي حركة إنقلابية على الجبهة القومية وثورة 14 أكتوبر تمهيداً لسير القاهرة مع الرياض على طريق التسويات السلمية لتصفية ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر بعدما عجزت مصر عن كسر شوكة الجانب الملكي في الشمال المدعوم من الرياض، تلك حقيقة مؤامرة 13 يناير 66م وأنا متأكد بأنك تدرك ذلك جيداً ولكنك تركب فوق ظهرها لتلبس لقحطان وفيصل أن رفضهما لما تسميه بالوحدة الوطنية في إطار جبهة التحرير هو سبب بلاوي الجنوب لاحقاً! ومرة أخرى أنا متأكد جداً بأنك تدرك بأن سبب كل بلاوي الجنوب منذ يوم الإستقلال وإلى اليوم هو الأفكار المتطرفة (الشيوعية) لجماعة عبدالفتاح اسماعيل وسالم ربيع علي (سالمين) الذي كنت أنت واحداً من جماعته وبنفسك اعترفت مراراً بعد الوحدة اليمنية بأنكم كجماعة متطرفة كنتم بعد الإستقلال على خطأ وأن قحطان الشعبي كان على حق، وها أنت ذا تقول بنفس مقال "من دروس التاريخ" ما يلي :
"بعد الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م جاء الى السلطة الصف القيادي الأول للجبهة القومية، وعلى رأسهم قحطان محمد الشعبي وفيصل عبداللطيف الشعبي، وكان ممكن لهذه القيادة ان تجعل من عثرة خروجها من جبهة التحرير وثبة إلى الامام، خاصة وأنها تبنت خطاً سياسياً وطنياً خارج لعبة الكبار، ولكننا – للأسف - قد وقفنا ضد هذه القيادة باسم اليسار حتى تم إسقاطها".
وفي مقال لمسدوس بعنوان "توضيح عاشر للحراك" يكتب ما يلي:
"لقد سأمنا من الصراعات الداخلية ودفعنا ثمنها ومازلنا ندفعه ولا نريد تكرارها . فقد ادركت بعد احداث الرئيس ((سالمين)) بأننا قد أخطأنا على الرئيس قحطان الشعبي وانه كان على صواب ونحن على خطأ" وهذه فضيلة تحسب لك فقد قلت الحقيقة كما أنها شجاعة منك أن تقول ذلك وأنت كنت أحد أعمدة حكم سالم ربيع.
وكتاباتك المنصفة هي التي جعلتني أذهل عندما أجدك تدين رفض قحطان وفيصل أن تدمج الجبهة القومية في جبهة التحرير وتعتبر قيامها بمثابة وحدة وطنية لا مؤامرة استخبارية، أنا أفهم أنك تسعى إلى تحقيق وحدة وطنية حالياً لكل الفصائل الجنوبية لكن ليس معنى ذلك أن تعتبر رفض قحطان وفيصل للدمج في جبهة التحرير كان عملاً ضد الوحدة الوطنية! وحدة وطنية مع من ؟ مع الأصنج وشعلان (المنتحل اسم باسندوة) اللذان أدانا الكفاح المسلح لتحرير الجنوب وكانا يراهنان على حل سلمي لم يتحقق فأصبحا ضمن من استقطبتهم القاهرة لتكوين جبهة تحرير كبديل للجبهة القومية؟ أم الوحدة مع سلاطين وقد جاء على رأس جبهة التحرير إثنان منهم فمنذ متى كان هناك سلطان ثار لأجل شعب الجنوب وتحرره ووحدته؟ هل الوحدة الوطنية أن يوقع السلامي نيابة عن الجبهة القومية "سُكيتي" مع الأصنج بترتيب من المخابرات العامة المصرية لدمج الجبهة القومية في تنظيم جديد يجيئ على رأسه الأصنج وشعلان وسلاطين مخلوعين وبدون موافقة أو علم الأمين العام للجبهة القومية (قحطان) والرجل الثاني في قيادتها (فيصل) وبدون علم بقية قيادتها وبدون علم قادة جبهات القتال وعندما يرفض قحطان وفيصل ذلك تعتبر أن ذلك الرفض هو رفض للوحدة الوطنية؟! فهل كان مفروضاً أن يفاجأان بتصفية الجبهة القومية وتسليم رفاتها للأصنج وشعلان والسلاطين المخلوعين فيعتبران ذلك وحدة وطنية ويصفقا؟ مالك يا رجل؟
ثم أين هي يا مسدوس الوحدة الوطنية وانتم كسلطة بعد 22 يونيو 1969 رفضتم مطالبات ما عرف بجماعة قحطان وفيصل لعقد مؤتمر للتنظيم الحاكم (الجبهة القومية) لحل الخلافات التي أدت لإستقالة رئيس الجمهورية (قحطان) ورئيس الوزراء (فيصل)؟ وهل الوحدة الوطنية هي في إغتيال فيصل وحبس قحطان انفرادياً حتى الموت والتصفية الجسدية لرفاقهما علي عبدالعليم وسيف الضالعي والبيشي والشاعر والكندي والعقيد صديق احمد حسني ومئات المناضلين الشرفاء؟ وطرد آلاف المواطنين مدنيين وعسكريين من وظائفهم لتطهير أجهزة الدولة من الموالين لقحطان، ثم لماذا وانتم في السلطة لم تعملوا وحدة وطنية مع جبهة التحرير التي كان لا يزال حينئذ مئات من مناضليها أحياء؟ ولا عملتوها مع الرابطة ولا مع بعض السلاطين فبعض السلاطين لم يجرموا بحق مواطنيهم وبصراحة كان بعضهم أرحم منكم في تعاملهم مع مواطنيهم وطبعاً تذكر أن محكمة أمن الدولة حاكمت عقب الإستقلال عدد من حكام العهد الاستعماري من سلاطين وغيرهم وحكمت عليهم بالإعدام وثار جدل في القيادة العامة للجبهة القومية حيث أصر المتطرفون على تنفيذ الإعدام فيما رفض الرئيس قحطان ومجموعته وفي الأخير حسم الرئيس الأمر باللجؤ لسلطاته كرئيس للجمهورية وأصدر مراسيماً يخفف فيها تلك الأحكام من الإعدام إلى السجن لعشر سنوات وقال للمتطرفين في القيادة العامة سأصدق فقط على الأحكام بإعدام حكام العهد الاستعماري إذا كانت غيابية لكن من يحاكم منهم من سلاطين أو أمراء أو شيوخ أو وزراء حضورياً ويحكم عليه بالإعدام فلن أصدق على الحكم وسأخففه للسجن لعشر سنوات.
بأختصار يا مسدوس، ليس أدل على سعي قحطان وفيصل لتحقيق الوحدة الوطنية من أنهما لم يقودا بفرع حركة القوميين العرب بالجنوب ثورة 14 أكتوبر بل دعيا كل الفصائل ذات الإتجاه القومي (عدا الشيوعيين والإنفصاليين والرجعيين) للإنخراط مع فرع الحركة في جبهة واحدة لخوض حرب التحرير فتشكلت الجبهة القومية بدمج 7 منظمات وطنية سرية وبعد تشكيلها أنضمت إليها منظمات جنوبية أخرى فلا تقل لنا بأن رفضهما للمؤامرة الاستخبارية المصرية بتشكيل جبهة التحرير كان عملا ضد الوحدة الوطنية فعندما ترفض تصفية تنظيمك الثوري لتنخرط في تنظيم صنعه جهاز مخابرات سيئ الصيت وضم إليه عملاء الاستعمار ومن عارضوا الكفاح المسلح فأن ذلك لا يعتبر رفضاً للوحدة الوطنية ولكن حرصاً على استمرارية ثورة التحرير وتنظيمها المفجر والقائد بينما أنتم كيسار متطرف لم تحققوا وأنتم بالسلطة الوحدة الوطنية إلا مع فصيلين صغيرين شيوعيين وقتلتم وحبستم وشردتم برفاقكم في نفس التنظيم الجبهة القومية بل هم قادتكم في مرحلة حرب التحرير وفي دولة الإستقلال.. وأين الوحدة الوطنية الجنوبية حالياً؟ لا وجود لها بل أنك أنت يا عراب الحراك انقلب عليك وأزاحك رفاقك كي لا تكون زعيماً للحراك وهذا يا مسدوس عدم وفاء منهم وخيانة لك يا من أضأت لهم الطريق وعزائك هو أن الحكاية هي نفس الحكاية .. حكاية حب التآمر الذي تم في 13 يناير 1966 وتجدد فور إستقلال الجنوب بالتآمر على الرئيس قحطان الشعبي ثم أخذوا يتآمرون على بعضهم والآن بعد نحو45 سنة من الإستقلال لا يزالوا يتآمرون على بعضهم وعلى قضية الجنوب لتحقيق مكاسب شخصية وقد تآمروا عليك بعدما أوقدت شعلة في وقت كانوا هم فيه نائمون نومة أهل الكهف.