شركة عدن للأمن والسلامة

  

مقالات
ياسر محمد أسكيف

لنعرّف ال(ثورة) أولا ً

الاثنين 18 فبراير 2013 12:21 صباحاً

كلّ من هو ضدّ ( الثورة ) السورية فهو بالتأكيد مع النظام السوري . وكلّ من هو ضدّ النظام فهو بالتأكيد مع الثورة . ولا يمكن لأحد أن يكون ضدّهما معا ً , أو معهما معا ً .!!!!
هذه المقولات الحديّة , وغيرها الكثير , تجعلني أرى أنه من الضروري الابتعاد عن القياس على ما اعتقدناه مسلمات ( تحديدا ً تلك التي ترتبط بجذر عاطفي شكّلته البيئة والمحيط ) إذ غالبا ً ما تكون هذه ال" مسلمات" نا هي الأحوج , من أية نظرية , إلى برهانها المؤكد . وهذا يعني بأنه ليس الابتعاد ضرورة فقط , بل إعادة النظر الشاملة فيما نظنه مسلماتنا ومعرفتنا المستقرّة .
والذي يدفعني اليوم إلى هذه المُقدمة المُختصرة هو ما تمّ الاتفاق على تسميته ( الثورة ) السورية . والتي أجد بأن الكثير من الأسباب والحيثيات , التي تتجاوز في عمقها الشكليات اللغوية , تدفع إلى إعادة تعريف , جديّ ومسؤول , لما استقرّ في أذهاننا من معان ٍ ل( الثورة ) كحاصل للمعارف النظرية التي أنتجها بحث ودراسة التجارب الثورية على مرّ التاريخ والأزمنة الحديثين .
إن ما يحدث في سورية اليوم لا يقترب من معنى الثورة , في الكثير من جوانبه , إلا إذا كانت الثورة لا تعني سوى ( إسقاط السلطة ) , إسقاطها فحسب . متخليّة بذلك عن أهم معانيها : ( التغيير العميق في بنية الدولة والمجتمع ) ومكتفية بما يجعل منها حركة انقلابيّة لا أكثر , تستبدل سلطة بسلطة أخرى . مع ما يترتب على هذا الاستبدال من تدمير للبنى الاقتصادية والاجتماعية , التي من المُفترض أن تكون عوامل داعمة لأي تغيير يكون التقدم أحد أهدافه , أو حتى مُفرداته . وهنا يقع فقدان شرط الكفاية الذي يجعل من الاسم دالا ً على مُسمّى . دون أن يعني ذلك بأن إسقاط السلطة أمر غير ذي قيمة , ولكن شرط أن يكون مرحلة من مراحل يتضمنها برنامج استراتيجي يجري العمل على إنجازه وتطبيقه كسلسلة لا تنفصم من الخطوات أو المراحل . وهذا ما يغيب تماما ً عن طروحات المعارضة السورية , ويجري استبداله بالوقوف عند المرحلة الأولى , على أن يتمّ التفكير بالمراحل التالية على ضوء الكيفية التي ستنجز بها هذه المرحلة , والمُلاحظ في سير عملية الاسقاط هو أن المرحلة الثانية ستكون محاولة فاشلة على الأرجح , كما هي المحاولة حتى الآن , لتكرار عملية الاسقاط . وعملية الإسقاط هذه تستحوذ تماما ً على تفكير المعارضة الديموقراطية , كما على خطواتها الإجرائية , على اعتبار انها فرصة تاريخية قد لا تتكرّر في المدى القريب , وهي في الوقت ذاته تتيح لهم فرصة التنصّل من عواقب المستقبل بدعوى أنهم ليسوا من أسقطها , أو أنهم , على الأقل , ليسوا من استخدم العنف في إسقاطها . وهذه العملية , التي مازالت في طور العمل عليها , هي ما يشكلّ القاسم المشترك ل ( الثوريين ) السوريين , وهي ما يجمعهم على أنهم متن الثورة .
ما تقدّم يدفع إلى السؤال عن المشروع الذي تحمله (الثورة ) السورية على عاتقها . وفي البحث عن الجواب نكتشف أنه ما من مشروع ينتمي إلى الفعل الثوري , الذي يحفظ للثورة خصيصة روح التاريخ , بل هنالك مشاريع لتحقيق أهداف ذاتيّة بامتياز , ولا تقترب أبدا ً من روح التاريخ , باستثناء المشروع الذي تتبناه قوى المُعارضة الديموقراطية , والمُرتهن هو الآخر , في كمه الأعظم , إلى إرادات ذاتية تتناقض معه في العمق . وهذه المشاريع يمكن إجمالها في فئتين رئيسيتين , تنطوي كلّ فئة منها على زمر وفصائل يعوزها التجانس والانسجام :
1 - التيار الديني : وهو , بكافة أطيافه , تكفيري جهادي متشدّد , ومعاد ٍ لكافة أشكال الدولة المدنيّة . والقبول المُعلن , للبعض من هذه الأطياف بالديموقراطية , لا يتعدى استخدامها كطريق إلى السلطة . ويمكن حص هذا التيار بين حدّيه الأكثر تداولا ً إعلاميا ً والمتمثلين ب ( الجيش الحرّ = الجناح العسكري للإخوان المسلمين ) و( جبهة النصرة = النسخة الشاميّة من تنظيم القاعدة ) وبينهما تنتشر عشرات المجموعات المُسلّحة .
- الجيش الحرّ ( الاخوان المسلمون ) ينحصر مشروعهم في إسقاط السلطة , وإقامة دولة إسلاميّة على أنقاضها . بمعزل عن الثمن , وبتعطيل كامل للسؤال عن الآليات . ( الاستعداد للتحالف مع الشيطان من أجل إنجاح مشروعها )
- جبهة النصرة : ينحصر مشروعها , هي الأخرى , في إسقاط السلطة , وإقامة إمارة , أو إمارات , إسلاميّة
والملاحظ أن العلاقة التي تربط هذا التيار بمعنى الثورة ينحصر في إسقاط السلطة , وبمعنى الثورة السورية حصرا ً فهي عملية استيلاء , لحساب الدولة الدينية , على مبادئ الثورة ومنطلقاتها التي مثلت مطالب الشعب في الحريّة والعدالة . أي هي هيمنة على المطالب الشعبية من أجل إنجاح مشروع ظلامي تكفيري . فما علاقة هذا بالثورة إذا وضعناها في إطارها المادي التاريخي ؟
2 – التيار الديموقراطي العلماني : وهو يشمل كلّ من يعمل على بناء الدولة السورية كدولة ديموقراطية تعددية عادلة واحدة سيّدة . وتمتد أطياف هذا التيار , هي الأخرى , على مساحة واسعة من إختلاف الرؤى , والتوجهات . ولا ينقصها التباين الكبير في الكيفيات التي ستؤدي إلى بناء مثل هذه الدولة . واللافت أن الكثير من طيف هذا التيار يلتقي تماما ً مع التيار الديني بضرورة إسقاط السلطة السورية وبأي ثمن . ويرفض الحوار إلا بشرط رحيل الرئيس الأسد , مُنحازا ً بهذا إلى التفسير الأمريكي لمسألة ( حكومة انتقالية بصلاحيات تنفيذية واسعة ) من خطّة جنيف . والحدّية التي تتعاطى بها هذه الأطياف مع بعضها البعض تعكس روحا ً إقصائية مشينة , وفكرا ً واحديّا ً مستبدا ً , يدفع المتابع إلى السؤال , ليس عن معنى الديموقراطية فحسب , بل عن معنى ( الثورة ) الديموقراطية برمّتها .
وعند هذا السؤال ينبري الجميع للتذكير بالبدايات , وكأن البدايات وحدها كافية لتبرير الانحراف الذي أصاب الحراك السلمي , أو ( الثورة ) السلمية , هذا الانحراف الذي لم يحوّل مسار ( الثورة ) بصفتها ( ثورة ) من الحالة السلمية إلى الحالة القتالية ( العسكرية ) بل أعطى الثورة ذاتها معنى آخر تماما ً حينما مسخ الأهداف , التي قام من أجلها الشعب السوري , إلى هدف واحد ووحيد هو الاستيلاء على السلطة بالقوّة والعنف , وفرض واقع جديد يتنافى جذريّا ً مع الشعارات التي أطلقها الحراك كعناوين لآماله وتطلعاته . وعلى الديموقراطيين السوريين , الملتحمين بالحراك الشعبي , والمؤمنين , حقيقة , بحقه في الحريّة والعدالة , أن لا يقللوا من خطورة هذا الانحراف على اعتباره طارئا ً , ومؤقتا ً سيزول مع زوال السلطة , بل على أنه سيشكّل طبيعة الدولة القادمة , إن تشكلت دولة واحدة ! , ولن يفعل سوى إبدال ديكتاتورية عسكرية أمنية , بديكتاتورية تضيف إلى ما سبق زوال أي مظهر مدني عن الدولة . وعليهم أيضا , أقصد أولئك الديموقراطيين , أن لا يتنازلوا عن قراءتهم الموضوعيّة , بدعوى الأمانة ل(الثورة) , لمجريات الحراك وانعطافاته , حتى لو قادهم ذلك إلى التشكيك بعلاقة المستقبل بهذه ال( ثورة) والتعاطي معها على هذا الأساس . ربما , أقول ربما , لا نحتاج عندها إلى ملحق , أو ملاحق , للثورة .

نقلاً عن / الحوار المتمدن