محمد عيدروس.. في ذكرى رحيله الأولى
اليوم أكتمل نصاب الألم.. اليوم أذرف آخر دمعات الأمل.. اليوم أقول للوجع أمكث حيث أنت.. طالما والمقام طاب لك.. أمكث بين حنايا قلبي.. أربض بداخلي لا ترحل فلا يجدي نفعا رحيلك أو بقائك.. اليوم يكتمل نصاب كل شيء.. الحزن .. البؤس.. العناء..حتى الدمعات نضبت ينابيعها وبات قعرها جاف ولم يعد فيها قطرة دمع واحده لتذرفها إن داهمها الحزن أو أستبد بها القهر والانسحاق..
فالدمعات إن لم تكن حزنا لفراقك وقهرا لرحيلك وإن لم تكن لك فهي مجرد (قطرات) مجردة من الأحاسيس والحرقة ولا تستحق أن نذرفها أو نستجدي هطولها أو نتصنع نزولها..حتى الشوق هو الآخر (شب) وبلغ من العمر عتيا ومع مرور الأيام والشهور أخذ يتعاظم ويكبر ويزداد شوقا لك كلما داعبت ذكراك حنايا القلب وثنايا الروح..
اليوم يعلن اليوم!! عن ذكرى رحيلك الأولى وينعي ذاته ويتحسر على رحيلك الذي لم يكن يريده أحد أو يتمناه إلا أن الأقدار قالت كلمتها وشاء الله أن يرفع روحك إليه ويوارى جسدك الطاهر عن عالمنا ليدثره التراب وتحتويه جدران القبر, تقله الأرض وتظله السماء وتسامره الوحدة بعد أن مضى كل إلى حاله وغايته..
ولكن رغم حقيقة ذلك اليوم الذي تبددت فيه كل الأكاذيب وباتت حقيقة رحيلك مؤكدة لا تحتمل الكذب الذي كم تمنيت أن يكون في ذلك اليوم هو المنهاج الذي نخطو عليه ونتعامل به لكي تكون أنباء رحيلك مجرد كذبة نتداولها ككذبات أبريل البائس والمؤلم في حياة أبناء مدينتك, فنحن لم ننسك ولم تفارقنا لحظة أو تترجل عن حنايا أرواحنا ودواخلنا برهة واحدة أو تغب عن عالمنا البائس من دونك,بل كنت حيا تسكن أحشائنا وتسري في دمائنا وتصعد مع أنفاسنا وتجول في خواطرنا, خالدا بقيمك وأخلاقك وتعاليمك وإنسانيتك وتدينك الذي تعلمنا منه إن الأخلاق هي الأمم الباقية والذكرى الخالدة حتى بعد فناء الجسد واندثار الكيان..
لم تمت في حنايا الأرواح لانك سكنتها وبت أنت وأرواحنا روحان تسكن جسد واحد يلفظ روحه ويمقتها لتظل روحك خالدة وساكنة بين حناياه حبا فيك وإجلالا لشخصك وتعظيما لمكانتك التي أستحوذت على أفئدة الصغار والكبار والأصدقاء والأعداء, من عرفك ومن لم يعرفك, ومن تاق لأن يعانقك ويكحل ناظريه برؤيتك التي تنشرح لها النفوس وتسعد لها القلوب وتتوق لها الأحداق وتتمناها الخلجات..
لم تمت رغم أننا اليوم ننتحب لذكرى رحيلك وننوح كلما تذكرنا هذه الحقيقة المؤلمة التي قامت بفعلها الدنيا ولم تقعد, وخيم الحزن على الملامح وأستبد بالدواخل وأعلن عن إقامته الجبرية ليقصي السعادة والابتسامة ويطردها إلى البعيد دون رجعة..
اليوم من كل عام هو الذكرى الموجعة التي تمزق الحنايا وتوقد نيران الأحشاء وتقتل كل لحظة فرحة وتميت الابتسامة على الشفاه وتطرد من الثنايا سعادة نتصنعها وضحكات زائفة نستجديها من حنايا بائسة طلقت الابتسامة وأعلنت الحداد وارتدت ثوب العناء والشقاء بعد أن غاب محياك عن عالمنا ورحلت ابتسامتك عن دنيانا..
اليوم فقط أدرك الكل ان الرحيل مؤلم وأن الفراق موجع وأن الأحبة يتركون في الثنايا شرخا غائرا تنكيه لحظات الذكرى التي تداعب دواخلنا كلما هزنا الحنين والشوق لأن نعانقهم أو نكحل ناظرينا برؤياهم ..أدرك الكل أن الأطفال تيتموا وأن الأمهات أثكلت وأن الحياة باتت لا تطاق والوجود لا يحتمل وان كل شيء بعد رحيلك زائف وأن ما من شيء يستحق أن نضحي من أجله أو نسعى له أو نجابهه..