رئيس تحرير روز اليوسف : حل جماعة الإخوان حفاظا على الدولة المصرية
عدن اليوم - متابعات | الخميس 15 أغسطس 2013 02:18 مساءً
كنا فى الأيام الخوالى نمضى الوقت فى المسافة من باب اللوق إلى حلوان ــ 54 دقيقة ــ فى التعارف وتبادل الحكايات والأخبار والنكات.. كنا فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى شعباً واحداً لا فرق فيه بين مسلم ومسيحى أو بين ليبرالى أو يمينى أو بين رجل وامرأة.. كلنا فى المترو مصريون نزهو بانتصار أكتوبر وبمصريتنا.. أيامها كنا قد ودعنا الصديق السوفيتى.. ونتابع أخبار الجماعات المتطرفة فى صفحات الحوادث مثل أخبار المتهمين فى قضية الفنية العسكرية وهى الجريمة التى ارتكبها أعضاء جماعة شكرى مصطفى أو أخبار قضية اغتيال الشهيد الشيخ الذهبى الذى قتل فى منزله بحى حدائق حلوان.. أو غيرها من القضايا.. باختصار كنا نعتبر أعضاء تلك الجماعات مجرد مجرمين أو قتلة يستخدمون الدين فى محاولة لهدم الدولة المصرية بمحاولات دموية للاستيلاء على الحكمفى مصر أو تهديد الاستقرار فى هذا البلد.
وعندما جاء الرئيس الأمريكى الأسبق نيكسون لزيارة مصر خرج المصريون لاستقباله بشكل مبهر.. وكنا كشباب نحلم بدولة الرفاهية فى مصر فى ظل التعاون مع الصديق الأمريكى.. وتوالت زيارات رؤساء أوروبا لمصر.. وتضخمت أحلام الشباب بعد أن صرح الرئيس السادات بأننا سوف نعاني من الرخاء وكان الشباب يترجمون هذه التصريحات بأحلام وردية ينتظرون تحقيقها.. أذكر أيامها أيضاً أن الشيوخ كانوا يحذروننا بأمثال شعبية مثل «لا شىء يأتى من الغرب يسر القلب».. أو بمعنى كلمة «صورة أمريكانى» أى أنها صورة غير حقيقية أى مجرد خدعة.. ومازلت أذكر أغانى الشيخ إمام وأشعار أحمد فؤاد نجم التى كانت تحذر وسط فرحة المصريين من الانفتاح على الغرب وبداية الصداقة مع الأمريكان.. ومن هذه الأغانى «شرفت يانيكسون بابا يا بتاع الووترچيت» والكلمات تعنى أهلاً بالرئيس الأمريكى الذى تجسس على منافسيه وكذب على شعبه.. وكانت فضيحة خرج بسببها الرئيس نيكسون من البيت الأبيض.. وأذكر أيضاً أغنية عن الرئيس الفرنسى تقول كلماتها «فاليرى چيسكار ديستان.. والست بتاعته كمان.. حيجيبوا الديب من ديله.. ويخلوا البر أمان.. الجمعيات تتكون.. والعربيات حتمون بدل البنزين بارفان».. وكانت الأغنية تسخر من أحلام الرفاهية التى يمكن أن يحققها الأصدقاء الغربيون للشعب المصرى.. وبعد سنوات أفقنا على حقيقة أن الأحلام ظلت مجرد أحلام لم يتحقق منها شىء.. وتعلمنا حكمة أن المتغطى بأمريكا عريان.. وأن الأحلام لا تتحقق إلا بالعمل والعرق والتخطيط والجهد والدأب فى العمل والابتكار.. وعلمتنا السنوات الأخيرة أن أغلب الجماعات الإسلامية وخاصة الجماعة الأم وهى الإخوان المسلمون يمثلون تهديداً حقيقياً للدولة المصرية وأن مكانهم الطبيعى فى صفحة الحوادث.. كما كنا نتفق ونختلف فى حواراتالتسلية فى مترو حلوان.. الغريب هنا أن أشد المعارضين لتلك الجماعات قسوة فى آرائه لم يكن يتخيل ما حدث فى مصر من جرائم على يد أعضاء تلك الجماعات.. أنا نفسى لم أتخيل يوماً أن هناك مصرياً ينتمى إلى هذا البلد يسعى إلى هدم دولته وإهانة وتشويه مؤسساتها بكل هذا الحماس الجهول.. أو يقتل ويعذب مصريين بلا تمييز بوحشية تغضب رب السماوات والأرض.. وبفعل ذلك باسم الله وباسم دين الإسلام السمح الذى نهانا عن كل هذا.. ودعانا إلى قول الكلمة الطيبة.. لأنها صدقة وأمرنا بالتبسم فى وجه أخيك، وإماطة الأذى عن طريق الناس.. والدعوة إلى الله بالموعظة والكلمة الحسنة.
ما دعانى إلى تذكر حوارات مترو حلوان فى السبعينيات.. التى ما زلت أذكر أغلب تفاصيلها أيام القرش والشلن والبريزة والجندى (اسم الدلع للجنيه الذى كان يحتل مكانة عظيمة فى قلوب وعقول المصريين).. هو ما يحدث فى إشارة رابعة العدوية وميدان النهضة وإطلاق الرصاص الحى على المارة فى بين السرايات وشارع البحر الأعظم وأمام مسجد صلاح الدين بالمنيل وإلقاء الأطفال من سطح عمارة سيدى جابر.. كان شيوخنا يحذروننا من خطره أيام شبابنا ولم نكن نصدقهم بدرجة كافية.. الآن صرنا شيوخا وصدق أغلبنا أن أعضاء تلك الجماعات المتطرفة والإخوان ناس بتوع ربنا.. وأثبتت الأحداث التى عشناها العام الماضى أنهم خطر على الدولة المصرية وعلى حياتنا وعلى مستقبل أولادنا.. وأثبتت الأحداث التى عشناها أن الأمريكان يبيعون الأحلام ويحققون مصالحهم وأن علينا أن نحقق أحلامنا بجهدنا وعرقنا وأفكارنا.. استوعب المصريون ما حدث لهم ولبلدهم خلال العقود الماضية بسبب الإرهاب الذى صنعته واشنطن لنصرتها ضد السوفييت فى حرب أفغانستان.. فظلت تدعمه لاضعاف الدول.. وأصروا على الانتصار والتحدى وعلى تحقيق الأحلام.. وخسر الإخوان والأمريكان الرهان.. بعد أن أدرك المصريون جيداً أنهما (الجماعة وواشنطن) يمثلان خطراً على نفسيهما وعلى العالم وقبل كل هذا خطراً على الدولة المصرية واستقرارها.. وفى مواجهة هذا الخطر لا بديل عن حل جماعة الإخوان المسلمين وفصل الدين عن السياسة حفاظاً على الدولة المصرية التى يجب أن تتعامل معها واشنطن بلغة جديدة وأساليب تحقيق المصالح المشتركة بعد أن انتهى زمن بيع الأحلام الأمريكانى بعد أن تعلم المصريون كيف يحققون أحلامهم.
من الواضح أن السبب الأهم لسقوط جماعة الإخوان وفشلها فى حكم مصر والمصريين هو أنهم يجهلون تماماً علم السياسة.. لم يسمعوا مثلاً عن هيجل الذى صور الدولة على أنها روح التاريخ المطلق للشعب.. وهى الكيان الذى لا يتمتع فيه الأفراد بحريتهم إلا فى حالة خضوعهم الكامل لقوانين الدولة.. ولم يحدثهم أحد عن أفكار ماكس فيبر الذى اعتبر الدولة هى وحدها المحتكرة للقوة.. والمحتكرة لحق توزيع الموارد فى المجتمع.. لو أن قادة الإخوان قرءوا لهيجل وطبقوا ما قاله على الحالة المصرية ــ لأدركوا أن الدولة المصرية هى تجسيد لروح التاريخ المصرى الممتد بلا نهاية عبر الزمن.. لو أنهم فهموا ما أسميه بالكود المصرى واستوعبوا هذا التواصل الإنسانى الممتد عبر التاريخ إلى اليوم.. هذا التواصل الذى يجعلنا نأكل البصارة الفرعونية ونحتفل بشم النسيم وأربعين الميت كما كان يفعل أجدادنا الفراعنة.. وهذا التواصل هو الذى يجعل المصريات اليوم يضعن «الاى لاينر» لتزيين عيونهن كما كانت تفعل نفرتارى وحتشبسوت.. بصراحة لا أجد عذرا لقادة الإخوان فى هذا الجهل إلا أنهم غرقوا فى أوهام الجماعة لدرجة أنستهم مصريتهم وهويتهم وانتماءهم لمصر.. وفى نفس الوقت أجد ألف عذر للأمريكيين فى عدم قدرتهم على فهم الكود المصرى وعمق الوعى الحضارى الذى يحمله كل مصرى فى وجدانه وروحه وعقله.. فقد أصبح البسطاء فى مصر يسخرون من عجز الأمريكان عن فهم روعة وعظمة الإنجاز الذى تحقق بعد 30/6 وهى الدولة المصرية والمجتمع والشعب المصرى صاروا يداً واحداً.. حدث هذا بعد سنوات طويلة من النضال.
ولتوضيح أهمية ما تحقق يجب القول إن تطور الدولة المصرية الحديثة فى عصر محمد على ارتبط بتبلور شكل الدولة العميقة التى تعنى تغلغل دور الدولة فى الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. حيث ظهرت الدولة فى مجالات الاستثمار والتطوير فى مجالات الزراعة والرى والطرق أيام زمن محمد على باشا.. وارتبط تطور المؤسسة العسكرية والمؤسسة التعليمية بالبعثات التعليمية التى أرسلت إلى أوروبا لتلقى أفضل العلوم اللازمة للدولة الحديثة.. حتى السكة الحديد أدخلها الاستعمار إلى مصر فى نهايات القرن التاسع عشر وارتبطت برغبة الحكومة المركزية والاحتلال فى تسهيل نقل البضائع والجنود بشكل يخدم الدولة المصرية العميقة.. وقد تطور شكل آخر لهذه الدولة فى مصر بعد ثورة 1952 جزء منه يتعلق بظهور شبكة جديدة للمصالح تختلف عن الشبكة التى تكونت بالملكية والاستعمار.. والتى ترتب عليها ظهور مجتمع الـ 01٪ وانتشار الفقراء والجهل والمرض بين غالبية الشعب المصرى، بينما تتمتع النخبة بكل عوائد التنمية فى هذا المجتمع.. بعد نجاح ثورة يوليو 1952، سعت الدولة المصرية إلى ممارسة المزيد من التغلغل فى المجتمع المصرى من خلال الاقتصاد والسياسة والتموين بل والثقافة والفنون والآداب.. حدث ذلك بغرض تحقيق نقلة نوعية للتوجهات المجتمعية فى تلك المجالات.. حيث سعت الدولة إلى لعب دور القائد الفكرى والسياسى والعسكرى والشعبى أيضا.. والتفاصيل هنا كثيرة.. ولكن من المهم الإشارة لهذا المستوى من التدخل من قبل الدولة فى المجتمع.. وهو الأمر الذى استمر ستين عاما وأكثر زادت خلالها تأثيرات شبكات الفساد والمصالح وتغلغلها وصاحب ذلك وجود الدولة القوية من خلال أجهزتها الضبطية ممثلة فى الأمن والضرائب.. ولكن ماذا عن المجتمع المصرى؟
.. عمل المجتمع المصرى خلال العقود الستة الأخيرة على تطوير آليات بقائه وتحجيم تأثير الدولة العميقة عليه.. وساعد على ذلك تراجع أعداد المجندين إجباريا.. وضعف دور الدولة فى توفير فرص العمل أو حتى توفير الخدمات الأساسية فى المجتمع وأدى ذلك إلى حدوث تشوهات كثيرة وزيادة حدة الرفض المجتمعى لضعف دور الدولة نتيجة للأمراض التى أصيب بها ومنها الترهل وعدم العدالة وانتشار الفساد.. فمثلا أدى تراجع دور الدولة فى توفير السكن المناسب للمواطنين إلى انتشار المناطق العشوائية التى دفع المصريون فى بنائها أكثر من 320 مليار جنيه كان يمكن للدولة إذا ما تعاونت مع المجتمع وبادرت بتلبية احتياجات الناس أن تخطط لبناء مناطق سكنية شديدة الجمال رغم رقة حال ساكنيها وربما بتكاليف أقل مما دفعه المصريون فعلا فى بناء هذا القبح.
ومع استمرار الدولة فى تجاهل حاجات مواطنيها اتجه المجتمع إلى تطوير آليات التعبير عن الرفض وزيادة فاعلية وسائل المقاومة بهدف توسيع هامش حرية المجتمع بشكل يقترب من مفهوم العصيان المدنى أى الامتناع الطوعى من جانب المواطنين على القيام بالتزاماتهم تجاه الدولة.. حدث ذلك ردا من المواطنين على تراجع دور الدولة كقائد للمجتمع.. فانتشرت كلمات مثل «وأنا مالى»، و«على قد فلوسهم» وانتشرت الدروس الخصوصية ردا على انخفاض مستوى التعليم.. والتهرب الضريبى ردا على تردى مستوى الخدمات.. وتهريب البضائع.. والفساد بكل أشكاله ومستوياته التى شارك فيها المواطن العادى فى مواجهة دولة يتزايد ضعف دورها وتأثيرها على المجتمع وتغطى الدولة هذا الضعف بزيادة قسوة قبضتها الأمنية، مما أدى إلى سعى الدولة إلى تحقيق المزيد من التغلغل فى المجتمع بهدف تقييد حرية حركته فظهرت على السطح كل أشكال العصيان التى مارسها أفراد المجتمع وأشرنا إليها.. وأخطر ما فى هذا الأمر أن كل هذا حدث دون أن يصاحبه أى نوع من أنواع الدراسة أو التحليل أو حتى محاولة فهم حقيقة التفاعلات التى تحدث فى المجتمع على المستوى الفكرى والنظرى تمهيدا للتعامل معها وحل التناقضات ما بين الدولة والناس.. وهو ما أدى إلى زيادة حدة المشاكل بين الطرفين.. وعندما زاد تغلغل نفوذ الدولة (بكل ما أصابها من فساد وغياب للعدالة وسعى دؤوب للتوريث) عن قدرة احتمال المجتمع توالت الاحتجاجات والاعتصامات وتزايد حجم نزول الناس إلى الشارع.. وانتهى الأمر بنجاح ثورة يناير فى إسقاط نظام مبارك.. ومثلت هذه الثورة صرخة قوية نادت بضرورة العمل على إعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع بشكل أكثر عدالة.
لم تفهم جماعة الإخوان كل هذا.. كان كل همها الصعود إلى مقاعد الحكم والتمكين من السلطة وأخونة الدولة أو بمعنى آخر هدم الدولة المصرية التى قضى الشعب المصرى تاريخه كله فى بنائها والارتباط بها وربما الشكوى منها.. ولكنها صارت جزءاً من وجدان المصريين وتراثهم الشعبى «إن فاتك الميرى اتمرغ فى ترابه» لذلك لجأ الشعب إلى «الميرى» «الجيش المصرى» ليتعاونا فى إزاحة هذه الجماعة المخربة التى حاولت بجهلها هدم الدولة المصرية أقدم دولة فى التاريخ.. والآن هل يمكن القول بأن التطور المستقبلى للدولة المصرية الجارى تشكيلها وتحديد دورها فى المجتمع فى ضوء التطورات التكنولوجية والتحديات البيئية سيحمل شكلا جديدا أو أشكالا جديدة للعلاقة بين المجتمع والدولة.. الإجابة بالتأكيد نعم.. ولكن هذه الإجابة تحمل معها احتمالات لا يمكن التنبؤ بها فى شكل هذا التطور وأنماطه.. خصوصا بعد الإنجاز المذهل الذى حققه الشعب المصرى فى أحداث 6/03 وما تلاها من وقائع مبهرة.. حيث نزل الشعب المصرى مستعينا بالله وبقواته المسلحة لإسقاط نظام الجماعة التى يشكل وجودها على قمة السلطة خطرا حقيقيا على وجود الدولة المصرية وأمنها القومى.
.. ومن ناحية أخرى.. وعلى الرغم من تذبذب الموقف الأمريكى من الأحداث السياسية التى شهدتها مصر على مدار الشهر الماضى.. إلا أن الشواهد.. تؤكد أن البيت الأبيض كان يبحث خلال هذه المرحلة عن صيغة مناسبة لإنقاذ أصدقائهم فى جماعة الإخوان المسلمين وممارسة مختلف أنواع الضغوط على الجيش المصرى.. حيث كشفت تقارير سيادية عن أن التدخل الأمريكى فى مصر لا يهدف إلى بناء نظام ديمقراطى كما تزعم واشنطن.. وإنما هى محاولات لإنقاذ جماعة الإخوان المسلمين وانتشالها من السقوط نظرا لاقتناع الإدارة الأمريكية بأن دور جماعة الإخوان، المهم هو تدمير الدولة المصرية وإضعاف وتقويض الجيش المصرى.. وهو نفس الدور الذى قامت به جماعة الإخوان فى سوريا وليبيا وتونس.. وربطت التقارير بين التحركات الأمريكية وبين تعيين روبرت ستيفان فورد سفيرا جديدا للولايات المتحدة الأمريكية بدلا من آن باترسون نظرا لما يتمتع به السفير الجديد من خبرات واسعة فى إثارة الصراعات والحروب الأهلية فى الدول التى خدم بها من قبل مثل الجزائر والبحرين والعراق.. وفى مواجهة كل هذا لابد من الالتفاف حول شعار الدولة والشعب إيد واحدة وأن نعمل بسرعة على تحقيق الانتصار فى معارك المستقبل التى بدأت مبكرا.