شركة عدن للأمن والسلامة

  

مقالات
مروان الغفوري

مرة أخرى، الإخوان قادوا الثورة التي انهزمت!

السبت 27 يوليو 2013 08:15 مساءً


النائب العام يوجه بحبس مرسي. بينما يجري إعداد ملفات ضخمة ضد باقي قيادات جماعة الإخوان المسلمين
بمن فيهم المرشد، الذي سيواجه تهمة قتل المواطنين أمام المركز العام في المقطم، مع الشاطر

أي احتمال حكم الإعدام.

التهم التي وجهت لمرسي كانت كلها تصفية نهائية لثورة 25 يناير.
فقد نسبت كل عمليات الغضب والفعل الشعبي العفوي في الثورة، وهجوم المواطنين على مراكز الشرطة ... الخ كلها إلى حركة حماس. 
وهو ما يجعل صورة ثورة 25 يناير الآن كما يعيد العسكر والإعلام صياغتها:
احتجاجات شبابية ضد مقتل الشاب خالد سعيد، ركبها الإخوان، وعبر حركة حماس أشعلوا الحرائق في البلد، مما دفع مبارك إلى الاستقالة للحفاظ على ما بقي من مؤسسات الدولة ولإيقاف عملية التخريب. وعندما دخل الشباب في حوار مع عمرو سليمان والحكومة افتعل الإخوان موفعة الجمل لإبقاء الأحداث مشتعلة وتعكير الصفو العام.

هذه صورة 25 يناير بالضبط، في الإعلام المصري ومواقف القوات المسلحة والأمن ورجال السياسة.

كان بالإمكان منع حدوث كل هذا.
أن تتحول الثورة التي أبهرت العالم إلى صلاة تراويح في حي رابعة، 

أن يدخل رئيس منتخب السجن ويواجه تهمة الخيانة العظمى..

وأن تتنازل الجماعة الوطنية المصرية عن خياراتها في الديموقراطية والعدالة والحكم الرشيد..

وأن ينهار السلم الاجتماعي بهذه الطريقة المروعة ..

وأن يسقط مئات القتلى وآلاف الجرحى..

والأخطر من كل هذا:

أن يتورط الحيش يومياً في إجراءات انتقامية ترتقي لمستوى الجرائم مما سيمنعه، عملياً، من تسليم السلطة إلى المجتمع المدني فيما بعد خوفاً على جنرالاته..

كان بإمكان جماعة الإخوان المسلمين أن تتصرف بذكاء وتمنع كل هذا. 

يتحدثون عن ظلم وقع عليهم! منذ 85 عاماً يندبون الظلم الواقع عليهم..

الجديد هذه المرة أنهم حصلوا على فرصة تاريخية تمنع وقوع الظام عليهم إلى الأبد،

لكنهم خسروها. وخسر معهم خصومهم.

يتفننون في وصف ما يجري وإدانته وهجائه..

حسناً، سنلعنهم معكم، لكن هذا لن يغير شيئاً.

كان هناك أعداء؟
كل ثورات العالم انتصرت على طوابير وسلاسل وصنوف الأعداء

برشاقة وذكاء ومهارة ومناورة وقرارات ذكية في الوقت المناسب..

انتصرت عشرات الثوار أمام مئات الأعداء، تاريخياً، وانهزمت عشرات الثورات. الإخوان، يقول التاريخ، قادوا واحدة من الثورات التي انهزمت. القراءة الإبداعية لسيرة الثورة العربية المبكرة بقيادة نبي الإسلام محمد "ص" تطلع المرء على عبقرية سياسية نادرةً وفناً احترافياً في عملية "كيف تنتصر ثورتك في جزيرة من العدوان، في أرض سبخة وزلقة"..
يوجد قليلون يهتمون، بالمعنى العلمي والإبداعي، لقراءة ودراسة سيرة ذلك الرجل العربي الملهم والمحير في يثرب، مدينة التمر.

كان موقفنا منذ البداية: خروج مرسي من الرئاسة. 

لم يكن موقفًاً ضد مرسي وإنما لمنع حدوث كل هذه الانتكاسة التي تعزز يومياً.

كان مرسي وجماعته قادرين على إدارة المواجهة عبر قرارات مصيرية يتخذونها من موقفهم الأعلى..

في لحظة ما كان بإمكان الرئيس أن يرمي الكرة هو شخصياً للجماهير

أن يعيد للجماهير خيارها ويدعوها لممارسة حقها من جديد، أن يرمي بالكرمة في ملعبها..

وهذه ليست هزيمة بالمرة، بل عبقرية سياسية كانت ستمنع حدوث كل هذا..

لم يفعل، وسيذهب إلى السجن.

في العصر الحديث لا يوجد أي شرف ولا بطولة في أن تذهب إلى السجن، أو أن يسقط شبابك قتلى. أي مما يقول درويش يصبح "هجاء الوطن، كمديح الوطن، مهنة مثل باقي المهن"..

فهناك مكنات إعلامية عظيمة ستجعل من أعمالك التي تراها أخلاقية ونبيلة عملاً حقيراً، ومداناً..

يستخدم الألمان طريقة تفكير يسمونها:
Ergebnis-orientiert
أي التفكير الذي يتجاهل كل المعطيات والقواعد ويفكر فقط بالنتيجة الممكنة. وهي حالة استثنائية في التفكير، وليست جنوناً. الألمان أقل شعوب العالم وقوعاً في الأخطاء. 

شخصياً كنت أكتب بطريقة "إرغيبنيس اورينتيرت". كان كل الجدل حول الديموقراطية والشرعية والشرعية إضاعة للوقت. بعد ذلك طلب منا أن ندين الانقلاب على الثورة. كنا نقول: it is too late now
لن يجدي شيء.

حسناً:
ما حدث كان إنقلاباً عسكرياً؟
ليكن. لن يغير هذا الوصف شيئاً. 
في البلدان المتخلفة، خاصة تلك التي توجد أمام حصن أوروبا "البحر المتوسط" ينظر العالم إلى المشهد بتركيز أقل على قيم وقواعد الديموقراطية. فأوروبا الحصن، وهو كتاب جديد صدر في أوروبا، لا تهتم بكل التفاصيل التي يقولها الإخوان، يهمها أن لا يؤدي المشهد إلى هجرة ونزوح عبر المتوسط. العسكر، والخليج، يؤكدون أن ذلك لن يحدث. يعلق الأوروبيون: إذن، حسناً، أعيدوا الحياة السياسية ببطء لو سمحتم. يرد العسكر: حسناً، سنفعل، أعطونا وقتاً كافياً. ينتهي الحجاج عند هذا المستوى. يسمي أردوغان هذا الموقف نفاقاً، تقول ألمانيا: بل استراتيجيا.

جنى الإخوان على الربيع العربي، وكانوا في القلب منه وفي طليعته.

ملحوظة: 

قيادات الإخوان تجاوزت السبعين من عمرها. لذلك تعاملوا مع الديموقراطية باعتبارها حدثاً يأخذ مدى خمس سنوات إلى عشرة، وينتهي بعد ذلك. أي في ما تبقى من أعمارهم. لم ينظروا لمائتي عاماً في المستقبل. انتظروا كثيراً وبدوا غير مستعدين لأن يموتوا قبل أن يحسوا لذة النصر. يسمونه "التمكين". في العلوم السياسية يسمى فوز مؤقت لبرنامج حزب على آخر، لا أكثر.

رغم كل الاحترام الدي يبديه علم النفس لكبار السن إلا أنه لا يشجع قيادتهم للمجتمعات، ولا حتى للسيارات، في الأوقات الخطرة.

نهاركم سعيد..

مروان.