رؤية الحزب الإشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الناصري وأتحاد القوى الشعبية لمحتوى قضية صعدة المقدمة اليوم للحوار الوطني
إن تناول محتوى قضية صعدة مرتبط برؤيتنا لجذورها ومتسق مع الأبعاد التي تضمنتها في إطار تسلسل منطقي وموضوعي ، وبناء منهجي لهذه الرؤية ، إبتداء من تشخيص الجذور ، ومروراً بتحديد المحتوى، وصولاً إلى إقتراح الحلول والمعالجات ، وتحديد الضمانات الكفيلة بعدم تكرار ما حدث ، بهدف الوصول إلى رؤية شاملة تقدم حلول علمية وعملية ناجعة ، تلبي الغاية من إنعقاد المؤتمر ، وتحقق أهدافه الوطنية النبيلة .
وفي هذه الورقة التي نتناول فيها محتوى قضية صعدة نجدد التأكيد على أن الشعب اليمني بنضاله الطويل وكفاحه المستمر من أجل الإنعتاق من الإستبداد والفساد ، التي مثلت القضية الجنوبية ، وقضية صعدة أحد أهم محطاته التاريخية ، والتي توجت بثورته الشبابية الشعبية السلمية ، التي أنطلقت في 11 فبراير 2011م ناضل من أجل إعادة بناء حياته بكل جوانبها ، و في طليعتها تحقيق حلم أجياله المتعاقبة في إقامة دولة مدنية ديمقراطية على أسس حديثة تحترم الإنسان، و تمنحه كافة حقوقه .
أن الحديث عن الدولة المدنية المنشودة ، التي قدم اليمنيون من أجلها تضحيات جسيمة ، وقوافل من الشهداء والجرحى ، يضع مؤتمر الحوار الوطني الشامل أمام مسئوليته الوطنية ، والتاريخية في إغتنام هذه الفرصة الثمينة لإزالة دولة القهر والقمع والفساد ، ووضع الأسس والقواعد المتينة لبناء دولة تتسع للجميع ، وتساوي بين الجميع وتلغي أي إحتكار للسلطة أو الثروة من أي فئة أو أسرة أوجهة .
كما أن العمل من أجل إقامة هذه الدولة يمثل أولوية وضرورة تاريخية ، وخطوة مفصلية تضمن لليمنيين ألا يعود بهم التاريخ إلى الوراء وتسدل الستار على حقب الفساد ، التي جعلت أغلبية اليمنيون يعانون الفقر والعوز، مقابل فئة صغيرة محتكرة متنفذة في مصائر الوطن وموارده.
إن اليمن الجديد الذي ننشده يجب أن يكون ضامناً للتعددية ، كافلاً للحريات العامة ، قائماً على إحترام خصوصية مناطقه وأطيافه ، مستفيداً من تنوعه الثري الذي يحقق التعايش بين اليمنيين بمختلف مكوناتهم بما يجعله يقدم للعالم نموذجا في القدرة على إستشراف المستقبل وتحويل الماضي إلي عظة تمنع تكراره، وتضمن له أن يسير إلى الأمام حاملا مشاعل نور تليق بحضارته ، وتاريخه العريق وتطلعات شعبه العظيم.
وقبل أن نستعرض المحتوى بكل جوانبه - السياسية والإقتصادية والإجتماعية والفكرية - نؤكد أن أمام الفريق ملفات كثيرة في هذا الصدد ، بينها ما هو متصل بالأثار الكارثية التي خلفتها الحروب والجروح التي نكأتها ومنها ما يتعلق بالنازحين والمعتقلين, والمتضررين من حروب صعدة في المناطق الأخرى بشكل مباشر أو غير مباشر سواء من المدنيين أو العسكريين .
وقد جاءت أوراق العمل التي لخصت جذور قضية صعدة ، لتضعنا في بداية الطريق نحو تحديد محتواها وأوجه الظلم فيها والقضايا المتعلقة بها, ودراسة الملفات المتصلة بالقضية . ومن الأهمية بمكان أن يقوم الفريق بزيارة إلى محافظة صعده والمناطق المتضررة خلال الفترة المقبلة ، للوقوف على الحقائق والوقائع عن قرب ، والإلتقاء بالمواطنين والمهجرين والنازحين من مناطقهم ، والإطلاع على آثار الدمار والخراب التي خلفتها حروب صعده, واللقاء بمختلف الأطراف هناك للخروج برؤية كاملة حول ما حدث في صعده والمناطق المتضررة من تلك الحروب.
المحتوى السياسي :-
بعد تحقيق الوحدة اليمنية المباركة في 22 مايو 1990م بدأ الإخلال بمبدأ الشراكة كأساس ضامن قامت عليه الوحدة ، وتم إستبداله بمنطق الأغلبية والأقلية ، وبلغ المشروع الفردي العصبوي ذروته في الإنفراد بالسلطة بعد حرب صيف 94 حيث تم تعديل الدستور بغرض تغيير شكل رئاسة الدولة من قيادة جماعية تكرس مفهوم الشراكة ، إلى رئيس فردي .
فمنذ إنتهاء حرب 94 الظالمة وحتى إنفجار الحرب الأولى في 2004م جرت في صعدة حملة شرسة ضد المآت ممن كان لهم موقف من الحرب أو علاقة بالطرف الأخر الذي أقصته الحرب ، وجرى إعتقال العشرات بل المئات على خلفيات سياسية والموقف من الحرب تحديدا ، وجرت عمليات تفجير منازل عدد ممن ترشحوا في إنتخابات 1993م البرلمانية على قوائم بعض الأحزاب ومنها الإشتراكي ، كما طال الإستهداف منازل عدد من النشطاء السياسيين الذين ناهضوا حرب صيف1994م المشؤمة .
ومن المهم أن نجدد التأكيد على أن غياب الدولة وغياب المشروع السياسي الوطني هو الجذر الرئيسي لقضية صعدة وغيرها من القضايا الوطنية ، فالتهميش الذي عانت منه صعدة والحرمان على جميع المستويات بما في ذلك إستبعادها من المشاريع التأهيلية التي تبني الإنسان إجتماعيا وإقتصاديا ، فضلاً عن غياب الدولة كمؤسسة ونظام وقانون وكوظيفة إجتماعية وتنموية ، ولم تحضر إلا كسلطة قامعة وفاسدة ، وسلطة تلعب بالأوراق المختلفة كالمذهبية والقبلية والطائفية ، كل ذلك على حساب بناء وحضور الدولة دولة العدالة الإجتماعية والمواطنة المتساوية .
ولا يمكننا هنا تجاهل الصراع على مستقبل الحكم في اليمن بين أركان النظام السابق الذي تطور ليصل إلى منزلق خطير نحو مواجهة محتومة . مما جعلهما يبحثان عن ميدان مواجهة خارج العاصمة صنعاء ، وبعيدا عن مناطق التماس بينهما ، عسكرياً وقبلياً ، فكانت صعده المكان المناسب وفق حساباتهما الأنانية الضيقة لتوريط واستنزاف بعضهم البعض ، ليستمر الصراع على السلطة داخل منظومة الحكم العصبوية الفاسدة دون حسم ، مما جعل صعدة تغرق في الحروب الظالمة وتُستنزف لصالح مشاريع فردية لا وطنية .
على ذلك فأن ثقافة الحروب والإقصاء ورفض الشراكة الوطنية في السلطة والثروة . هي أحد جذور قضية صعدة مثلما كانت جذر العديد من القضايا الوطنية الأخرى ، ولا يفوتنا هنا التأكيد على أن الحروب الست التي دارت في صعدة 2004 -2010م أضرت بكل اليمنين ، ولسعت بنيرانها معظم مناطق اليمن ، وكان الضحايا والمظلومون فيها هم أهل صعدة جميعا على وجه الخصوص ، واليمنيون على وجه العموم ، ومن المؤسف ان غياب الدولة قد ترتب عليه الكثير من الخروقات والتجاوزات والإنتهاكات للحقوق المدنية والسياسية من مختلف الأطراف المشاركة في الصراع والتي توسعت في العام 2011م أثناء الثورة الشبابية لتصل إلى محافظة الجوف وحجة .
ونود أن نشير هنا إلى مشكلة مهمة تواجه مختلف الجهات ، والمنظمات ، والباحثين ، في تناولهم لمثل هذه القضايا وربما فأن الوضع أكثر تعقيداً في حالة الدراسة لقضية صعدة نظراً لغياب المعلومات ، وتعمد النظام السابق التعتيم الشديد على مجريات الحروب التي شهدتها ، فعلى الرغم من مرور أكثر من تسع سنوات على إندلاع الشرارة الأولى لحروب صعدة إلا أنه حتى الآن لم يسلط الضوء بشكل كافي على مجرياتها ، وأسبابها ، ونتائجها ، وآثارها الكارثية ، ولذى فإن ما يرد من معلومات وأرقام حول ضحايا جولات الحروب والأثار التي خلفتها ، تبقى في إطار ما هو متداول وما تضمنته التقارير الرسمية وغير الرسمية وجلها ليست على درجة عالية من الدقة والمصداقية ، ونتناول هنا بإيجاز جولات الحروب الست ، وأهم نتائجها ، وأثارها على النحو التالي :-
· حروب صعدة الست ومجرياتها :
إن الأوضاع الكارثية التي صنعتها حروب صعدة الست ، والأخطاء والمآسي التي صاحبتها ، هي أخطاء لا يمكن أن يبررها العقل السياسي ولا العقل الاجتماعي ولا الضمير الوطني على الإطلاق . تلك الحروب التي أتسمت بالغموض وشهدت العديد من التناقضات والتحولات الخطيرة كان غريباً فيها إشعالها وإخمادها دون سبب فلم يكن واضحاً للرأي العام لماذا انفجرت وكيف توقفت .
لقد تطورت دراماتيكيا تلك الحروب البشعة وكانت كل حرب أشد ضراوة من سابقتها كما أتسعت رقعة الحرب في كل جولة لتشمل نطاق جغرافي أكبر من ذي قبل ، لتصل إلى مشارف العاصمة صنعاء في الحرب الخامسة ، ومنذُ الحرب الرابعة حدث تطور جديد حيث أصبحت الثارات القبلية إحدى المتغيرات الجديدة والخطيرة في حروب صعدة وبات الصراع يديم نفسة مؤدياً إلى نشؤ إقتصاد حرب ، أغتنمها تجار الحروب لتحقيق مكاسب مالية وأرباح هائلة مستفيدين من إستمرار الحروب وتصاعدها .
وبإستعراض مختصر لمجريات تلك الحروب ونطاقها وتطوراتها فقد انفجرت شرارة الحرب الأولى في 18/6/ 2004 واستمرت حتى 10 /9 / 2004 يوم أن أعلنت السلطات مقتل حسين الحوثي ، وبحسب بعض الإحصائيات فقد خلفت الحرب الأولى أكثر من 1300 قتيل من الطرفين منهم 200 من المدنيين ، بينهم الكثير من النساء والأطفال.
وأنحصرت البقعة الجغرافية للحرب الأولى في منطقة مران وحيدان ومحيطهما . فيما انفجرت الحرب الثانية في منتصف مارس من عام 2005 م وكانت أقصر الحروب ، فلم تتجاوز الخمسة والعشرين يوماً، ورافقها العديد من المحاكمات والإعتقالات في العاصمة وبعض المحافظات . وامتدت المواجهات في الحرب إلى داخل مدينة صعدة عاصمة المحافظة .
وبحسب تقرير قدمته وزارة الداخلية إلى مجلس النواب بعد الحرب الثانية ، فإن الخسائر المادية خلال الحربين الأولى والثانية بلغت 525 مليار ريال ، ما يعادل تقريباً مليارين ونصف المليار دولار كخسائر مباشرة بخلاف الخسائر المادية غير المباشرة .
أما الحرب الثالثة فقد بدأت في الثامن والعشرين من نوفمبر عام 2005 م واستمرت ثلاثة أشهر ، ومع قرب موعد الإنتخابات الرئاسية حينها حاول النظام السابق تهدئة الموقف لمواجهة الإستحقاق الإنتخابي ، وأرسل وساطة أسفرت عن إيقاف الحرب .
وقد شهدت تلك الحروب تعتيماً إعلامياً شديداً ، الأمر الذي ألقى بظلاله على إنعدام المعلومات عن أي تفاصيل حول الأعداد الحقيقية والضحايا والخسائر من الطرفين في هذه الحرب ، سواءً من المصادر الرسمية أو من غيرها .
أما الحرب الرابعة فقد انفجرت في السابع والعشرين من يناير 2007 م ومن أهم أسبابها حسب زعم النظام السابق قيام الحوثين بطرد يهود آل سالم وكانت هذه الحرب أطول الحروب الأربع حيث أستمرت أكثر من أربعة أشهر ، وتوسعت حتى شملت أغلب مديريات المحافظة، وامتدت إلى خارجها ، ولأول مرة أستطاع الحوثيون السيطرة على عدة مديريات سيطرة كاملة، ومنها مديريات رازح وغمر وقطابر ، وبحسب تقديرات ذكرتها بعض التقارير والصحف فإن عدد القتلى في الحرب الرابعة قد جاوز الـ2000 قتيل من الجنود والمسلحين والمدنيين .
وقد شهدت الحرب الرابعة عملية نزوح واسعة للسكان المتضررة مناطقهم من الحرب ، وتشير بعض التقارير الصادرة عن منظمات يمنية أنذآك عن وصول أعداد النازحين إلى أكثر من مئة ألف نازح ومشرد . فيما كانت الحرب الخامسة التي اندلعت في مارس 2008م مختلفة عن سابقاتها وأمتد القتال إلى ما بعد صعدة حيث أصبح على بعد بضعة كيلو مترات من العاصمة صنعاء ( منطقة بني حشيش) وبات دوي المدافع والدبابات يسمع في مختلف أرجاء العاصمة ويؤرق صناع القرار وممثلي السلك الدبلوماسي العربي والأجنبي والمواطنين اليمنيين بشكل عام .
أما الحرب السادسة فقد كانت مختلفة تماماً عن سابقاتها في نقاط عديدة لعل أبرزها إتساع نطاقها الجغرافي (صعدة، عمران، حرف سفيان، الجوف) ، واشتداد حدة معاركها - عمليات برية تغطيها غارات جوية وقصف مدفعي مركز والتي أطلق عليها ( عملية الأرض المحروقة ) ، بالإضافة إلى فشل كافة الوساطات للتوصل إلى هدنة إنسانية تسمح بإغاثة النازحين الذين فاق عددهم المئة وخمسين ألفاً، وهو بدوره رقم قياسي مقارنة بالحروب الخمس السابقة . وشكل التدخل السافر للسعودية في خوض المواجهات المباشرة في الحرب السادسة تعقيداً أكبر للقضية ، مما فتح المجال واسعاً أمام التدخلات الإقليمية في الشأن اليمني وتحويل البلاد إلى ساحة صراع بالوكالة .
الجهود المبذولة لإيقاف الحرب :
استشعرت القوى الوطنية الفاعلة خطورة الأوضاع في صعدة منذُ تفجير الشرارة الأولى للحرب في 18يونيو 2004م . وأعلنت موقفها المبدئي لرفض هذه الحرب واللجوء للقوة وفي مقدمتها الحزب الإشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري واتحاد القوى الشعبية وقد قامت بدور محوري في ذلك من خلال البيان الأول الذي أصدرته في 23 /6 / 2004م وكذلك رسالتها لرئيس الجمهورية السابق في ذات التاريخ . التي انتقدت فيها تلك الحرب ووصفتها بالمتهورة وغير المشروعة كما دعت مجلس النواب للقيام بدوره وطالبت النظام بتوضيح حقيقة ما يجري للرأي العام . وفي بيانها الثاني الصادر بتاريخ 27 / 6 / 2004م حذرت أحزاب المشترك من مغبة إستمرار الحرب وأثارها الكارثية مما دفع بالنظام السابق إلى إستخدام لجنة شؤن الأحزاب لتهديد أحزاب اللقاء المشترك والتلويح بمسائلتها ومحاسبتها جراء موقفها الوطني المسئول ولم تكتفي بذلك بل تجاوزت إلى تفريخ الأحزاب كما حدث لإتحاد القوى الشعبية ومصادرة صحيفته .
وأستمرت أحزاب اللقاء المشترك في موقفها المبدئي الرافض للحرب وكثفت ضغطها وتحركاتها من أجل إيقافها ، وقبلت المشاركة في أول لجنة مساعي شُكلت في 27 / 7 / 2004م وغيرها من اللجان التي شُكلت في الحرب الثانية والثالثة والرابعة حرصاً منها على إيقاف تلك الحروب الظالمة وتجنيب البلاد ويلات الدمار والفوضى . إلا أن جميع الجهود المبذولة لإيقاف الحرب منذُ إنطلاقتها كانت تلاقي نفس المصير وتصطدم بأطماع ورغبات تجار الحروب في ضل غياب مصداقية النظام السابق ومراوغته المستمرة التي مثلت أخطر عائق لجهود الوساطات وإفشالها .
وعملت على مناهضة اللجوء إلى العنف واستخدام القوة في حل النزاعات داعية للإحتكام للأليات الدستورية والقانونية ، وحشدت كافة إمكانياتها وطاقاتها للضغط على النظام السابق لمعالجة أثار الحروب وإعادة إعمار المناطق المتضررة والإحتكام للحوار كوسيلة مثلى لتجاوز كل الأزمات والتحديات التي تواجه الوطن وتجنبه الإنزلاق نحو الإنهيار ، لكن تلك الجهود والمحاولات لم تلقى صداً إيجابياً لدى نظام مستبد فقد صوابه وأعمته أطماعه التسلطية عن رؤية الحقيقة والإستماع لصوت العقل .
الوساطة القطرية :-
مثلت الوساطة القطرية أهم تحرك إقليمي لإيقاف نزيف حرب صعدة وفي منتصف يونيو من عام 2007 وقع الطرفين على إتفاق مصالحة برعاية قطرية عُرف بإتفاق الدوحة ، تضمنت بنوده التزامات على كل طرف .
ولم يتفق الطرفان على آلية محددة لبدء تنفيذ الاتفاق ، وفي منتصف شهر فبراير 2008 تم الإعلان من العاصمة القطرية الدوحة عن توقيع جديد للاتفاقية السابقة وملحق تنفيذي بها .
بعد ذلك توالت اللجان الرئاسية المكلفة بإيجاد آلية لبدء تنفيذ الاتفاقات القائمة ، خاصة إتفاق الدوحة الأخير، غير أن تلك اللجان جميعاً لم تستطع القيام بمهامها نتيجة صعوبات واجهتها ، من ضمنها وجود أطراف أخرى تستفيد من إستمرار الحرب وتعمل على إطالة أمدها .
أهم إنتهاكات حقوق الإنسان جراء حروب صعدة :
شهدت حروب صعدة منذُ الحرب الأولى وحتى الحرب السادسة غموض كبير ، وتعتيم غير مسبوق وتغييب متعمد للمعلومات الصحيحة حول مجرياتها وضحاياها . ورصدت العديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية عدداً كبيراً من الإنتهاكات التي رافقت جميع الحروب وتلتها ، وفي تقرير أعده المرصد اليمني لحقوق الإنسان لعام 2007 م أكد فيه أن عشرات الآلاف من اليمنيين شردوا من منازلهم ، ودمرت عشرات المنازل والمساجد والمدارس ، واعتقل المئات من أبناء محافظة صعدة وغيرها.
وقال التقرير أن المعارك خلفت وراءها الكثير من المآسي والعديد من الإنتهاكات لحقوق الإنسان، وأفقدت المواطنين في صعدة الشعور بالأمان، كما أدت إلى توقف الكثير من المدارس وتأخر الآلاف عن التعليم.
وتطرق المرصد في تقريره إلى نماذج من الإنتهاكات التي تعرضت لها الممتلكات الخاصة بالمواطنين، وأشار إلى تدمير 79 منزلا بشكل كلي، و74 منزلا بشكل جزئي، في حين أحال الجيش 110 منازل إلى مواقع عسكرية، كما أن 9 مساجد تعرضت لتدمير جزئي، و 8 مدارس دمرت جزئيا، في حين أصبح عدد من المراكز الصحية مقرات عسكرية لقوات الجيش .
وتحدث التقرير عن تعرض الكثير من المحسوبين على الحوثيين للاعتقال أو الاختفاء، ورصد 286 حالة فقدان منذ اندلاع الحرب بين السلطة وجماعة الحوثي في يونيو/ حزيران 2004 ،ولفت كذلك إلى تعرض ما لا يقل عن ألفي شخص للاعتقال خلال العام 2007م
وتشير معظم المنظمات التي قدمت تقارير عن الأوضاع في صعدة أن التقارير تعكس ما يصلهم من معلومات، قد لا تمثل الواقع والحقيقة، وتؤكد أن الأرقام الفعلية أكبر مما ورد.
وترجع السبب إلى شحة الحصول على المعلومات ، وغياب الحصر الدقيق للأضرار ، والآثار التي خلفتها المعارك، بسبب عدم المقدرة على تقصي الحقائق ميدانياً ، نتيجة إغلاق السلطات لمحافظة صعدة ، واعتبارها منطقة عسكرية، ومنع وسائل الإعلام من نقل ما يدور فيها إلا أن ما يمكن الإشارة إلية هنا هو إن إنتهاكات متبادلة يجري تبادل الإتهامات بين الأطراف المختلفة مما يتطلب تحقيق محايداً شاملاً للوصول للحقيقة .
أهم نتائج الحروب :-
1- سقوط آلاف الشهداء من المدنيين والحوثيين والقبليين ومن منتسبي القوات المسلحة والأمن ، وقتل الكثير من الأطفال والنساء والشيوخ ، كما خلفت تلك الحروب آلاف الأطفال والنساء المعاقين نفسياً ، فضلاً عن الالاف من المعاقين والجرحى والمفقودين وتسببت بإعتقال آلاف الشباب والرجال وعشرات النساء خارج إطار القانون .
2- تمزيق النسيج الاجتماعي مناطقياً ومذهبياً ، من خلال إيجاد صراع طائفي مذهبي , على الرغم أنه لم يسجل تاريخياً أي صراع مذهبي في اليمن ثم أدخلت المناطقية ومزجت بالمذهبية ومع بداية حروب صعدة أصبحت سلوكاً رسمياً يتبناه الطرفان وازدادت الأوضاع مأساوية بعد إقحام القبائل في الحرب بحيث أصبحت الثارات القبلية إحدى المتغيرات الجديدة لحروب صعدة بين القبائل الحليفة للنظام والقبائل المساندة للحوثيين مخالفين بذلك الدستور والقوانين النافذة والمواثق والعهود الدولية ذات العلاقة .
3- تدمير الالاف المنازل وتضرر عشرات الالاف التي هدمت كلياً أو جزياً وتدمير وتجريف مئات المزارع والحقول الزراعية والآبار وشبكات الري وغيرها .
4- فتح المجال للتدخل الخارجي الإقليمي والدولي وإنتهاك السيادة الوطنية وتحويل البلاد إلى ساحة حروب بالوكالة .
5- السيطرة على السلاح والممتلكات الخاصة بالجيش والمعسكرات التي كانت موجودة في صعدة وبعض المناطق الأخرى وإنتشار السلاح بصورة كبيرة وتقوية الجماعات المسلحة وزيادة عتادها العسكري .
6- خروج محافظة صعدة وبعض المناطق المجاورة عن سيطرة الدولة وتشكيل مليشيات مسلحة منافية للقانون من عدة أطراف ، وفتح السجون وممارسة الإنتهاكات والإعتقالات والتعذيب والإقصاء وفرض ممارسات تنتقص من حقوق المواطنة.
7- تعرض البنية التحتية المحدودة للخراب والدمار .
8- تعرض الكثير من أبناء اليمن من شاغلي الوظيفة العامة والوظائف الخاصة وبالهوية الشخصية إلى فصل أو نقل تعسفي أو تهميش وإقصاء إداري أو تقاعد مبكر .
9- تعرض الكثير من المزارعين والتجار لخسائر كبيرة .
وفيما يتعلق بالخسائر على سبيل المثال جاء في تقرير جهاز الأمن القومي المقدم إلى مجلسي النواب والشورى في 2006م حول ما جرى في صعدة إن عدد قتلى الجيش في الحرب الأولى بلغ 473 قتيلاً و 2588 جريحاً، بالإضافة إلى الخسائر في الممتلكات العامة والخاصة التي قدرت بمبلغ 600 مليون دولار.
وفي الحرب الثانية بحسب التقرير- بلغ عدد الخسائر البشرية التي تكبدتها المؤسسات العسكرية والمدنية 254 قتيلاً و 2708 جريح . وزادت النفقات والأعباء المالية على الجانب الأمني والعسكري حيث بلغت 16 ملياراً و 500 مليون ريال.
إلا أن التقرير لم يشر إلى الخسائر لدى (الحوثيين) والمدنيين في الأرواح أو الممتلكات، وهناك بعض التقديرات حول ضحايا الحرب بصفة عامة، فالبعض يقدر عدد قتلى الحرب بـ (4000) قتيلاً، والبعض يقول إن العدد بلغ 20 ألفاً (تقديرات يحيى الحوثي)، بالإضافة إلى تشريد 65 ألف نسمة وهدم 533 منزلاً، و22 مدرسة، و1500 سجيناً، حسب ما ذكره أكاديمي يمني في صحيفة محلية في 2007م.
وبغض النظر عن صحة ودقة هذه التقديرات من عدمها (كونها صادرة عن أطراف النزاع) فإن الشيء المؤكد هو أن هناك خسائر باهظة (بشرياً ومادياً) نتيجة شدة المعارك التي استخدمت فيها كافة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة بين الطرفين.
المحتوى الإقتصادي :
إن أهم النتائج الكارثية لحروب صعدة هو تدميرها للإقتصاد الوطني وزعزعة الأمن والإستقرار في البلاد وإرتفاع التكلفة الإنسانية والمالية الباهظة التي فاقمت الأوضاع الإقتصادية وعجلت بالأزمة المالية الخانقة التي أوصلت البلاد إلى حافة الإنهيار . فضلاً عن أن الإنشغال بالخلافات السياسية والصراعات والحروب أخذ جزءاً كبيراً من وقت الدولة والحكومات المتعاقبة بحيث أدى ذلك إلى الابتعاد عن الكثير من المهام الاستراتيجية وفي مقدمتها مهمة إعادة بناء شخصية الإنسان اليمني بشكل عام .
لقد إستنفذت حروب صعدة الكثير من الموارد فكل ريال أنفق على التسليح والمجهود الحربي كان على حساب الخدمات المطلوب تقديمها للمواطنين . وعلى سبيل المثال فقد أنفقت الحكومة أكثر من مليار دولار من إحتياطي العملة الصعبة خلال الحرب السادسة وهذا الرقم لا يشمل الدعم المقدم من الخارج لتمويل الحرب حسب ما ورد في تقارير بعض المنظمات الدولية .
وعلى مستوى محافظة صعدة التي تحتل موقعاً جغرافياً إستراتيجياً هاماً على الحدود مع المملكة العربية السعودية وبالقرب من ساحل البحر الأحمر جعلها ذات أهمية إقتصادية حيوية كبيرة ، وفي ضل غياب دور الدولة التنموي والإجتماعي والإقتصادي فقد أصبح التهريب في تلك المحافظة النائية نشاطاً إقتصادياً ومورداً للدخل لعقود من الزمن ، وقد فاقمت تلك الحروب الأوضاع السيئة وتطورت إلى نشوء إقتصاد حرب سعى من خلاله تجار الحروب المدنيين والعسكريين إلى مراكمة الأرباح والمبيعات وإنتشار التهريب بمختلف مجالاته وفاقم من تلك الأوضاع تنامي المظالم والمشكلات مع استمرار القبائل في لعب دور رئيسي في إدارة شؤنها في ضل غياب الدولة فعلياً وعجزها عن توفير الخدمات الأمنية والإجتماعية والبنى التحتية والخدمات العامة .
المحتوى الإجتماعي والفكري :
اتخذت قضية صعدة بعدها ومحتواها الإجتماعي والفكري من غياب التنمية وإحساس شريحة إجتماعية واسعة بالظلم الذي لحق بهم وقيام عدد من وسائل الإعلام بتأجيج التحامل الإجتماعي والمذهبي والطائفي ومحاولات ضرب الهوية اليمنية التوافقية الجامعة والمتسامحة .
وأسفرت الحروب التي شهدتها محافظة صعدة ومناطق الصراع الأخرى عن تعميق المآسي الإنسانية والإجتماعية ونكئ الجراح وتأجيج الثأرات وتغذية الصراعات الإجتماعية والمذهبية والقبلية من خلال إستخدامها كأوراق في إطار الصراع الدائر لتحقيق مكاسب على الأرض على حساب المصلحة الوطنية العليا.
وفاقمت تلك الأوضاع بقاء الآلاف من المهجرين والنازحين خارج منازلهم، ووجود البعض منهم حتى اليوم في مخيمات مؤقتة خارج محافظة صعدة، تشرف عليها المنظمات الأجنبية، ولم يتمكنوا من العودة إلى منازلهم المهدمة، في ظل غياب الإمكانيات التي تساعدهم على ذلك .
ختاماً :-
نؤكد على أهمية إيلاء هذه القضية حقها الكامل من النقاش الجاد والمسئول والوقوف أمام المحتوى بكل جوانبه بتجرد وموضوعية ، فإذا لم ينظر إلى قضية صعدة بهذا العمق فإن أي نظره ستظل سطحية وإذا لم يعالج جوهر القضية وأسبابها الحقيقية فستظل قائمة وستوظف من أعداء اليمن لإثارة المناطقية والمذهبية وستظل أزمة الشعور بالولاء الوطني قائمة بين كل اليمنيين .
ونجدد التأكيد أيضاً أن على جميع الاطراف والقوى ان تتعظ مما جرى وأن تدرك أن ثقافة الإلغاء ونهج الإقصاء وسياسة التفرد والإستحواذ أثبتت فشلها وعدم جدواها ولم يعد لها أي قدرة على البقاء . وأن الإعتراف بشركاء الوطن والإيمان بمبدئ الشراكة في السلطة والثروة هو طريق الخلاص والإستقرار والنهوض باليمن نحو المستقبل.
فبلادنا اليوم بحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى إلى وجود دولة مدنية ديمقراطية حديثة يضع هذا المؤتمر أسسها ومعالمها بحيث تساوي بين الجميع وتكفل حقوقهم وتمنع ظهور أمراء حرب وقيادات قبلية ومناطقية لها طموحات قد تدفع إلى خطر تعميق تمزق النسيج الاجتماعي وتفكيك الوحدة الوطنية، وهو خطر ماحق ليس على اليمن فحسب بل على المستويين الإقليمي والدولي .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
صنعاء 2 /يوليو / 2013م