تمرد النساء المصريات والشباب
لو تأملنا الصور المنشورة لأي ثورة شعبية في العالم غربا أو شرقا, نري وجوه النساء والشباب في المقدمة, إنهم أكثر شرائح المجتمع تعرضا للظلم والقهر منذ بداية التاريخ.
انهم أكثر من يتعرضون للفقر والبطالة والضرب والسحل والسجن والهجرة بحثا عن العمل والكرامة والحرية والأمن, في عالم قائم علي القوة والعنف وليس العدل والمساواة. أتأمل الوجوه في حركة تمرد أغلبهم شباب وشابات من الشعب المصري, قاموا بمبادرة جديدة في الشهور الأخيرة, جددت الأمل في المستقبل, بعد ما نالته ثورة يناير2011, من ضربات, بيد القوي الاسلامية الأصولية المتحالفة مع القوي الاستعمارية الخارجية, وسوف يكون الأحد(30 يونيو) يوما حاسما بقوة الشعب المصري ووحدته وتصميمه علي الحرية والعدل والكرامة. أتابع النجاح الذي يحققه شباب وشابات حركة تمرد في تجميع توقيعات الملايين من الشعب المصري في جميع المحافظات, وقدرتهم علي توحيد الحركة الوطنية من كل الفئات والأحزاب السياسية, التي انقسمت علي نفسها وكادت تنتهي.
من أهم إنجازات حركة تمرد أنها غيرت مفهوم الكلمة تمرد في الثقافة المصرية الموروثة منذ العبودية يحارب الشعب المصري( نساء ورجالا) علي مدي التاريخ, مثل غيره من شعوب العالم, ضد القهر القائم علي القوة المسلحة للطبقة الحاكمة( من الرجال ونسائهم) تستأجر الحكومات الموظفين والموظفات, ليعملوا معها ضد مصالح الأغلبية من الشعب, نظير رواتب شهرية ومكافآت مالية وأدبية وجوائز الدولة, تستسلم الأغلبية من الفقراء والنساء, الذين تربوا علي الخوف من العقاب في الدنيا وبعد الموت, يصبرون طويلا طويلا, ثم ينفجرون ويفيض المكبوت في ثورات عارمة, لا يموت فيها الا الفقراء من الشباب والشابات, الذين تربوا علي التضحية بالروح والدم من أجل بلدهم, لا يفقد محترفو السياسة والأحزاب( وأبناؤهم وبناتهم) قطرة دم واحدة, يحصنون أنفسهم وعائلاتهم ضد المخاطر, ثم يقفزون الي مقاعد الحكم بعد الثورة, تجمعهم صلات الرحم والدم وروابط الثقافة والمال بالطبقة الحاكمة قبل الثورة وبعدها.
ثورات الشعوب الجديدة( منذ عام2011) شملت كثيرا من بلاد العالم, بدأ الشعب التونسي ثم الشعب المصري ثم امتدت عدوي التمرد الي الشعوب العربية وشعوب أخري في أوروبا وأمريكا وإفريقيا وآسيا, منها إيران وتركيا وإسرائيل والبرازيل وغيرها. أصبح التمرد ظاهرة ايجابية, ينتقل في الجو عبر فيروسات صحية حميدة, عابرة للبحار, قاتلة لنظم الحكم الفاسدة المستبدة. وقد دبت روح التمرد في النساء والرجال والأطفال والشباب وكبار السن من كل الأجناس والجنسيات والأديان والعقائد. انه تمرد الأغلبية المقهورة أو تمرد الـ99% الذين لايملكون شيئا, ضد الـ1% الذين يملكون كل شيء. وبلغة الشعب الأمريكي, الذي انتفض منذ عامين ضد الرأسمالية الجشعة وتجار وول ستريت في مدينة نيويورك ورفع المتظاهرين شعارات تشبه شعارات الثورة المصرية في ميدان التحرير, وكادت المظاهرات تجتاح الولايات المتحدة كلها لولا بطش البوليس في نيويورك وتكنولوجيا الأسلحة المتطورة, واليوم ينتفض الشباب والشابات في مدينة نيويورك يناشدون شعوب العالم التضامن معهم ضد حكومتهم برئاسة باراك أوباما, التي تعطي لنفسها حق التجسس علي الحياة الخاصة لجميع الشعوب بما فيها الشعب الأمريكي( تحت اسم حمياته) رغم انتهاكها لحقوق99% من هذا الشعب الأمريكي لمصلحة الـ1% من الطبقة الحاكمة, يكشف الثوار والثائرات الأمريكيات عن جرائم حكوماتهم ورؤسائهم, ويقولون أنه لا يحق للحكومة الأمريكية أن تعطي نفسها حق هيئة التحكيم والقضاء والتنفيذ وهي المتهمة باقتراف جرائم الحرب وعمليات القتل والتعذيب والتجسس تحت اسم القانون.
لم يتقدم الجنس البشري كثيرا رغم نضاله الطويل ضد العبودية, قانون الغابة يحكم عالمنا في القرن الحادي والعشرين, حتي جورج بوش بجرائمه المتعددة, ولم يقدم لمحكمة العدل الدولية, بل تمت محاكمة صغار المجرمين من البلاد الافريقية الفقيرة من أتباع المجرمين الكبار في الدول العظمي.
الازدواجية والكيل بمكيالين هما سمة القانون العالمي, وقانون الدولة والعائلة كانت النساء وأبناؤهن الشباب في مقدمة الثورات الأولي في التاريخ ضد العبودية, في عام2420 قبل الميلاد قادت النساء المصريات والشباب الثورة التي عرفت باسم ثورة منف, حرقوا القصر الملكي, ونادوا بتكافؤ الفرص بين الأغنياء والفقرات والنساء والرجال, لكن تم اجهاض هذه الثورة وعاد الحكم الملكي الفرعوني بسطوته, ثم قامت الثورة الشعبية الثانية تقودها النساء والشباب عام1260 قبل الميلاد, وجاء حكم الأسرة العاشرة ونظام الرودو الذي أعاد للمرأة المصرية حقوقها المسلوبة, تم القضاء علي نظام التسري, وتساوت المرأة في الحقوق العامة والخاصة مع الرجال, لكن تم اجهاض هذه الثورة أيضا وعاد نظام الاقطاع والبطش عام1094 قبل الميلاد, ضاعت حقوق الفلاحين والنساء, وأصبح للرجال فقط حق الطلاق والنسب والدين( الكهنة رجال فقط) ثم ثارت النساء والشباب والفقراء مرة ثالثة عام663 قبل الميلاد واستردوا بعض حقوقهم المسلوبة إلا أن الثورة المضادة نجحت في إجهاض الثورة, ويستمر النضال ضد العبودية حتي اليوم. وقد تعلمت النساء المصريات والشباب من دروس التاريخ, وسوف تنجح ثورة30 يونيو2013, لأن المنطق غاب عن الثورة المضادة, تحت اسم الشرعية يتمسكون بالرئيس المنتخب بالصندوق, وكان مبارك أيضا رئيسا شرعيا منتخبا بالصندوق, فما الفرق بين صندوق وصندوق؟
*نقلاً عن "الأهرام" المصرية