الإخوان..."كاوبوي" في سحنة نبي
و ما يشاؤون إلا أن تشاء قوى الهيمنة العالميةالإخوان..."كاوبوي" في سحنة نبي
تعيش معظم قواعد "الإخوان المسلمين" في كل قُطر ينشط فيه هذا التنظيم الغيبي - وهماً عريقاً إسمه "وراثة الأرض وإقامة يوتوبيا الدولة الإسلامية المتخيلة"..
المفارقة أن ما اختطته الجماعة لحظة نشوئها أواخر العقد الثالث من القرن العشرين؛ كتكتيك في مواجهة العاطفة القومية الفتية و المشبوبة وتنامي المد الشيوعي وسحر الحلم الإشتراكي، عملت على ترسيخه في ذهن أتباعها بإعتباره عقيدة تتمحور حولها حياة الفرد داخل الجماعة في "المنشط والمكره" ومركزاً ينتظم وجوده برمَّته..
لقد نشأت نواة الجماعة منخورة بحالة من الفصام منذ البدء، فالقيادة البراغماتية التي تلتزم خلسةً شروط الواقع وتكبح به جموح الشعار الأيديولوجي، قابلتها دائماً قواعد عقائدية تعتنق الشعار بالمطلق وتهدر كليّاً سياق الواقع..
هكذا فإن قوة الجماعة بالعموم تتأتى من قدرة قيادتها اللابدة في الظل على إدارة هذا التناقض لصالح تحصيل مكاسب دنيوية مباشرة، دون حصول تشظي داخلي محتمل، وفي هذه الإدارة تنحصر وظيفتها، وعلى محكها تُختبر عبقريتُها.
إن عملية البذر الأيديولوجي الداخلي لجماعة الإخوان هي في جوهرها عملية حصاد دائم بالنسبة للقيادة، بيد أنها في القاع عملية انتظار طويل ينبغي على القواعد أن تحشد خلاله كل طاقة وقوة وجَلَدٍ تأهباً للحظة حصاد لن تأتي فالبذور محصودة سلفاً.
في مرحلة ما وفي غمرة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي بدا من إنهماك الجماعة في مواجهة الشيوعية وكأن قيام "دولة اليوتوبيا الإخوانية الموعودة" بات وشيكاً ومحسوماً وأن عشية انهيار الاتحاد السوفياتي هو فجر انبثاقها ولا ريب.. غير أن عشية الانهيار حين حانت لم ينبثق من رحمها سوى ليل الهيمنة الأمريكية الكاملة على الكوكب...
وفيما تَحَتَّم على "قواعد الإخوان" أن تستأنف انتظارها لأجلٍ غير مسمَّى، كانت قيادتها قد حصدت عمولات ضخمة عن دورها في تنضيج ظروف الانهيار، كشريحة من "الكمبرادور وتجار شنطة شرق أوسطيين"..
أفدح ما ينجم عن حالة الفصام الأصيلة في طبيعة تكوين الجماعة، هو تبديد وقت وطاقة القواعد في التجييش العبثي بين الوعد والوعد وتعطيل فاعليتها الإجتماعية على قاعدة "العزل الشعوري" وإتاحة فرص مفتوحة توارب من خلالها القيادة عجزها بالقصور الطبقي عن إنتاج صيغٍ قيمية عملية للعدالة التي تعد الأمة بها أو البرهنة على جدِّيتها في النضال في سبيلها عدا صيغ تحايلية مخاتلة وطفيلية تعيد دَهْنَ قيم الإستغلال الرأسمالي بطلاء إسلاموي باهت للإيقاع بالمزيد من الضحايا أو الذين ينشدون مرضاة الرب ويؤخذون بالشعارات المفرطة في التقوى..
إن واقع التنمية العربية المشلولومنابع النفط العربي المستولى عليها أمريكياً وتغوُّل الفقر وشَرَهَ الإستهلاك مقابل العطالة وإنحسار الإنتاج شبه الكامل وأصفاد المديونيات الجائرة لصناديق الإقراض الدولية التي ترزح تحتها معظم البلدان العربية ذات الكثافة السكانية.. كل هذه الرياح السلبية والمشؤومة التي تعصف بالخارطة وشعوبها هي ذاتها من تُسَيِّرُ مركب جماعة الإخوان وتُمد ربابنتها بالطاقة وطواقمها المغلوبة على أمرها بوعد الخلاص الخادع...
في مناخ كهذا يصبح بمقدور قيادة الجماعة وهاماناتها ترشيح الأعداء البدلاء "لمَصَّاصي دماء شعوب جنوب الكرة الحقيقيين" الذين تضمن بهم بقاء أظافر القواعد وأذهانها مصوَّبة ومستنفرة كما و ضمان استمرار ستار الغشاوة على العيون مسدلا وسميكاً.. يطرح مثل هذا اللؤم والانتهازية البشعة تعبيراته المباشرة في صورة التجييش الطائفي ضد سوريا و"حزب الله" وإيران كمحور شائك يدمي قدم الهيمنة الأمريكية التي تدهس الخارطة وتجوبها بلا موانع من سيادة شرقاً وغرباً و جنوباً و شمالاً..
إن بلورة صورة "الآخر العدو" هي بالمحصلة بلورة لصورة "الأنا"، لكن قيادة "الإخوان"- بوصفها شريحة كمبرادورية للمصالح الأمريكية- لا أعداء لها سوى أعداء هذه المصالح، لذا فإن "الأنا الإخوانية مجازاً" هي بطبيعة الحال ليست إلا "الأنا الأمريكية حقيقةً"، وعليه فإن الذات الدالة وجودياًعلى جماعة الإخوان والناظمة لمواقفهم وتوجهاتهم السياسية والاقتصادية، هي ذات متكيِّفة تعكس في جوهرها الموقف الأمريكي بمظهر محلي إسلاموي زائف..
ندرك تماماً أن موقف الإخوان المعادي للإشتراكية كفكر وللسوفيات كرافعة سياسية لهذا الفكر، لم يكن موقفاً ليبرالياً، غير أننا ينبغي ألا نقع في فخ التصديق بأنه كان موقف "النبي محمد بن عبدالله" بمقتضى التأصيل الإخواني، -فالآخر- هنا حليف "العالم الثالث" وعدو أمريكا الذي تقدمه الذات الإخوانية المتكيفة بإعتباره عدو الله...
لقد عاشت قواعد الإخوان بإخلاص شديد وهمَ كونها سفينة نجاة ربانية تشق طريقاً كونياً ثالثاً بين معسكرين في غضون الحرب الباردة، فما هي مقادير الغباء التي تسوغ لها انهماكها اليوم في الوهم ذاته وبالدرجة ذاتها من الإخلاص حتى وهي تشاهد "سفينتها الربانية" تهوي من عليائها الكونية صوب حضيض الوحل الطائفي..؟!
بصيغة أخرى ما هي مقادير الدهاء التي تتمتع بها قيادة الجماعة لتضمن إندفاع قطعانها بعمى كامل في درك حرب قذرة ضد عدو افتراضي إسمه "الروافض والعلويون"؟!
لقد هتفت دول البترودولار والإخوان لـ"صدام حسين" إبان حربه مع إيران بإعتباره حارس البوابة الشرقية للعرب ثم أغمدت نصالها المسمومة في ظهره باعتباره بعثيّاً خطيراً و يهدد جواره الخليجي،ثم ذَرَفَتْ الدموع عليه لحظة إعدامه باعتباره سنيَّاً وفي كل الأحوال فإن النصال والدموع والهتافات لم تكن إلا مؤثرات بصرية لـ"أكشن" واحد مضمونه مصالح أمريكا على تباين مراحل العرض وتنوع الأداء وطبيعة النظَّارة المستهدفين به.. بينما كانت حناجر وعيون وقبضات دول البترودولار والإخوان مجرد "دوبليرات" تعفي "الكاوبوي" كبطل محوري، من تبعات الأداء المباشر ومخاطره على سلامته البدنية والدبلوماسية معاً.
في الثلاثينيات من القرن الفائت حاول حسن البنا أن يحسم حالة اللا حسم الأيديولوجي الذي دَمَغَ الجماعة منذ نشوئها بالغموض و جعلها تبدو بلا ملامح بالنسبة للمراقب الخارجي...
إنها - أي جماعة الإخوان في وصف مؤسسها- (روح تسري في جسد الأمة...) أي أنها متجاوزة للحدود المذهبية ولا تعتنق مذهباً بعينه..
إن إستحالة أن تستدل على موضع للروح في الجسد أو أن تجزم بوجود روح بالأساس، رفعت الغموض الذي حاول البنا إماطته عن هوية الجماعة إلى مقام أيديولوجيا بذاتها بالنسبة للجماعة وجعلت من اللا وجهة وجهةً لها من خلال الوصف الآنف......
إن الإسلام بمقتضى هذه التأويلية الشعاراتية الإخوانية المائعة هو نقيض للقومية والفكر اليساري حين تكون القومية واليسار نقيضاً للصهيونية والمصالح غير المشروعة للغرب الرأسمالي في المنطقة وهو صلحٌو وفاق معها ما دامت في حالة إذعان وقبول وتطبيع...
كذلك فإن الإسلام هو نقيض للفكر الشيعي حين يكون الفكر الشيعي حرباً على إسرائيل ونقيضاً لها والعكس...
إن دين الإخوان لا يكشر عن أنيابه ولا يشهر أظافره إلا في مواجهة كل فكر وتيار وحركة ونظام يكشر عن أنيابه ويشهر أظافره في مجابهة أطماع الإمبريالية وقوى الإستكبار العالمي والصهيونية كرأس حربة متقدمة لتلك القوى في الخارطة العربية وتجسيد عنصري فاضح لجوهر أطماعها...
وفيما لو عاد "محمد بن عبدالله- صلعم" إلى الوجود فمن غير المستبعد أن يقع فريسة لحزام ناسف أو يلصق الإخوان المجاهدون بسيارته شريحة تدل عليه طائرة أمريكية متربصة بدون طيار..
لأنه حينها سيمثل بالنسبة لفكر الجماعة:
حجر عثرة كأداء على طريق إقامة دولة الرب و يوتوبيا الإخوان المسلمين...