ذبحنا منذ الطفولة
ذبحنا منذ الطفولة, حين صدقنا
بأن الخراف رغم الدماء تظل نبيلة
و أن الذئب شرير
و بأن الرعاة ينحازون للخرفان
فكيف تراها خراف الوادي أضحت قتيلة ؟
ذبحنا حين وقفنا نشاهد
عند الحدود أخا لنا يجاهد
بعزم يعاند
يواجه جندا و ما له حيلة,
سوى وجه حق و علم
بأن التحدي سلاح
و بأن إصطبارا يساوي الجيوش عند الشدائد,
ذبحنا صغارا,
نزفنا الدموع,
سكبنا الدماء,
سكتنا مرارا,
رضينا الهوان,
قالوا أصمتوا,
لا تشتكوا لا تزعجوا بأصواتكم هدوء الحضارة,
ذبحنا تباعا,
إذ الأسد في الأقفاص تمسي جياعا,
و الحكاية طويلة,
و الزمان يدور,
و المحنك صانع المعجزات,
يزيد إندفاعا,
و نقول جهارا,
ليفعل ما يشاء,
ألسنا رعاعا و عبيد القبيلة ؟
ذبحنا من الوهلة الأولى,
حين عرفنا بأن لنا في الحياة حق,
و أن المصير بأيدي الشعوب,
و أن الطريق ليست قصيرة ,
فخذ بالوسيلة و ضمخ رداءك
بدماء الرجولة,
و إن سألوك فقل فداء إنعتاقي
دمائي حليلة ,
سنفني الزمان بكد و جهد ,
ليصير المحال من المنجزات
و غدا إن تذكرنا هذي الفعال ستكون بطولة,
ذبحنا و نحن في مخادع النسيان,
غافلون,نضاجع وهما جعلناه خليلة,
نعيش سرابا و عمر يمر,
و وحش يراود فكرا عليلا يقول ...لن تمروا
و نشرب كأسا مذاقه مر ,
و نصحو قليلا,
و نعود إلى النوم عمرا طويلا ببيت الخليلة,
ذبحنا لأننا كبش الفداء,
فلماذا العناء ؟
أ لم نرتض ذل هذا الجفاء ؟
الحياة عندنا تخلو من كل حياة,
فما جدوى أي حياة طويلة ؟
ما جدوى إن بقينا أم رحلنا ؟
فهم سواء ..
و لن يذكر الطفل غدا ما فعلنا ,
و هل حقا فعلنا سوى الإستياء ؟
سيذبح الطفل مثلنا لأننا سمحنا ,
أن نكون القتيل و ما وجدنا السبيل ..
ذبحنا لأنهم علمونا بأن إحتلال البلاد حماية ,
و زوروا كل التفاصيل الصغيرة,
و جردونا من حلم الطفولة..
كأن نصبح الأفضل في النهاية ,
كأن نرسم البسمة لهذي الحكاية,
لكنهم قيدوني بإحدى الزوايا و قالوا كفاية,
قالوا مكانك بين الكهوف,
فصرنا خفافيش نهوى الظلام,
نخوض مع الخائضين بغير دراية,
زوروا الزمان القديم,
إتهموا ذاك الشريف,
بدلوا لون الخريف,
أقفلوا تلك البناية,
أعلنوا حربا على النور ,
و إحتجزونا في الدور فلبسنا العباية,
و بعد أن تسممنا بجهل غريب
تطايرنا في الأرض كأبناء جن ,
و هذي الحكاية..
ذبحنا منذ الطفولة,
لأننا لا نصلح إلا كي نكون القتيل ,
ذبحنا منذ الطفولة ,
حين تركنا الكيان الهزيل
يعيش طويلا..
و نحمل في القلب هذا العبء الثقيل,
ذبحنا منذ الطفولة,
و منا رجال و منا نساء مشوا بالطريق
أرادوا السبيل..
فطوبى لمن سعيه في الحياة
كمن عرف الحق و أراد الوصول..
شهاب الدين شريطي من تونس