موقع المونيتور الخاص بقضايا الشرق الأوسط . (جنوب اليمن بين الدعوة إلى الاستقلال وتهديد "القاعدة")
كان جنوب اليمن خلال الأيام الماضية (21 – 29 أيار/مايو المنصرم) مسرحاً لتطوّرات سياسيّة وأمنيّة وعسكريّة كثيرة أثارت اهتمام وسائل الإعلام العربيّة والأجنبيّة. فبينما كان النظام اليمني يحتفل بالذكرى الـ23 للوحدة اليمنيّة بين الشمال والجنوب، نظّم "الحراك الجنوبي" تظاهرة مليونيّة في ساحة الحريّة في مدينة عدن جنوب اليمن، بمناسبة الذكرى الـ19 لإعلان "فكّ الارتباط" بين الجمهوريّة اليمن الديموقراطيّة الشعبيّة (الجنوب) والجمهوريّة العربيّة اليمنيّة (الشمال). وقد وُصِف التجمّع بأنه أكبر حشد جماهيري يشهده الجنوب في تاريخه، حيث وفد مؤيّدو "فك الارتباط" أو الانفصال عن الشمال من مختلف مناطق الجنوب على الرغم من ارتفاع درجات الحرارة في عدن، العاصمة السابقة للجنوب.
ولم تمضِ أيّام على هذه "المليونيّة" حتى أعلنت السلطات اليمنيّة في 24 أيار/مايو المنصرم أنها كشفت مخطّطاً لتنظيم "أنصار الشريعة" التابع لتنظيم "القاعدة" يهدف إلى الاستيلاء على بلدة غيل باوزير في محافظة حضرموت جنوب شرق البلاد، وإعلانها إمارة إسلاميّة.
وكان "أنصار الشريعة" قد استولوا في العام 2011 على مدن زنجبار وجعار وشقرة في محافظة أبين الجنوبيّة ومدينة عزان في محافظة شبوة، قبل أن يتمكّن الجيش من طردهم منتصف العام الماضي 2012.
لم تكشف السلطات اليمنيّة تفاصيل إضافيّة عن "المخطّط"، لكنها حذّرت التنظيم من مصير مشابه لذلك الذي لقيه مسلّحوه في محافظات أبين وشبوة والبيضاء، وذلك في إشارة إلى تمكّن الجيش من استعادة هذه المناطق بعدما أعلنها التنظيم إمارات إسلاميّة في العام 2011.
ونقلت صحيفة «الحياة» السعوديّة عن مصادر أمنيّة في 26 أيار/مايو المنصرم، أن تحقيقات جهاز الأمن القومي اليمني مع خليّة "القاعدة" في مديريّة غيل باوزير، قادت إلى الكشف عن مخطّط التنظيم للإستيلاء على البلدة، مستغلاً حالة الإنفلات الأمني بفعل حركة الاحتجاجات التي ينظّمها ناشطو "الحراك الجنوبي" من أنصار نائب الرئيس السابق علي سالم البيض المطالب بالإنفصال أو فكّ الإرتباط بحسب تعبيرهم.
وفي حديث خاص إلى "المونيتور" نفى المسؤول الإعلامي في مكتب الرئيس اليمني الجنوبي السابق علي سالم البيض، أحمد الربيزي، وجود مثل هذا المخطّط. وقال أنها محاولة من النظام اليمني للردّ على "مليونيّة" الحراك الجنوبي واستنفار الدعم الدولي بحجّة المساعدة في الحرب على الإرهاب، وبالتالي استدرار المساعدات الماليّة والمزيد من الدعم السياسي. وأشار الربيزي إلى أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي يمضي في السياسة نفسها التي كان يتّبعها سلفه المخلوع علي عبد الله صالح.
وفي ما يتعلّق بالمعركة ضدّ "أنصار الشريعة" في زنجبار وجعار، أوضح الربيزي أن من قام بالدور الكبير وطرد هذه الجماعات وهزمها على أبواب مدينة لودر في محافظة أبين، هم شباب لودر في "اللجان الشعبيّة" التي تشكّلت من الأهالي ودعمها تجّار لودر. أما السلطات اليمنيّة ممثّلة ببعض الضبّاط الجنوبيّين في الجيش اليمني، فقد استغلّت حاجة اللجان للدفاع عن المدينة ودعمتها بالذخيرة والسلاح. وذلك تحت إشراف الرئيس هادي، ومن قبل أبناء القبائل في أبين وشباب "الحراك الجنوبي" في المنطقة الوسطى. أضاف أن صمود "اللجان الشعبيّة" شجّع الجيش اليمني المتقهقر كي يطلق مبادرة بالهجوم على هذه المجموعات في زنجبار وجعار، فيما كان الجيش قبل ذلك يسلّم معسكراته إلى مجموعات "القاعدة" من دون مقاومة تذكر.
ومن هنا، رأى الربيزي أن سياسة الرئيس هادي بالتحذير من سقوط مدن في حضرموت في أيدي "القاعدة" هي في الحقيقة تهديد بتسليم هذه المدن إلى "أنصار الشريعة" على غرار سلفه صالح، وذلك كتهديد للجنوبيّين المطالبين بفكّ الإرتباط.
بدوره، نفى رئيس المجلس الأعلى للحراك الجنوبي في محافظة حضرموت الشيخ أحمد بامعلم أيّ وجود لتنظيم القاعدة في مدن حضرموت. واعتبر أن نشر تقارير عن سيطرة "القاعدة" على مدن في المحافظة هي محاولة "للتقليل من قيمة المشهد المليوني الرائع في 21 أيار/مايو المنصرم، في الذكرى التاسعة عشر لإعلان فكّ الإرتباط واستعادة الجنوب الذي لفت أنظار العالم". أضاف أن الهدف من "الشائعات" التي تقول بسيطرة القاعدة على مدن في حضرموت، هو "تخويف المحيط الإقليمي والدولي والعربي من التعاطي الإيجابي مع مطالب شعب الجنوب المشروعة المتمثّلة بالتحرير والإستقلال واستعادة الدولة.. كي يطول أمد بقاء الاحتلال في الجنوب".
وقال بامعلم أن "الحراك الجنوبي السلمي مسيطر على كامل الرقعة الجغرافيّة في الجنوب ولا تواجد لما يُسمّى بتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة إلاّ داخل المعسكرات الحكوميّة وإدارة الأمن التي ترعى هذه الجماعات"، مشيراً إلى أن "أنصار الشريعة" هم جماعة تابعة للجيش اليمني تعمل تحت رعايته وتتواجد في الجنوب في معسكراته.
أما عن حقيقة وجود "القاعدة" في جنوب اليمن، فقال الربيزي أن "هناك جماعات في الجنوب. ولو تفحّصنا تشكيلها أو عناصرها، لوجدنا أن أغلبيتهم هي ممن ولدوا أو عاشوا في السعوديّة وبعضهم ممن كانوا يعيشون في الشمال منذ هروب أهاليهم في سبعينيات القرن العشرين من النظام الماركسي في الجنوب، وغالبيّتهم موظّفون في الأمن الوطني السابق في دولة الشمال. بالإضافة إلى أفغان عرب من دول عدّة، من سعوديّين وليبيّين وجزائريّين ويمنيّين شماليّين من مأرب والبيضاء وتعز". أضاف "في الحقيقة تجمّع هؤلاء في الجنوب تحت رعاية الرئيس السابق علي عبد الله صالح والشيخ عبد المجيد الزنداني، إلى جانب راعيهم وحاميهم المعروف اللواء علي محسن الأحمر".
هل يريد شعب الجنوب الاستقلال عن الشمال فعلاً، وهل ذلك ممكن؟
وفي حديث خاص أجراه "المونيتور" مع الأمين العام لمجلس الحراك الجنوبي السفير قاسم عسكر (جبران)، ولدى سؤاله إن كانت التيّارات داخل الحراك الجنوبي كلّها تؤيّد "فكّ الإرتباط" أم أن بعضها يطالب بالفيدراليّة أو الوحدة، قال أنه "لا يوجد في الجنوب إلا تيّار واحد هو التيار الداعي إلى الإنفصال واستعادة دولة الجنوب". وأشار إلى أن الدعوات الأخرى ليس لها أرضيّة شعبيّة، وإنما ينادي بها بعض القيادات السابقة. أضاف أن تلك القيادات بدأت تتراجع عن دعوتها باستمرار الوحدة أو الفيدراليّة تحت ضغط الشارع الجنوبي، في إشارة إلى الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد ورئيس الوزراء الجنوبي السابق حيدر أبو بكر العطاس وعبد الرحمن الجفري وغيرهم.
وكشف عسكر لـ"المونيتور" أنه ورئيس المجلس الأعلى للحراك الجنوبي في محافظة حضرموت أحمد بامعلم ونائبه علي باثواب، قد جاؤوا إلى بيروت ليجتمعوا بالرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض ويبحثوا معه الوضع في الجنوب ومستقبل "الحراك".
من جهته، قال علي باثواب لـ"المونيتور" أن التظاهرات المليونيّة للشعب الجنوبي تنادي بالإستقلال وبتحرير الجنوب وترفض الفيدراليّة والوحدة، مشيراً إلى أن "هذا النضال قد بدأ منذ تاريخ السابع من تموز/يوليو من العام 2007 وتم تقديم الشهداء والتضحيات ودخلت قيادات الحراك وكوادره السجون". ولفت إلى أن هذه "المليونيّات تمّ حشدها من محافظات عدن ولحج وأبين من بين ستّة محافظات في الجنوب التي يبلغ عدد سكانها نحو خمسة ملايين نسمة".
وأوضح باثواب أن بعض الدول المجاورة، في إشارة إلى السعوديّة، عندما رأت تصاعد قوّة الحراك الجنوبي دفعت ببعض الشخصيات الجنوبيّة المقيمة فيها، أي العطاس، للدعوة إلى الفيدراليّة من أجل احتواء الدعوة إلى فكّ الإرتباط عن الشمال، وذلك بهدف حفظ مصالحها.
ولفت السفير قاسم عسكر جبران إلى أن "العطاس بدأ من جهته يتراجع عن دعوته إلى الفيدرالية، وبدأ يدعو إلى الإستقلال وفكّ الإرتباط عندما رأى أن دعوته إلى الفيدرالية لا تحظى بأي قبول لدى شعب الجنوب".
أضاف عسكر أن "النظام اليمني ما زال يستخدم العنف والقوّة في وجه "الحراك الجنوبي" السلمي، حيث نفذّ مجازر ضد المتظاهرين. وهو ما زال يقمع المعتصمين والمتظاهرين بالرصاص، ويحاصر البلدات التي تشهد أيّ حراك أو تظاهرة أو اعتصام، مشيراً إلى قيام السلطات بقطع الكهرباء والمياه عن هذه المناطق كعقاب لها".
وأوضح أن "اعتقالات الناشطين الجنوبيّين التي كانت تتمّ بالعشرات سابقاً، ما زالت مستمرة ولكن بوتيرة أخفّ حدّة مستهدفة القيادات والكوادر. لكن السلطات استعاضت عنها باغتيالات للناشطين في "الحراك الجنوبي"، بحيث لا يمضي يوم إلا ويتمّ اغتيال أحدهم". وقال أنهم (هو وبامعلم وباثواب) تعرّضوا للتوقيف أكثر من ساعتين قبل سفرهم إلى بيروت.
وشرح باثواب أن السلطات اليمنيّة التي قسّمت اليمن إلى سبع مناطق عسكريّة، جعلت أربعة منها في مناطق الجنوب حيث يسجّل تواجد 70-80% من الجيش اليمني "المحتلّ" فيها.
وعن توقّعاته بشأن مستقبل "الحراك الجنوبي" واحتمالات نجاحه، رأى عسكر أن هناك تغيّراً في المجتمع الدولي تجاه قضيّة الجنوب. وتوقّع أن تشهد الأشهر المقبلة خصوصاً شهر أيلول/سبتمبر المقبل(، تحوّلاً في الموقف الدولي من القضيّة مع انتهاء مؤتمر الحوار الوطني وفشله.
وأشار باثواب إلى أن الرئيس البيض استقبل القائم بأعمال السفارة الفرنسيّة في بيروت جيروم كوشار في 23 مايو/أيار المنصرم، وأطلعه على "ما يتعرّض له شعب الجنوب من قمع وانتهاكات ومحاولات لطمس هويّته ونهب ثرواته منذ احتلال الجنوب في حرب صيف 1994". وتحدّث كذلك "عن نضال شعب الجنوب السلمي، وآخر نماذجه الملايين التي احتشدت في عدن يوم 21 أيار/مايو المنصرم".
أما عسكر فكشف عن اتصالات جرت مؤخراً بين قيادة "الحراك الجنوبي" ومسؤولَين بارزَين، أميركي وألماني، كلّ على حدة، مشيراً إلى أن هناك لقاءات دوليّة مرتقبة مع ممثّل الأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولين غربيّين لبحث مستقبل الجنوب.