سويعات الزحف غرباً ( 2 )
إنها بحق أم المليونيات, مليونية قلبت كل الموازين حين تداعت الجماهير ملبية, في عملية زحف منظم صوب عاصمة الجنوب الأبية, فكان ذلك يوم عُرسكِ يا عدن, وما كان منك إلا ان مزّقتِ الكفنْ, وخلعنا بدورنا أثواب الحزن ومزّقنا أثواب العصبيات والتعصبات, التي أرهقتنا وأتلفت أعصابنا, مزّقناها بمختلف أشكالها البشعة وألوانها القبيحة، ولبسنا بدلاً عنها أثواب الحب والوفاء, والاحترام والإخاء.
لقد تحدثنا في مقالنا السابق عن مدى حرارة الاستقبال الذي استقبلنا به من ابنا عدن ومن سبقونا إليها في العريش حين ذرفت الأعين دموع الفرح والاعتزاز بهذا السيل البشري القادم من حضرموت, ذلك السيل الذي لم يكن يتوقعه احد حيث ازدحمت خطوط الطرق المؤدية إلى عدن لتلغي الخطوط المعاكسة, وكان مصادفة أَنْ تكون السيارة التي تقلنا على الخط المعاكس, فرأيت بعض السيارات التي اتخذت من رمال ساحل ابين بمحاذاة الخط الخارج من عدن موقفاً مؤقتاً لها مفسحة الطريق للموكب, وعلى مدخل المطار تثاقل الموكب نظراً للتزاحم هناك, فكانت فرصة لنرد التحية على المرتصين لتحيتنا, وما شد انتباهي حين أشحت بوجهي يساراً لمحت سيارة يتوسط لوحتها الهلال الأحمر مما يدل على أنَّ صاحبها طبيباً, وكان واقفاً إلى جانبها رافعاً يده اليمنى ومباعداً بين سبابته والوسطى في إشارة لعلامة النصر وامتزجت على ملامح وجهه مشاعر الفرح ولفرطها أحسست أنَّ الرجل في قمة سعادته, وصراحة تخذلني هنا الكلمات عن التعبير لروعة المشهد وبلاغة معانية, خاصة بعد إن مرر كفه اليسرى على خده ليخفي لمعان دموعه ويكففها.
وبمُجردّ أَنْ ترجلنا ارتفعت أكثر وأكثر هتافات الترحيب لتلامس الوجدان وتداعب الروح لتوقظ فينا الشجن وسرّعت من دقات القلب وتضاربها, فشعرت حينها برغبةٍ في النحيب ولكن تمالكت نفسي إلا إني لم استطع السيطرة على مقل عيني فأنسابت قطرات الدمع مترافقة مع شعور حميمي غمرني وإحساس صوّر لي أن ساحة العروض بل عدن, ولا أبالغ أَنْ قلت الجنوب طولا بعرضا لا يتسعّ لحجم سعادتي, وأنا أرى فتية وكبار سن اصطفوا على جنبات الطريق ممسكين بأكياس وعبوات المياه المعدنية لينثروا ما حوته من مياه عالياً ليرتد على هيئة رذاذ على رؤوسنا مما ساعد على تلطيف الجو, لينتفي بذلك تساؤلي مع زملائي "ماذا لو رَمِضَتِ الأَرْضُ تحت أقدامنا؟!", أنا لا أتحدث هنا عن خراطيم المياه التي جهزت لتلطيف الجو بالساحة ولكني أتحدث عن عمل لم يتم التحضير و الإعداد له وإنما تم بفعل وجداني آسر.
وفي مشهد لا يمكن نسيانه على المدى المنظور, مشهد تدمع له العيون وتقض له المقل, حين يندفع نحوك فارداً ذراعيه, من لا تربطك به علاقة شخصية, ولا سابق معرفة, وإنما حب الجنوب, شكّل الدافع الأقوى لأخذ بعضنا بعضا بالأحضان, ولك ان تتخيل مشاعرنا حينها,,,
يا الله, ما أجملها من لحظات, صنعت من لهيب صيف عدن, فردوس إنساني تمنيت ان تطول ساعاته.
في المقال القادم إن شاء الله سوف نكمل ما بدأناه من رصد لمواقف لمستها شخصيا و يصعب نسيانها