مليونية فك الارتباط.. والمفارقة العجيبة!
كانت مليونية الذكرى التاسعة عشرة لفك الارتباط مع الجمهورية العربية اليمنية , التي شهدتها ساحة الحرية في خورمكسر – عدن, أكبر حشد جماهيري يشهده الجنوب في تاريخه, فاق كل التوقعات , إذ اكتظت الساحة والأحياء المحيطة بها ببحر متلاطم الأمواج من البشر , جاءوا من مختلف مناطق الجنوب, رغم حرارة قيظ عدن اللاهبة, التي تحولت , بعزيمة وثبات المشاركين, إلى بردٍ وسلامٍ, فضلاً عن تلطيف حرارة الجو اللافحة برش زخات الماء التي كانت تتناثر هنا وهناك من سيارات أُعدت لهذا الغرض.
ومثلت هذه الحشود الكبرى وبحق استفتاءً جديداً لشعبنا الجنوبي في رفضه لوحدة الضم والالحاق و تمسكه باستقلاله وتحرره كخيار وحيد للخلاص من نتائج حرب الاحتلال ونتائجها التدميرية للأرض والإنسان, واستعادة الهوية والدولة المدنية .. وما يلفت الانتباه أن مئات الآلاف من الجنوبيين حملوا أكبر علم امتد على طول الساحة, على رؤوسهم, فضلا عن غابات من الأعلام التي حملها الأفراد خفاقة في السماء أو نسجوها على ثيابهم أو فوق رؤوسهم أو نقشوا بها أجسادهم أو جعلوها زينة على صدورهم, شيوخا وشباباً وأطفالاَ , رجالاً ونساء, وكذا الابداع في إبراز الرموز المعبرة عن الهوية الجنوبية بصورة ملفة للانتباه.. فيما كان هنا علم (الوحدة المذبوحة) يقف يتيماً وغريباً أمام جولة فندق عدن, تحرسه عربات مصفحة وعشرات الجنود.. في مفارقة عجيبة, ذات دلالة عميقة, تؤكد أن الوحدة قد انتهت, ولم يعد لها وجود إلا في مخيلة عتاولة (النهب والفيد) المتشبثين بها وبعلمها تحت حراسة عربات ومدرعات قوات الاحتلال.. ولو كان ذلك العلم المسكين ينطق لقال في الحال بصوت مسموع : ارحلوا بي إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم, فلا طاقة لي لتقبل نظرات الاشمئزاز التي يرمقني بها كل جنوبي, كما لا أرغب أن أكون غريبا وتحت حراسة مشددة فيما غابات الأعلام الجنوبية محمولة على الأعناق وفوق الرؤوس وفي قلوب وحدقات أعين ملايين الجنوبيين.
لقد قال شعب الجنوب كلمته.. وبلغ رسالته للداخل والخارج.. ولن يقبل بأقل من حقه المشروع في الحرية والاستقلال وهو ما تكفله كل القوانين والشرائع.. وما ضاع حق وراءه شعب بكامله.