الكعكة الحضرمية
حضرموت اسم من ذهب عيار 24 قيراط .. حباها الله بالخيرات والثروات النفطية والمعادن من ذهب وفضه ونحاس ورصاص ونيكل وغيره وثروة سمكية هائلة وزراعية من أشجار النخيل وأشجار السدر (النبق أو الدوم ) ومن منتجاتها البلح والقمح والذرة البيضاء والسمسم والشمار والحبة السوداء والكمون وغيره والعسل الدوعني الشهير والمياه المعدنية (الكبريتية ) لعلاج بعض الأمراض وفوق هذا كله الإنسان الحضرمي الأصيل الذي نشر رسالة الإسلام في ربوع هذا الأرض من اندونيسيا ومرورا بماليزيا وسنغافورة وجزر الفلبين وتايلاند والهند وشرق أفريقيا في جيبوتي والصومال وكينيا وتنزانيا وجزر القمر والى شمال أفريقيا . وكان لهم في كثير من هذه الأقطار ثروة ونفوذ وسلطان . هذه هي حضرموت الحضارة والتاريخ والتراث والآثار .. حضارة عمرها 5000 سنه لا تضاهيا إلا الحضارة الفرعونية . أما الإنسان الحضرمي فهو أغلى من الثروة .. هادئ الطبع ، أمين ، ودود ، مسالم لا يعرف الرشوة والفساد ويؤدي واجبه بأمانة، حسن الأخلاق لا يعرف الغش والخداع .
لقد كانت الحياة في حضرموت بسيطة والناس متعاونين ومتحابين فيما بينهم والجار عند الجار في كل واجب وإذا غاب الجار يوم عن أعينهم سألوا عليه. كان كل شئ فيه بركة .. تنزل الشلن من جيبك تشتري به ما يوازي اليوم وجبة غذاء وعشاء لشخص واحد في المكلا .. معظم المواد الغذائية متوفرة ومن اكبر العلامات التجارية في المكلا وعدن قبل جدة ودبي.. اللحوم والأسماك بتراب الفلوس . هذا في الخمسينات و الستينات .. أما في السبعينات فانقلبت الصورة رأس على عقب كل شئ ضاع من أخلاق وتقاليد وعادات واصحبنا نعيش في كابوس لا أول له ولا آخر إلى يومنا هذا. لقد أصبحت الحياة في الداخل وفي المهجر صعبة جدا ولا ندري ماذا نفعل وبالذات أولادنا في الداخل والخارج أصبحوا مهمشين .
بعد هذه المقدمة البسيطة عن حضرموت الحضارة والتاريخ والتراث نعود إلى عنوان المقال (( الكعكة الحضرمية .. بالعسل الدوعني )) والذي أعنيه عسل أيام زمان .. الأصلي الممتاز تشم رائحته الزكية عندما تفتحت القرف ( العلبة ) . . أما اليوم فلا رائحة له . واقصد بالكعكة الحضرمية بحضرموت أول دولة حضارية أقيمت في جنوب الجزيرة العربية . حضرموت كيان وهوية وتاريخ لا جنوبية ولا شمالية . لقد برزت قضية حضرموت بقوة وفرضت نفسها على الواقع السياسي فليموت الحاقدون والمرجفون بغيضهم .. وأن شاء الله سيطالب الشعب الحضرمي بتقرير المصير من اجل دولة حضرمية مستقلة تستند إلى الحق الشرعي والقانوني .. ولن نقبل بدولة جديدة في الجنوب ما لم تكن حضرموت مرتكز هوية هذه الدولة وعاصمتها المكلا . لقد ظلمت حضرموت من قبل الجبهة القومية عندما ضمت بالقوة في جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية وهي لم تكن جزء اتحاد الجنوب العربي الذي أقامة البريطانيون في عام 1959 .. ولن نرضى بأن تظلم مرة ثانية لأن حضرموت كانت موعدة بالاستقلال من بريطانيا في 9 يناير 1968م ولكن بريطانيا نكثت بوعدها وسلمت حضرموت للجبهة القومية من خلال المرتزقة في جيش البادية الحضرمي . وتمر الأيام وإذا بالجبهة القومية تقوم بعملية قذرة و تتآمر على جيش البادية الحضرمي ليلفظ أنفاسه ويموت في معركة الوديعة ..من أجل أن لا تتمكن حضرموت من مقاومة الجبهة القومية لاستعادة أراضيها المسلوبة . وهكذا تخسر حضرموت جيش من أقوى وأمهر جيوش زمانه في جنوب الجزيرة العربية .
تقول الدراسات التي اجري بواسطة احدث الطرق والوسائل العلمية المبتكرة في عمليات المسح الجيوفيزيائي أن تحت رمال الكثبان الرملية في صحراء الربع الخالي يوجد أضخم مخزون احتياطي للنفط الخام في العالم .. هذا الربع الخالي الذي لم يعد خاليا لكثرة الفرق الميدانية للتنقيب عن النفط والغاز والمياه من قبل اليمن والسعودية . وعليه فأن الاستكشافات الحديثة أظهرت وجود ثلاثة أحواض رئيسية 1) حوض سيئون المكلا 2) حوض الجزع في المهرة 3) حوض مأرب الجوف شبوة .. ومخزون هائل من المياه الجوفية .
قد يتساءل الكثير عن أسرار اللعبة السياسية في اليمن من الموقف الإقليمي والدولي والمنحاز 180 درجة بدعمه ورعايته لنظام سلطة صنعاء الفاشلة متجاهل مطالب شعب الجنوب العربي وحضرموت .. إنما هو اهتمام له علاقة بمصالح دول الشركات النفطية بالثروات المنهوبة والتي من مصلحتها انتهاك السيادة اليمنية والتدخل المباشر بشئونها الداخلية ، وجعلها سياسيا واقتصاديا تحت الوصاية الإقليمية والانتداب الدولي وكذلك محاولات استباقية لمراكز النفوذ والأطماع الدولية .
إن المتأمل لخارطة هيكلة الجيش اليمني يستشعر مدى خطورة الخطة العسكرية التي تهدف إلى تثبيت القبضة العسكرية الحديدية والأمنية على حضرموت واستمرار نهب ثرواتها ، يظهر هذا جليا من وضع منطقتين عسكريتين في حضرموت وحدها من أجل تقطيع هذه الكعكة إلى أوصال لمصالحهم الذاتية . أن سياسات المتنفذين والعسكريين تتكشف يوما بعد يوم في السيطرة على منابع النفط والثروة المعشعشة في عقولهم ، هذه السياسات الغبية والتي ليس لها مثيل في أي دولة من دول العالم الذي يسوده القوانين العادلة والتي تحقق الأمن والأمان لمواطنيهم وتحقق لهم حياة كريمة وشريفة بدون تمييز . فالجيوش عندهم تحمي البلاد والثروة .. أما الجيش عندنا فيحمي مصالح المتنفذين والعسكريين .
فلماذا حضرموت منطقتين عسكريتين وكل منهما قيادة مستقلة ؟ الجواب هو أن حضرموت الخير هي البقرة الحلوب لهم من نفط وغاز وذهب وثروة سمكية .. أما المواطن الحضرمي فله الغازات السامة والسرطانات والمياه الملوثة .
أن حضرموت عصية لكل جبار ولكن لن تسكت عن القهر والجور والاستبداد الذي لحق بها خلال 46 عاما من الحكم الشمولي وحكم صنعاء القبلي . وهل يعقل أن تكون حضرموت في ذيل قائمة أفقر محافظة في اليمن حسب تعداد الأمم المتحدة وهي الغنية بثرواتها وخيراتها . يقول الله تعالى في كتابه الكريم (( يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار )) صدق الله العظيم .