أيهما أهم ثورة أكتوبر أم ثورة الحراك الجنوبي ؟ !
يتطرق هذا المقال إلى إلزامية المقارنة بين ثورة الجنوب الأولى ضد المستعمر البريطاني وثورة الحراك الجنوبي (ثورة الجنوب الثانية) , ومعرفة أيهما أهم بميزان النفع الاجتماعي للشعب في الجنوب , والذي يوضح بالضرورة المقارنة بين ضرر الاستعمار الخارجي والاستعمار الداخلي .
قد يسخر مني القارئ إذا أجزمت أن ثورة الحراك الجنوبي أعظم أهمية من ثورة 14 أكتوبر , وأملي في القارئ اللبيب , ويظل الأمر مرهون بالعقلانية والمنطق والحجة في الأدلة التي تبني حقائق دامغة في الأهمية الآتية من طبيعة ونوع وقوة الضرر على الجنوب الحر .
إذا ما قمنا لبرهة عزل زمني للزنين والرنين الإعلامي للسلطة عبر أكثر من أربعة عقود مضت في الإقرار بقداسة ثورة أكتوبر الذي لا يخلو من التمجيد والمبالغة , وإذا ما صوبنا في عقولنا المقياس العادل للحكم على الأحداث ونتائجها بمقياس الضرر الاجتماعي وما يقابله من الإنقاذ الاجتماعي على اعتبار النفع الاجتماعي هو هدف نضال أي شعب وهو ما نسميه المصلحة الاجتماعية التي هي السبب وراء ظهور العقد الاجتماعي في المجتمعات الإنسانية .
وهذا الشيء يؤدي إلى مسلمة منطقية يجب أن نقتنع بها : أن أهمية أي ثورة تكمن في درجة الإنقاذ المتوافق مع مستوى الضرر الواقع على أي شعب , وهذا يجعلك تقيس طبيعة الضرر لأي مستعمر ومستوى الإنقاذ الذي تقدمة الثورات .
في عهد الثورات و المد العربي القومي جعل الشعوب تواقة إلى الحرية على اعتبار إن هذه الشعوب ترى في هذه الثورات أمل العزّة والكرامة ورغد العيش الطيب والأمن والأمان , ولكن هذه الثورات لم تأتي ثمرها فكانت صراع وندم وقتل , وهذا عهد جميع الثورات العربية التي لم تحقق الحلم المرجو عند هذه الشعوب التي قامت بالثورات , ولم يستفد منها إلا قلة من الطغاة الديكتاتوريين التي حطمت سياساتهم أحلام الشعوب .
ومن ثم قيام الثورات لم يكن أفضل من بقاء المستعمر الأجنبي أن لم يكن أسوأ في كثير أو معظم البلدان .
وإذ نقول بعد هذا المؤجز الثوري وعن يقين نفعي لكل أبناء الجنوب أن تضحيات مناضلي الثورة السلمية للحراك الجنوبي ستصبح أهم بكثير من تضحيات الثوار في الجنوب ضد المستعمر البريطاني , واليك بعض الحجة والبراهين نلخصها في نقاط :
1الاستعمار البريطاني في احتلاله للجنوب ورغم طول مكوثه لم يهدد حق الأجيال الجنوبية على الإطلاق على عكس نظام صنعاء ( المستعمر الداخلي ) الذي هدد حق الأجيال الجنوبية من خلال عملية النهب لثرواته وأراضيه والعمل الديمغرافي , والإقصاء والتهميش وغرس الذل والمهانة في الإنسان الجنوبي ليتحول إلى تابع مسلوب الحقوق .
2 . الاستعمار البريطاني كانت أضراره سيادية مؤقتة في كل الأحوال بعكس نظام صنعاء الذي أفقد حق السيادة للإنسان الجنوبي على أرضه .
3 . الاستعمار البريطاني طوّر عملية التعليم وبناء المساكن وشق الطرق بعكس نظام صنعاء الذي منهج عملية التجهيل ضد الجنوب ليعيد عدن (عاصمة الجنوب ) إلى قرية بعد أن كانت موقع حضاري يشهد له العالم وعواصم الدول المتحضرة .
4 . الاستعمار البريطاني أهتم بالجانب الصحي أي اهتمام , وعكس ذلك نظام صنعاء جعل من الصحة زبالة وجباية .
5 . الاستعمار البريطاني يعطي في مجملة العام تطور تدريجي , خلاف نظام صنعاء الذي هدم عملية التطور التي تمت , وضيّع الأمن الذي صرف علية الجنوب جماجم الإنسان الجنوبي .
6 . الاستعمار البريطاني أعطاء الجنوب رقي وحضارة , وإعطاء نظام صنعاء تخلف وهمجية .
7 . الاستعمار البريطاني لم ينهب أراضي الجنوب , خلاف نظام صنعاء الذي أعتبر أراضي الجنوب فيد وغنيمة .
8 . الاستعمار البريطاني لم يأخذ على أبناء الجنوب وظائفهم , ونظام صنعاء فعل ذلك بصورة مقززة وبصور مختلفة واحتيالية .
9 . الاستعمار البريطاني لم ينهب النفط الجنوبي والبحر الجنوبي كما يفعل نظام صنعاء وزبانيته .
10 . الاستعمار البريطاني بناء جيش واوجد مؤسسات في الجنوب , ونظام صنعاء الغازي هدم المؤسسات وأضاع الجيش الجنوبي وفتت كل إنجاز جنوبي .
11 . الاستعمار البريطاني لم يحارب الهوية الجنوبية , ونظام صنعاء هدد الهوية الجنوبية والوجود الجنوبي .
12 . الاستعمار البريطاني لم يستبيح دينياً دم أبناء الجنوب على الرغم من اختلاف الديانة , ونظام صنعاء استدعاء فتاوى دينية لاستباحة الدم الجنوبي .
ما ذكرت هذه بعض العوامل وليس كلها لأن ذلك يحتاج لدراسة أدق , ولكن ذكرنا المشهور الذي لا يحتاج إلى الإنكار عبر العصور .
ولذلك تجد الكثير ممن عايش العهد البريطاني يمتدح له , لأنة لم يؤذي الجنوبي في وجودة كإنسان يمتلك حضارة ضاربة في أعماق التاريخ , بعكس ما هي خطورة المد الشمالي على الهوية والمرجعية , والإضرار الاجتماعي لنظام صنعاء الباغي الذي أفقد الإنسان الجنوبي إنسانيته وكيانه وأفقره حيلة وعيشة .
ومن هنا كان النضال في الثورة ضد المستعمر البريطاني هي ترف قومي وحرية أحلام وغواية نظريات .
أما نضال ثورة الجنوب اليوم فهو إنقاذ حقيقي للإنسان الجنوبي من واقع رديء أتعب كاهله وارتفعت كلفتة وعلا ثمنه مخلفاً عودة إلى الوراء أمنياً ومعيشياً وصحياً واجتماعياً وثقافياً وحضارياً.