خطيئة تاريخية
لم يستمر 27 أبريل كيوم للديمقراطية سوى بضعة أشهر حتى انقضت عليه قوى الحرب لتحوله إلى مطلع تاريخ لحرب ظالمة سجلت كواحدة من الحروب العبثية التي لم تنتهِ بمجرد أن صمتت المدافع فيما عرفها منظرو هذه الحرب بأنها انتصار الشمال على الجنوب بإسقاط غبي لحرب الشمال الأمريكي على الجنوب الأمريكي.
ولأنها حرب عبثية لم يكن الهدف منها سوى استحضار منهج الضم والإلحاق الذي تأسس على القاعدة الأيديولوجية التي ظلت ترى الجنوب فرعاً يجب أن يعود إلى الأصل، لقد أدى هذا المنهج إلى صياغة كارثة الحرب وما سُمي بالانتصار بانسجام مع العقلية التي رأت في الجنوب مكسباً عسكرياً مما أدى إلى ضرب المشروع الوطني في وعي أبناء الجنوب والحركة الوطنية اليمنية عموماً، وكان لذلك تداعياته الخطيرة على البنية الثقافية السياسية التي تشكلت طوال سنوات طويلة في خضم الصراع السياسي، الذي خاضته الحركة الوطنية من أجل الهوية الوطنية اليمنية للجنوب.
وبتفكيك هذه البنية دخل اليمن في سديم الحروب ومشاريع التفكيك السياسي والاجتماعي، ولأن النظام السياسي لم يكن يملك مشروعاً وطنياً يحافظ على كيانية الدولة ويحميها من الانهيار فقد لجأ إلى حماية نفسه من خلال إعادة تشكيل مؤسسات الدولة على قاعدة اجتماعية ضيّقة واختزالها في مشروع صغير يتناقض موضوعياً مع الحجم الهائل من القوى المنتسبة إلى سلطته والتي عمل على تسخيرها لخدمة هذا المشروع العائلي الصغير.
ولحماية هذا المشروع كان عليه أن يعلن المعركة على المشروع الوطني المجسد لوحدة حقيقية لها استحقاقاتها الوطنية الكبيرة فوجد نفسه موضوعياً يخوض معركة مع الوحدة لحماية نفسه، وذلك بتكريس العوامل المعيقة لانتشال الوحدة من مستنقع الإخفاقات التي غرق فيها النظام ومن ضمنها فشله في إقامة الدولة الوطنية الديمقراطية الحاملة للوحدة وتشجيع الحروب والثقافات التفكيكية.
لقد كان إعلان الحرب في هذا اليوم خطيئة تاريخية بحق اليمن ولا بُد من الوقوف أمامها بمسؤولية في معرض البحث عن جذور القضية الجنوبية. كانت هذه الحرب وستظل الجذر الرئيس في إعادة إنتاج هذه القضية بمضامينها المتعلقة بالهوية والمكوّنات السياسية التي تشكل منها الجنوب الموحّد بثورة 14 أكتوبر المجيدة.
نقلاً عن صفحته في "فيسبوك".