هذا ما يجري في دولة الإمارات العربية
لا شك أن القضية الجنوبية هي محور لقاءات واجتماعات نشطة تشهدها دولة الإمارات العربية الشقيقة هذه الأيام.
ولا شك أن هناك جديداً ينتظر القضية الجنوبية ولكنه لا يبدوا واضح الملامح.. وحتى نقدر على تحديد ملامح الجديد القادم لا بد أن نراجع ماضينا بمراحله المتفاوتة وبدروسه المتعددة التي عشناها منذ الاستقلال من بريطانيا وحتى اليوم.
عدن خاصة والجنوب عامة قبل عام 1967م كانت نموذج رائع للتعايش والحريات والمدنية والأمان والسلام والرخاء.. وياليتها دامت.
بعد 1967م بدأت معاول الهدم تعمل قتال واقتتال واعتقالات ومصادرة حريات ونهب ممتلكات ووظائف.. بارت أرض وجاع الناس.. وكان ذلك هو الفشل الأول.
في عام 1990م وصل الجنوب إلى مراحل متقدمة من الإجهاد وأصابه ما أصابه من اليأس والإحباط فرمى بنفسه في (وحدة) مع الشمال.. الشمال استباح كل شيء في الجنوب أرضاً وعرضاً ومالاً ودماء فخسر الجنوب البقية الباقية من قيمته ومكانته ، خسر بنيته التعليمية والثقافية ونظامه الإداري ووعيه القانوني وخسر جيل كامل وعياً وثقافة وسلوكا .. وكان ذلك هو الفشل الثاني.
ومن مظاهر الفشل الثالث هو افتقارنا للانتماء الوطني لصالح انتماءات متعددة سياسية وحزبية وجهوية وقبلية وفشلنا جميعنا في فهم رؤية وطنية مشتركة وأضعنا المرجعية التوافقية وعجزنا عن الالتقاء وفقدنا بذلك الواجهة السياسية الواعية لإدارة الجنوب.
هذا التوالي في الفشل لخمسة عقود متتالية يعني وبوضوح أننا فشلنا في حُكم أنفسنا وأسوأ ما نتج عن هذا الفشل هو دمار وطن وضياع جيل وزاد عليه فساد جامح جاءنا مع الوحدة اليمنية بدأ دخيلاً علينا وهو اليوم يستبد بنا في ثقافتنا وسلوكنا إلى حد مؤلم ومخيف.
اليوم بدت مستجدات ومتغيرات محلية وإقليمية وبات الجنوب على أبواب واقع جديد مختلف تماماً عما كان عليه سابقاً بمراحله الثلاث:
عدن قبل 1967م ومحمياتها من سلطنات ومشيخات ولَت وانتهت وقد قضى عليها التاريخ وهذه حتميته وعلينا استيعابها.
جمهورية اليمن الديمقراطية التي كانت قائمة حتى عام 1990م ولَت وانتهت وقد قضى عليها التاريخ وهذه حتميته وعلينا استيعابها.
دولة الوحدة (الجمهورية اليمنية) هي الأُخرى انتهت وانقضت وقد دار عليها التاريخ وهذه حتميته وعلينا فهمها واستيعابها.
إذاً ذهب الماضي بمراحله المختلفة ولن يعود ونحن اليوم أمام واقع جديد ومختلف تصيغه الأحداث وتشكله الوقائع والعوامل الجيوسياسية والديمغرافية والخبرات السياسية والثقافية وما نراه إلاَ أنه يفرض في الجنوب شكل جديد من أشكال (دولة الجنوب الإتحادية) يراها البعض على النحو التالي:
(إمارة عدن) وتضم (محافظة عدن و لحج والضالع و سقطرى).
(إمارة شبوة) وتضم (محافظة أبين و محافظة شبوة).
(إمارة حضرموت) وتضم (محافظة حضرموت و محافظة المهرة).
بحكم إداري مستقل على مستوى تشريعي وتنفيذي وبتوزيع عادل للثروات.. وقد يكون نموذج الحُكم على غرار الحُكم الإداري السائد حالياً في (دولة الإمارات العربية المتحدة).
أما علاقة الجنوب بالشمال فقد تكون هي الأُخرى تحكمها عوامل سياسية وأمنية إقليمية علينا أن نراعيها.. ولكن في إطار (إستفتاء شعب الجنوب) كحق قانوني مشروع لتحديد مصيره حتى لا تتكرر مصائب لا زلنا نتجرعها شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً حتى اليوم.
أما إن فُرض على شعب الجنوب أي شكل من أشكال الفيدرالية أو الكونفيدرالية مع الشمال فنخشى أن لا يتقبلها شعب الجنوب إلاَ بمفهوم الإنفصال ويتعامل معها بواقع الإنفصال.. فالإنفصال الحقيقي عند شعب الجنوب صار قدراً لا نقدر على تجاهله وقد بات اليوم واقعاً على الأرض وفي الوجدان.. وما قد يكون لذلك من تجربة أُخرى من عدم الإستقرار.