في جرائم صالح
في جرائم صالح
د.حسن قايد الصبيحي
كل البدايات الأولى صعبة، ومنذ نعومة أظفارنا ونحن نجرب البدايات ونجدها صعبة، حينما نذهب في اليوم الأول للمدرسة نشعر بالمشقة، ويرافقنا هذا الشعور في مجرى حياتنا الطويل، وحتى آخر تجاربنا حين نشعر بأننا ننتقل إلى عالم الأبدية، نذرف الدموع كما ذرفناها مصحوبة بالصراخ عند الولادة. جربت هذا الشعور الفلسفي وأنا أسرع في الكتابة لهذه الزاوية وترددت كثيراً في اختيار الموضوع واهتديت إلى ضالتي حين ومض اسم علي عبد الله صالح أمامي مع ما يحمله من الشعور بالضيق والكآبة، إنه والله اختيار جيد شريطة أن يدور الموضوع حول سلسلة جرائمه المخفية التي ارتكبها إبان حكمه ولم يكشف عنها إلا القليل ولم تجد تبعات لذلك طريقها للنشر والناس متعطشون لمعرفة الكثير عن اليمن وأسراره والظروف المؤسفة التي أدت إلى إغراقه في بحار من الأزمات والدمار وجعلته يغرق في بحور من التخلف والعوز والفوضى وانعدام الأمن بصنوفه السياسية والاقتصادية والسلام والأمن الاجتماعي. ولنبدأ من حيث ظهر اسمه كأحد ضباط سلاح المدرعات وقيادته للواء تعز، المدينة الثانية في اليمن (من غير الجنوب) حين كان يحمل رتبة رائد في الجيش اليمني. وللمناسبة فإن تربية صالح الأولى تتطابق مع طفولة صدام حسين. فكلاهما رأيا النور في بطن امرأتين اقترنت الواحدة منهما بثلاثة أزواج، وتربيا في أحضان غير أبويهما، وكلاهما عملا مع أب بالتبني. وعلي عبد الله صالح كان يرعى الغنم ولم يعرف القراءة والكتابة إلا في سن العاشرة في أحد كتاتيب تحفيظ القرآن، كما أن دخوله مدرسة الضباط كان بوساطة، فلم تكن لديه شهادة ولو مدرسة ابتدائية. وهو يدين بوصوله لمنصب قائد لواء تعز للرئيس إبراهيم الحمدي الذي دفع ببعض خريجي المدرسة العسكرية لشغل المناصب في حركة تصحيحية بهدف إبعاد الوجوه العسكرية الكالحة التي تبوأت تلك المناصب في عهد الإمام، واحتفظ بها الرؤساء السابقين، ووجد الحمدي إزالتها من طريقه وحركته التصحيحية، وكانت النتيجة أن قام علي عبد الله صالح بإطلاق النار على رأس الحمدي، ولي نعمته، في واقعة جديرة بمزيد من التفاصيل. وقبل التعرض إلى جرائم صالح يلزمنا التنويه بأن ارتباط سيرته الذاتية بحالة التزاوج المريب بين القسوة والثروة والميل إلى إراقة الدماء وارتكاب الجرائم والتمسك بالسلطة، وقد بدأ كما قلنا برحلة العنف والميل لارتكاب الجرائم قبل أن يتقلد السلطة عام 1978، أما جمع المال والثروة واستخدام موقعه العسكري للحصول على العائدات الضخمة فقد بدأها بممارسة مهنة تهريب الخمور مستخدماً ميناء المخا الذي تستعيده الآن قوات التحالف على البحر الأحمر، وكانت تجارته للخمور تغطي احتياجات اليمن كلها، ولا غرو فقد ذكرت إحصائيات دولية محايدة ان استهلاك اليمن من الخمور وبالنسبة العددية للسكان تفوق الدول العربية منفردة. وكما نعلم فإن امتهانه التهريب قبل الرئاسة سبغت فيما بعد تعامله مع الثروة القومية لليمن وممارسة النهب والفساد في اليمن، كما تشير الوكبيديا إلى أن اليمن في عصره جاء ترتيبها على رأس دول الفساد في العالم على اتساعه. أما عن جرائم صالح الخفية التي تمت التغطية عليها لزمن طويل، فقد بدأت قبيل اعتلائه منصب رئيس جمهورية اليمن (من دون الجنوب) ثم دولة الوحدة عام 1990. فقد كان على موعد مع الدور الذي اختاره لنفسه لتدمير اليمن. ففي عام 1978 قام وبالاشتراك مع الغشمي الذي حكم اليمن لمدة 4 أشهر فقط باستدراج الرئيس الحمدي صاحب التجربة السياسية الفارقة في اليمن إلى مأدبة غداء في منزله بمدينة صنعاء وأن الحضور كما أوهموا الحمدي سوف يشمل بعض الضباط، ورحب الحمدي الذي كان يوصف بالبساطة والشجاعة وعدم اصطحاب الحراس في جولاته وكان ينتقل بسيارته الفولكس واغن (بجي) في ذهابه إلى مكتبه والعودة، ويقال إن الحمدي اتصل بأخيه وطلب منه أن يسبقه إلى منزل الغشمي. وفي اللحظة التي فتح الباب للرئيس وجد صالح والغشمي يشهران مسدسيهما ويصوبانهما إلى رأس الحمدي وأخيه، ووقعا أرضاً مضرجين بالدماء، وعاجله صالح بالقول إن مصيرك هو مصير أخيك. ويذكر الراوي الذي كان ينصت إليهما من دون علمهما أن الحمدي قال لهم «لستم بحاجة إلى مزيد من الدماء وما عليكما إلا أن تحجزا طائرة سأتوجه بها إلى جهة يتم تحديدها من قبلكما واليمن أمانة في أيديكما. فالدم لا يجلب إلا الدم». يذكر الراوي أن الغشمي بدا وكأن الفكرة تروق له وإنه لا يمانع في رحيل الحمدي. إلا أن صالح التفت إلى الغشمي وقال له، وهل تود أن تخرجه من الباب فيعود إلينا من الشباك؟ ومن دون أن ينتظر الرد عاجل الرئيس الحمدي بطلقة في الرأس وهو كما يشهد له كل اليمنيين وكل من عرفوا هذا الرئيس الزاهد والفقيه الذي عمل قاضياً لفترة طويلة قبل أن يذهب للجيش من موقف الإقناع بأنه سيخدم اليمن بصورة أفضل، فجره ذلك العقل الممتلئ بالعلوم المتنوعة وصاحب مشروع